سأل صاحب الصوت الجامد: «ألا ترى أنك حدت عن النقطة الأساسية؟ إن اعتلت كل من هاتين المرأتين منصة الشهود على نحو منفصل، فأيا منهما ستصدق؟»
بدورها، قارنت آيريس الشاهدتين الافتراضيتين. كانت إحداهما امرأة إنجليزية مميزة من سكان المقاطعات ، لها قوام ممشوق ووجه عذب نبيه. إن كانت تعبر المحطة وكأنها تملك حق المرور، فهي بالنسبة لها مجرد طريق مختصر لغايتها النهائية.
أما الحسناء السمراء، فكان من الواضح أنها متسكعة. ربما تكون تنورتها الملاصقة لجسدها وقميصها القروي المطرز هما ما ترتديه أي سيدة أوروبية أثناء عطلتها، لكن شفتيها الحمراوين الجذابتين وعينيها المعبرتين لم يمنعوا آيريس من أن تراها كغجرية سرقت للتو دجاجة لطهيها.
رغما عنها، كانت مضطرة لأن توافق البروفيسور في رأيه، لكنها مع ذلك شعرت بالحيرة تجاه الشاب عندما توقف عن الجدال؛ لأنها كانت تدعم الجانب الخاسر.
قال: «أفهم ما تعنيه. معاطف الحماية من المطر البريطانية تفوز في كل مرة، لكن مطاط الكونجو كان قضية دموية، وإن ساد الاعتقاد بقدرة المطاط على الحماية فقد يثير ذلك بلبلة مريعة. تعال لنحتسي مشروبا.» «شكرا لك، اسمح لي أن أطلبه أنا؛ فأنا أريد الاستفادة من كل فرصة ممكنة للحديث باللغة المحلية.» «أتمنى أن تنمحي من ذاكرتي؛ فهي لغة مثيرة للاشمئزاز، ومليئة بأصوات تشبه البصق والعطس. أنت تدرس اللغات الحديثة، أليس كذلك؟ هل تحضر الكثير من الطالبات محاضراتك؟» «أجل، لسوء الحظ.»
شعرت آيريس بالأسف عندما ابتعدا عنها؛ فقد أثار جدالهما اهتمامها بعض الشيء. تزايدت أعداد الحشد على الرصيف، مع أن القطار لن يصل إلا بعد خمس وعشرين دقيقة، حتى إن وصل في موعده. اضطرت لأن تتشارك مقعدها مع آخرين، بينما جلس طفل القرفصاء فوق حقيبة سفرها.
مع أن ذلك أتلف الحقيبة، لم تمانع تطفله. لم يستطع الارتباك أن ينال منها لأنها كانت مستغرقة في اللحظة الحالية؛ فقد استحوذ عليها ضوء الشمس وأوراق الشجر المترقرقة والتماعة البحيرة مجتمعين ليأسروها في حالة من السكون الهنيء.
دون سابق إنذار، أتى الهجوم. وقع الأمر على حين غفلة.
فجأة، شعرت بألم حاد في مؤخرة عنقها. وقبل أن تستوعب الأمر، اهتزت الجبال ذات القمم البيضاء، وتحولت السماء الزرقاء إلى اللون الأسود، واكتنفها الظلام.
الفصل السادس
অজানা পৃষ্ঠা