[البكاء]
قال الوافد: فما تقول في البكاء ؟
قال العالم: لأن تبكي وأنت سليم، خير من أنت تبكي وأنت سقيم، وفي النار مقيم بين أطباق الجحيم، والشيطان لك قرين خصيم.
واعلم أنك دخلت الدنيا عند خروجك من بطن أمك باكيا عابسا، فاجهد أن تخرج منها ضاحكا مستأنسا، لأن تبكي وأنت في الطريق، خير من أن تبكي وأنت في وسط الحريق، البكاء مع السلامة، خير من البكاء مع الملامة، اليوم ينفعك البكاء لو بكيت ندما، وغدا لا ينفعك البكاء لو بكيت دما، البكاء قبل المعاينة، خير من البكاء يوم المباينة، ابك لضعف فاقتك، ابك لقلة طاقتك، ابك لكثرة معاصيك، ابك لعظم مساويك، ابك لإفلاسك، ابك لعدم إيناسك، ابك لقلة عملك، ابك لقلة حيلتك، ابك لعدم وسيلتك، ابك لكثرة وزرك، ابك لثقل ظهرك، ابك لفساد أمرك، ابك لظلام قبرك، ابك لقسوة قلبك، ابك لخبث سرك، ابك لمضي دهرك، ابك لكشف سترك، ابك لساعة موتك، ابك لانقطاع حياتك، ابك لغربتك في لحدك، ابك لتوديع دارك، ابك لتوقع قرارك، ابك اليوم بوارك، ابك لاستقبال أهوالك.
قال الوافد: كيف أصنع إذا لم أستطع البكاء ولم تدمع العين ؟!
قال العالم: ما جمدت العيون إلا بقساوة القلوب، وما قسات القلوب إلا من كثرة الذنوب، وما كثرة الذنوب إلا برضى للعيوب، وما وقع الرضى بالعيوب إلا بعد الإجتراء على علام الغيوب، جمود العين، من وجود الرين. وقال في ذلك:
تزود من حياتك للممات .... ولا تغتر في طول الحياة
أترقد والمنايا طارقات .... كأنك قد أمنت من البيات
أتضحك أيها العاصي وتلهو .... ونار الله تسعر للعصات
أتضحك يا سفيه ولست تدري .... بأي بشارة يأتيك آت
পৃষ্ঠা ২৮০