فيا رب كل اثنين بينهما هوى
من الناس والأنعام يلتقيان
فيقضي حبيب من حبيب لبانة
ويرعاهما ربي فلا يريان
ومست ألحان مصر باي قلب خاير بك، فمال نحوها يقول: وماذا يكون إن رئيا يا مصرباي؟
ومد إليها يدا، فكفته وهي تقول: الحفاظ والمروءة يا خاير ... ألا يراهما ذو عينين.
وأخذا في حديث طويل، فلولا أن بين خاير بك وصديقه خشقدم الرومي موعدا قد أزف، لظل يحدث صاحبته ويستمع إليها حتى الصباح.
لم يفارق خشقدم الرومي سيده الغوري منذ دخل في رقه، فعاد معه من حلب إلى القاهرة عزيزا مكرما، ولم يطل عهده في الرق، فقد أعتقه مولاه ووهب له خيلا ومالا وجعله في بطانته، ولم يأله منذ كان إكراما وبرا، فهيأ له أسباب الإمارة، وزوجه بنت جاني باي الأستادار، وأقطعه دارا، وأجرى له رزقا، واعتده من خاصة مماليكه، ولكن خشقدم مع كل ذلك لم ينس أنه رومي بين الجراكسة، وأنه كان يوما ما رفيقا لطومان باي، ذلك الجركسي الشاب الذي يهتف اليوم باسمه الأمراء والسوقة، وينفذ أمره في القصر وفي الديوان ... ولم يزل خشقدم حيث كان: عتيقا ليس له إقطاع ولا إمارة! «لماذا تفاوتت المقادير بينهما هذا التفاوت البعيد؟ ألأنه ابن أخي الغوري فيما يزعم؟ وما هذا في دولة المماليك ؟ أترى أولئك الذين يتأمرون منهم ويحكمون، قد بلغوا مرتبة الحكم والإمارة لأن آباءهم كانوا من الأمراء أو من السلاطين؟ فمالهم يجعلون الأنساب سببا لغير مسبب، ودستور هذه الدولة إنما يقوم على حق «المملوكية» لا على الأنساب؟ ...»
كذلك كان خشقدم يدير هذه الأسئلة بينه وبين نفسه حينا بعد حين، فلم تلبث المنافسة بينه وبين طومان باي أن انقلبت إلى حسد، وتطور الحسد فإذا هو حقد وضغينة، وتضاعف الحقد حتى صار هما مقيما مقعدا، كأن له عند طومان باي ثأرا يطلبه، فلا يزال يتحين له الفرصة ليبلغ منه مبلغه.
ودارت المقادير بخشقدم في فلكها الدائر، فإذا هو يلقى خاير بن ملباي ذات يوم وجها لوجه، وما التقيا قط منذ افترقا في حلب منذ بضع عشرة سنة، فما كادا يلتقيان حتى ألف بينهما هوى مشترك، فلم يلتقيا بعدها إلا على ميعاد.
অজানা পৃষ্ঠা