كانت الغرفة التي دخلها ثلاثتهم مكتب المراقب.
وقال لهم الساقي «ج»: «سوف يأتيكم سيادته بعد لحظة.» وتركهم وحدهم وانصرف.
فضحك هلمهلتز ضحكة عالية وقال: «إن هذا الاجتماع أشبه بحفلة محلول الكافيين منه بالمحاكمة.» واستوى على أفخر كرسي هوائي، ثم قال: «تشجع يا برنارد» وقد وقع بصره على وجه صاحبه الأخضر التعس، غير أن برنارد لم يتشجع، ولم يحر جوابا، بل ولم يلتفت إلى هلمهلتز، بل سار نحو أسوأ الكراسي في الغرفة وجلس عليه، وقد عني بانتقائه وعنده أمل غامض أنه بذلك يفت - على صورة ما - من حدة غضب السلطات العليا.
وأخذ الهمجي في غضون ذلك يجوس خلال الغرفة قلقا، وتطلع بشغف سطحي غامض إلى الكتب في الرفوف، وإلى صحائف الآثار الصوتية، وإلى أسطوانات آلات القراءة، وقد وضعت كل منها في عين مرقومة، وكان على المنضدة تحت النافذة مجلد ضخم مغلف بجلد بديع أسود طري، ومختوم بحرف
T
المذهب الكبير، فالتقط الكتاب وفتحه، «حياتي وعملي لمؤلفه فورد»، وقد نشرت الكتاب في دتروا جمعية نشر المعارف الفوردية، وتصفح الكتاب ببطء شديد ، وقرأ عبارة هنا وفقرة هناك، وأوشك أن يقرر أن الكتاب لا يشوقه، وعندئذ فتح الباب، ودب في الغرفة المراقب العالمي المقيم لغرب أوروبا.
وصافح مصطفى مند ثلاثتهم، ولكنه وجه الخطاب إلى الهمجي قائلا: «إذن أنت لا تغرم بالمدنية أيها الهمجي.»
فالتفت إليه الهمجي، وكان قد تأهب للكذب والهياج، ولأن يلزم الصمت في اكتئاب، غير أنه آثر الصدق والصراحة، لما اطمأنت نفسه إلى الذكاء وروح الفكاهة الباديين في وجه المراقب، فهز رأسه قائلا: «كلا!»
فذعر برنارد وأصابه الفزع، ماذا يظن المراقب؟ وأزعجه أن تنسب إليه صداقة رجل قال إنه لا يحب المدنية - وقد صرح بذلك إلى المراقب دون الناس أجمعين! وبدأ يقول: «ولكن يا جون ...» غير أن نظرة من مصطفى مند أعادته إلى الصمت والهوان.
واستمر الهمجي في اعترافاته قائلا: «هناك بالطبع أشياء جميلة جدا، فتلك الموسيقى التي تملأ الجو مثلا ...» - «فأحيانا تطن في أذني آلاف الآلات الرنانة، وأحيانا أخرى ترن فيهما الأصوات.»
অজানা পৃষ্ঠা