وتولى جانبلاط العرش خلفا للظاهر قنصوه!
الفصل الخامس عشر
دسائس القصور
قال طومان لعمه الغوري: أهذا ما كنت تعمل له منذ عامين يا عم؟! أمن أجل أن يتولى جانبلاط العرش كنت تجهد جهدك وتحتال حيلتك، وتبعث الرسل والرسائل، وتجمع الجماعات وتؤلب الأحزاب؟! ومن جانبلاط حتى يسبقك إلى العرش ويدعك حيث كنت وأنت أنت؟!
وابتسم الغوري ابتسامة عريضة وهو يقول: صبرك يا طومان وانتظر حتى يوفى الأجل، أفكنت تحسبني أتولى العرش لو دعيت إليه اليوم، ومن ورائي مطامع جانبلاط وطومان باي الدوادار، ومن وراء الاثنين أصل باي وخوند فاطمة تغريانهما بالوثوب على العرش؟ صبرك يا بني حتى لا يكون هناك جانبلاط ولا طومان باي، ويومئذ ...
فأعجله طومان قائلا: ويومئذ يكون هذا الشعب قد ثقل عليه ما يحمل من مظالم السلاطين، فيخلع الجراكسة جميعا، فلا يكون ثمة جانبلاط، ولا طومان باي، ولا الغوري، حتى ولا خشقدم الرومي، ويخلص عرش مصر لبدر الدين بن مزهر، أو لابن أبي الشوارب، من صعاليك المصريين أو صعاليك العربان، وتنهار دولة الجراكسة بعد عز ومنعة، وتتناهبها أطماع البنادقة والروم وملوك النصرانية!
وضاق صدر الغوري بما يسمع من حديث ابن أخيه، فصاح مغضبا: صه! أظننت نفسك أغير مني على دولة الجراكسة أو أخبر بسياسة السلاطين؟! أنا الذي حطمت الستين وعاصرت سياسة هذه الدولة جيلا بعد جيل!
ثم هدأ من ثورة وترفق بعد عنف، وأردف قائلا: إنها يا بني السياسة ، أتظن أن الدوادار طومان باي قد رفع السيف، وقاد الجند، واقتحم الباب؛ ليؤثر جانبلاط على نفسه، ويضع على رأسه التاج، ويقنع هو بأن يظل دوادارا؟! ما أحمقه إذن! ولكنه يعلم أن جانبلاط أدنى منه منزلة إلى العرش، وإن كان بغيضا إلى الأمراء وإلى المماليك جميعا، فقدمه على نفسه ليخلص منه حين يشاء، ويثب حين يثب إلى العرش، وقد اجتمعت له قلوب الناس وليس وراءه من ينازعه أو يزعم أنه أحق بالعرش منه، فذلك ما أراده الدوادار طومان باي، ولو شاء لنحى جانبلاط عن طريقه، وجلس مجلسه على العرش خائفا يترقب ...
قال طومان: أفتراه يرفعه اليوم إلى العرش ليخلعه غدا؟
قال الغوري: نعم يا بني، وسترى بعينيك إلى أين تصير الأمور!
অজানা পৃষ্ঠা