[مراقبة الله]
قال الوافد: صف لي المراقبة ؟
قال العالم: من راقب الله في الخلوات، أجاب له الدعوات، المراقبة، تورث المحاسبة، راقب مولاك في الليل إذا دجاك، وفي النهار إذا أضاك، يعصمك من هواك، اذكر نظر الله إليك، ولا تنس اطلاعه عليك، أما تعلم أن الرب إليك ناظر ؟! وعليك في كل الأحوال قادر ؟! أما تعلم أن مولاك يراك ؟! ويسمع سرك ونجواك ؟ ويعلم منقلبك ومثواك ؟ أرخيت عليك الأستار، وأخفيت ذنوبك عن الجار، وبارزت الجبار بالمعاصي الكبار، وجمعت الذنوب والأوزار، وشهد عليك الليل والنهار، والملائكة الحضار.
أما تخاف عقوبة الجبار ؟! والخلود في النار ؟ إلى كم تستتر عن أعين الناظرين ؟ وقد شاهدك أقدر القادرين ؟ كم تخاف من المخلوق وتستخفي ؟ ولا تخاف الخالق ولا تستحيي، كم تنقض العهود ؟ وتستخف بالشهود، كم تجتريء على المعبود ؟ ويعود عليك ولا تعود ؟ كم رآك على المعاصي وستر، واطلع منك على القبائح وما نشر، وغطى عليك وما شهر، أما تذكر قبائح أمرك ؟ أنسيت فضائح سرك ؟ أما تخاف من ذنوبك ؟ أما تزدجر عن عيوبك ؟ أغفلت عن الداهية ؟ ولم تخف الهاوية. أأمنت من لا تخفى عليه خافية ؟! وقد اطلع عليك مرارا، وأسبل عليك أستارا، ( وبارزته غير مرة فستر وعفى، ونقضت ما عاهدته عليه ووفى ).
ولو شاء لأمطر عليك الحجارة من الهواء، وسلب منك العطاء، وكشف عنك الغطاء وشهرك لعباده، وضيق عليك بلاده، وبدل اسمك، وغير جسمك، هب أنه ستر عليك في الدنيا، ماذا تعتذر إليه في العقبى ؟ هب أنه تجاوز وعفا، وقد نقضت ما عاهدك عليه ووفى، ألم تستح من خالق الأرض والسماء ؟ ألم تستح من الحفظة الكرام ؟! ألم تخف من لا ينام ولا يضام ؟! يا حياه من قلة الحياء!!
وقال في ذلك :
يا من شكى حافظاه خلوته .... حين خلا والعباد ما فطنوا
لم يهتك الستر إذ خلوت به .... بر لطيف كفاله المنن
পৃষ্ঠা ৩১০