العالم القطبي الأوروآسيوي. (2)
العالم القطبي الأمريكي.
ولكل من هذين القسمين صفاته الأساسية التي يمكن أن نلخصها في أن سكان العالم القطبي الأوروآسيوي في مجموعهم يمارسون الرعي المتنقل، بينما يمارس سكان العالم القطبي الأمريكي صيد الأحياء البحرية، وفي داخل هذين القسمين الرئيسيين سوف تؤدي الدراسة التفصيلية إلى تمييز أقاليم أخرى أصغر ذات صفات مختلفة - طبيعية وبشرية.
والآن، ما هي حدود العالم القطبي؟ إن هناك مفهومات كثيرة مترابطة تحدد ماهية العالم القطبي، فإن مجرد الاسم يربط هذا العالم بالمنطقة القطبية الشمالية والجنوبية من الكرة الأرضية من الناحية الفلكية، وهو كذلك يوحي بمفهوم مناخي لهذا العالم أوضح مؤثراته المناخية البرودة الشديدة المؤدية إلى امتداد غطاءات الجليد على سطح الأرض معظم أيام السنة، وظهور الصقيع دائما طوال السنة في عدة مناطق من هذا العالم.
لكن يجب علينا أن نوضح أيضا أن استخدام كلمة «العالم» مضافة إلى الصفة «القطبية» يؤدي بنا فورا إلى تحديد جلي لما نقصده من مكان هذه الدراسة، فالعالم هنا يشير إلى الأرض المأهولة والمعمورة - بعبارة أخرى يشير إلى المناطق القطبية التي توجد فيها حياة بشرية، وبهذا فإن العالم القطبي يقتصر على دراسة المنطقة القطبية الشمالية من الكرة الأرضية؛ لأن المنطقة الجنوبية غير مأهولة بسكان دائمين يعيشون على الموارد المحلية التي تقدمها الأرض التي عليها يعيشون، ومع ذلك فلا بأس من التنويه بالنطاق القطبي الجنوبي في حينه.
وإذا كان الأمر كذلك فما هي الحدود الجنوبية للعالم القطبي الشمالي؟ هل هي حدود مناخية أم نباتية طبيعية أم هما معا؟ هل هي حدود بشرية حضارية؟ هل هي الحد الشمالي للزراعة؟ أم الحد الشمالي للتوغل الحضاري الصناعي في المنطقة القطبية؟
إن الإجابة على هذا التساؤل صعبة ومركبة، ففي المناطق المختلفة تتفاعل مجموعات الحدود المشار إليها أو يسيطر حد واحد منها لكي يعطينا الحدود الجنوبية للعالم القطبي الشمالي، وفي المجموع وبصفة عامة فإنه يمكننا أن نقول: إن الحد الجنوبي في العالم القطبي الأمريكي هو الحد الفاصل بين الإسكيمو والأمريند - الهنود الحمر، ولكن إن كان هذا هو الحد في شمال كندا وألسكا، إلا أنه ليس هو الحد تماما في منطقة لبرادور وكوبيك وجنوب خليجي هدسن وجيمس، فهنا تتداخل الظروف الطبيعية والمناخية على وجه الخصوص لتمد الحد الجنوبي للعالم القطبي إلى كل لبرادور وشمالي كوبيك.
أما في أوروبا فإن الحد الجنوبي قد يكون الحد الفاصل بين الاسكندنافيين والروس، وبين المجموعات القديمة كاللاب والساموئيد، وفي آسيا يصبح الحد هو ذلك الفاصل بين سكان التنيجا - الغابات المخروطية السيبيرية، وسكان التندرا السوفيتية، ولكننا نلاحظ هنا تداخلا من جانب العوامل الطبيعية تؤدي إلى تعمق الحدود الجنوبية للعالم القطبي الآسيوي إلى الجنوب في سيبيريا الشرقية - على غرار ما لاحظناه في امتداد الحدود القطبية الأمريكية إلى الجنوب في شرق كندا.
ولعل ظروف المنطقة الغربية في كل من شمال أمريكا وأوروآسيا المناخية آخذة بالتحسن بحيث تؤدي إلى ضيق امتدادات العالم القطبي نحو الجنوب مرتبطة في ذلك بالظروف المتاخمة - إقليم غرب القارات المناخي في العروض الوسطى، بينما تتأثر منطقة شرق القارات بالظروف القارية مما يؤدي إلى تقدم العالم القطبي تقدما محسوسا صوب الجنوب في هذه المناطق الشرقية.
وعلى هذا النحو يبدو أن هناك حدودا طبيعية وبشرية معا للعالم القطبي، ولكن هذه الحدود ليست في الواقع سوى نطاقات وليست خطوطا فاصلة، وفي الوقت ذاته فإن التغلغل الحديث للجماعات الأوروبية والأوروبية الأصل في العالم القطبي الشمالي عامة قد أدى إلى كثير من التداخل وسوف يؤدي ذلك - إذا استمر - إلى غزو حضاري للعالم القطبي، وبذلك تنتهي آخر العوالم الحضارية الكبرى المنعزلة في صحاري التندرا المتجمدة، لكن التعميم بأن التندرا هي العالم القطبي ليس صحيحا فهناك مناطق من التندرا تدخل العالم القطبي مثل جزر الوشيان التي تسكنها قبائل الألوت من الإسكيمو - وهي الجزر الممتدة من ألسكا إلى كمتشكا في شمال المحيط الباسيفيكي. (3) الظروف الطبيعية في العالم القطبي
অজানা পৃষ্ঠা