ويذكر في هذا الصدد ، أن قبيلة أزد هاجرت إلى الشمال ، ويختلف المؤرخون في سبب تلك الهجرة. فبعضهم يعزوها إلى إضمحلال التجارة في بلاد اليمن ، والبعض الآخر يعزوها إلى إنقطاع سد مأرب واضطرار كثير من القبائل إلى الهجرة مخافة الهلاك.
وبالطبع فإن هجرة القبائل عادة تكون إلى أقرب منطقة يكثر فيها العشب والكلأ والماء ، يجدون فيها مرعى خصبا لإبلهم ومواشيهم.
أما الإفراد ، فإنهم غالبا ما كانوا يقصدون الحواضر والمدن العامرة بألوان التجارة ، فكان أقرب تلك المدن إلى اليمن وأوفرها عيشا البلد الأمين مكة ، موطن الرخاء للسادة والدعة والسلام.
لقد كانت مكة قبل البعثة النبوية مهوى قلوب الناس ، وذلك نظرا لموقعها الديني العريق الذي يرتبط ببيت الله وموطن إبراهيم (ع). هذا بالإضافة إلى موقعها الجغرافي ، إذ أنها تمثل نقطة الإرتكاز بالنسبة للقوافل القادمة من بلاد فارس والعراق والشام إلى بلاد الحجاز واليمن والحبشة ، ففيها يجد التجار منتجعا للراحة من وعثاء السفر الطويل المضني ، وسوقا تزدحم بأنواع البضائع والمشتريات ، كما يجد الحجاج فيها مستقرا روحيا يميط عنهم درن الذنوب.
وامتاز أهل مكة في الجاهلية بخصال نبيلة تلتقي مع حنيفية إبراهيم (ع)، فقد كانوا حلفاء متآلفين ومتمسكين بكثير من شريعة إبراهيم (ع)، فكانوا يختنون أولادهم ، ويحجون البيت ، ويقيمون المناسك ، ويكفنون موتاهم ، ويغتسلون من الجنابة ، كما تباعدوا في المناكح من البنت ، وبنت البنت ، والأخت ، وبنت الأخت غيرة وبعدا عن
পৃষ্ঠা ১৫