وأحس قائد العسكر حرج الموقف، فآثر الانسحاب بعسكره، وخلف علي بن رحاب في حماية طومان ...
وتسحب الناس إلى بيوتهم، قد نغص أولئك المماليك عليهم ليلتهم، فما استمتعوا بشيء مما ألفوا أن يستمتعوا به في ليالي علي بن رحاب.
وانفض السامر فلم يبق من ذلك الجمع الحاشد إلا شراذم متفرقة، قد أخذت كل جماعة منها في باب من أبواب الحديث، وتنتهي جميعا على رأي واحد، هو الإعجاب بطومان، والسخط على غلظة أولئك المماليك، وإنهم فيما يتحاورون ليخلطون الجد بالهزل، ويستنبطون من كل معنى فكاهة ونادرة وضحكا عريضا.
وكان أرقم المسيخ لم يزل حيث كان، قد انتقع وجهه، ودارت عيناه في محجريهما، يرمي بهما إلى هنا وها هنا في قلق ظاهر، كأنما يبحث عن شيء، حتى استقرتا على وجه طومان، وقد جلس إلى علي بن رحاب يتحدث إليه ويسمع منه. وكان الغضب قد زاد أرقم تشويها ومسخا، حتى كأنه تمثال منصوب للقبح والدمامة، فلم تكد عينه تستقر على طومان حتى انحسرت شفتاه عن شيء يشبه الابتسام، وتمثلت في عينيه نظرة إعجاب وحب ورحمة!
وبلغت أذنيه قهقهات متتابعة، فاستدار ينظر، فإذا جمال الدين السلموني الشاعر وأصحابه قد وضعوا أيديهم على بطونهم ، ومال بعضهم على بعض مغرقين في ضحك عريض، فزم شفتيه أسفا وهو يقول في همس: حتى في هذه الساعة لا يدعون المزح والدعابة!
وسمعه تقي الدين بن محمود فقال متحديا: ما لك أنت ولهذا أيها المسيخ الدجال ... هلا بقيت إلى جانب شيخك في هذه الليلة، تنظف له خلوته وتحرق بين يديه البخور!
وكأنما ساءه أن يذكر شيخه أبو السعود في هذا المقام على لسان ذلك المهذار العابث، فأجاب غاضبا: وتذكر شيخنا أيضا! أما والله لولا مقامه في هذه الأمة، لمحقها الله محقا، وصب عليها العذاب ألوانا، وإنما ترحمون به من غضب الله!
قال الخطيب بدر بن جمعة ساخرا: صدق الله العظيم:
وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم !
قال المؤذن: صلى الله عليه وسلم.
অজানা পৃষ্ঠা