البيت وما أدراك ما البيت: «هو بضع حجرات صغيرة، يزدحم إلى حد الاختناق بساكنيه، وهم رجل، وامرأة تلد بين الحين والحين، وثلة من البنين والبنات من مختلف الأعمار، الهواء فيه منعدم، والفضاء منعدم، كأنه سجن قذر، ينتشر فيه الظلام والمرض والروائح الكريهة.» (وكان تعبير المراقب شديد الوضوح جدا، حتى إن ولدا من الأولاد، أشد حساسية من الآخرين، شحب لونه عند مجرد الوصف، وأوشك أن يخر عليلا.)
وخرجت ليننا من الحمام، وجففت نفسها بالمنشفة، وأمسكت بأنبوبة طويلة مرنة مثبتة في الحائط، ووضعت طرفها فوق ثديها كأنها تزمع الانتحار، ثم ضغطت على المفتاح الضابط إلى أسفل، فإذا بزوبعة من الهواء الدافئ تنثر فوقها مسحوق تالكم الدقيق، وكان فوق حوض الغسيل ثمانية أنواع مختلفة من العطور والكولونيا تتدفق من الصنابير، وقد فتحت الصنبور الثالث من جهة الشمال، وبللت نفسها «بالشبر»، وحملت حذاءها وجواربها في يدها، ثم خرجت لعلها تجد إحدى الآلات المفرغة المذبذبة خالية من العمل.
والبيت قذر من الوجهة النفسية، كما هو قذر من الوجهة المادية، فهو من الوجهة النفسية أشبه ما يكون بجحر الأرنب أو كومة القاذورات، الحياة فيه مكدسة أشد التكديس؛ ولذا يكثر فيه الاحتكاك وتضطرم العواطف. وما أكثر ما ينشب بين أعضاء الأسرة من تقارب خانق وعلاقات خطرة جنونية فاسدة! والأم تحنو على أطفالها (وأقول أطفالها هي) كالمجنونة، إنها تحنو عليهم كما تحنو الهرة على الهريرات، ولكنها هرة تستطيع الكلام، وتسطيع أن تقول وتكرر قولها: «ولدي، ولدي، هيه يا ولدي، إنه فوق صدري، ما أصغر يديه، إنه جائع، ما أشد سروري به رغم إيلامي! وأخيرا ينام ولدي على جانب فمه فقاعة من اللبن الأبيض، إنه ينام ...»
قال مصطفى مند وقد أومأ برأسه: «نعم، لكم أن ترتعدوا.»
وعادت ليننا من عملية الآلة المفرغة المذبذبة، كأنها لؤلؤة تضيء من داخلها، وتومض ببريق قرنفلي، ثم سألت: «مع من سوف تخرجين هذا المساء؟» - «لا أحد.»
فرفعت ليننا حاجبيها من الدهش.
قالت فاني: «لقد شعرت أخيرا بشيء من التوعك، فنصحني الدكتور ولز أن آخذ «عوضا عن الحمل».» - «ولكنك بلغت التسع عشرة من العمر فقط يا عزيزتي، وعوض الحمل الأول لا يتحتم إلا في الحادية والعشرين.» - «أعرف ذلك يا عزيزتي، ولكن من الناس من يتحسن لو بكر به. لقد خبرني الدكتور ولز أن السمراوات ذوات الحوض الواسع من أمثالي، يجب أن يأخذن عوض الحمل الأول في السابعة عشرة؛ ولذا فإني في الواقع تأخرت عامين، ولم أبكر بهما.» وفتحت باب خزانتها وأشارت إلى صف من الصناديق، وإلى القوارير ذوات البطاقات فوق الرف العلوي.
وقرأت ليننا العبارات بصوت مرتفع: «هذه عصارة بعض خلايا المبيض، أوفارين، طازج مضمون، لا يستعمل بعد أول أغسطس من عام 632ف، خلاصة الغدة الثديية، تؤخذ ثلاث مرات كل يوم، قبل الوجبات، مع قليل من الماء، المشيمة: ه ج ج، يستعمل للحقن مرة كل ثلاثة أيام.» فارتعدت ليننا وقالت: «أوه إنني أكره حقن الوريد، ألست مثلي؟»
قالت فاني وهي فتاة حساسة جدا: «أجل، ولكنها حين تنفع المرء ...»
كان فورد - أو فرويد، كما كان يحب أن يسمي نفسه (لسبب لا نفهمه)، كلما تحدث عن الشئون النفسية - أول من كشف عن الأخطار المروعة في الحياة العائلية. كان العالم مليئا بالآباء - ولذا كان مليئا بأسباب الشقاء، وكان مليئا بالأمهات - ولذا كان مليئا بكل نوع من أنواع الشذوذ من السادزم (أو الولع بتعذيب الآخرين) إلى العفة، وكان مليئا بالإخوة والأخوات والأعمام والعمات - ولذا فهو مليء بالجنون والانتحار. - «ومع ذلك فمتوحشو ساموا، في بعض الجزر البعيدة عن ساحل غنيا الجديدة ...»
অজানা পৃষ্ঠা