موارد خشبية ومعدنية ممتازة للاستخدام الداخلي وللتجارة الخارجية.
درجة معقولة من الأمن بفضل شكل الجبال والأنهار.
إمكانية الوصول إلى البحر مقرونة بمنطقة داخلية شاسعة.
موقع جمع بين الخصائص المتوسطية والأحوال المناخية والطبوغرافية الأوروبية.
منطقة كانت على الأرجح مغرية للآخرين؛ ومن ثم ففي توحدها فائدة.
ولو قبلنا ما قال به أبقراط وأرسطو عن دور البيئة في طبيعة سكانها، لجاز لنا أن نذهب إلى أن طبيعة مقدونيا نمت سمات معينة في أهلها. إنها يقينا ليست بالبيئة «السهلة»؛ إذ لا بد أن يكون المقدونيون أهل جلد وشدة لكي يستفيدوا من موارد الجبال؛ فيصطادوا الأيائل والأسد، ويستخرجوا المعادن الخام، ويرتحلوا بالقطعان من المراعي الصيفية إلى المراعي الشتوية، ويحرسوا الممرات الجبلية الضيقة من الغزاة. وبما أن مقدونيا كانت محاطة بالغزاة المحتملين، كان الحفاظ على استقلالها سيفشل من دون تنسيق فعال للأمن. وكان لا بد لأي قائد مستقبلي لهذا الشعب أن يكون مدربا على إدارة إقليم ينطوي على إمكانيات عظيمة وأخطار دائمة في الوقت نفسه. (1) السكان
أكدنا على الانقسامات الطبيعية داخل الإقليم الذي وسع أثناء حكم الإسكندر الأول في القرن الخامس، بل ووسع أكثر أثناء حكم فيليب الثاني، وأفضت هذه الانقسامات إلى فروق بين التجمعات السكانية. تعود التجمعات السكانية المتنقلة إلى العصر البرونزي كما يتبين من الثقافة المادية، كطبيعة المواقع، وتقاليد دفن الموتى، وطرق صناعة الفخار. وأثناء العصر البرونزي سادت الشعوب الهندية-الأوروبية في الغرب والشمال الغربي، ويمكن أن تعزى التأثيرات الخارجية إلى التراقيين في الشرق، والميسينيين في الجنوب، وشعب يعرف باسم البريجيين (أو الفريجيين) تنم أساليبه في صنع الخزف عن أصل أوروبي أوسط. وتشير الشواهد إلى استمرار الشعوب الأولى، على الرغم من هجرة جماعات جديدة صغيرة نسبيا في أعدادها الكلية إلى المنطقة. تمخضت الغزوات عن تحركات سكانية، لكنها لم تغير هيكل الحياة الأساسي الذي تطور من العصر الحجري الحديث؛ ومن ثم كانت مقدونيا العليا والدنيا تتمتع بإرث هندي-أوروبي في أزمنة ما قبل التاريخ وفي عصر فيليب والإسكندر. وجدت هذه الرابطة المشتركة ذاتها بين شعوب مقدونيا الأساسية ومعظم جيرانها؛ إذ كان التراقيون والبيونيون والإبيروسيون، بل الإليريون أيضا، من أصل هندي-أوروبي.
ومع ذلك توجد فروق كبيرة بين مختلف الشعوب الهندية-الأوروبية؛ فعلى الرغم من انتمائها إلى لغة أساسية مشتركة، تفرعت هذه اللغة التي كانت ذات يوم واحدة لتصبح شجرة متعددة الفروع على مدى ألف سنة من التطورات بين الأفراد الناطقين باللغة الهندية-الأوروبية. إن فروع هذه اللغة الاثنا عشر الرئيسة هي: الأناضولية، والبلطيقية، والجرمانية، واليونانية، واللاتينية (أو الرومانسية والإيطاليقية)، والإليرية (أو الألبانية)، والهندية، والإيرانية، والسلتية، والسلافية، والتراقية، والطخارية. وانبثقت من كل واحد من هذه الفروع فروع أصغر على هيئة فروق في اللهجة. ومن حيث اللغات المستخدمة حاليا، يصل عدد الفروع إلى 77 فرعا، ويوجد حوالي 36 شكلا من أشكال اللغة الهندية-الأوروبية لم يعد مستخدما استخداما عاما. وكما يكشف مدى هذه الفئات، ربما يكون تنوع أشكال اللغة الهندية-الأوروبية غير واضح أو حتى غير مفهوم للناطقين بالأشكال الأخرى لهذه اللغة الأم. علاوة على ذلك، تنتج البيئات المختلفة أساليب حياة مختلفة تتمخض بدورها عن مفردات جديدة لا توجد بالضرورة بين الشعوب الهندية-الأوروبية الأخرى.
خلاصة القول أن توحيد الشعوب الهندية-الأوروبية العديدة في منطقة جنوب البلقان، على نحو يعززه إحساس بالإرث واللغة المشتركين؛ كان مستبعدا؛ لأن التنوع اللغوي كان جاريا منذ ما يتراوح بين ثمانية وتسعة آلاف سنة بحلول القرن الخامس قبل الميلاد. والحقيقة أنه لم تكن الشعوب كلها على الأرجح ناطقة بالهندية-الأوروبية؛ إذ إن هويات بعض التجمعات القبلية على امتداد جانبي جبال بيندوس ليست مؤكدة. كتب تشارلز إدسون، الباحث المتخصص في التاريخ المقدوني، في ملخصه المتزن المعنون «مقدونيا المبكرة»، عن «مجموعات من القبائل البربرية» في الأجزاء الشرقية والوسطى مما سيصبح مملكة مقدونيا الموحدة تحت قيادة فيليب الثاني. ربما كانت العناصر الثقافية المشتركة عاملا يسر التعاون، لكن ربما كان الأهم من ذلك حتى هو التهديدات المشتركة.
كذلك لن يفيد الأصل المشترك في ربط المقدونيين بجيرانهم الهنود- الأوروبيين الموجودين جنوبا على الخليج الثيرمي، وتحديدا الفرع الإغريقي من الأصل الهندي- الأوروبي. والحقيقة أن الآراء التي وصلت إلينا وقال بها بعض إغريق القرن الرابع قبل الميلاد، تكشف عن ضعف الآصرة المشتركة بين الإغريق والمقدونيين؛ فوفقا للخطيب الأثيني ديموستيني، لم يكن فيليب إغريقيا ولا حتى تربطه صلة قرابة بالإغريق، بل كان رجلا من أسوأ البرابرة، ينتمي إلى مكان يستحيل حتى شراء عبد صالح منه (الخطب الفيليبية، الخطبة الأولى، 4).
অজানা পৃষ্ঠা