18 فصل: في خواص الشمس وعجيب تأثيرها في العلويات والسفليات
(أما) في العلويات فإخفاؤها جميع الكواكب؛ لكمال شعاعها، وإعطاؤها للقمر النور؛ بسبب قربه منها وبعده عنها، وجميع ما ذكرنا من فوائد القمر فائدة إذا أشرقت على الماء صعدت منه أبخرة بسبب السخونة، فإذا بلغ البخار إلى الهواء البارد تكاثف من البرد وانعقد سحابا ثم تذهب به الرياح إلى الأماكن البعيدة عن البخار فينزل مطرا يحيي الله به الأرض بعد موتها، وتظهر منه الأنهار والعيون فيصير سببا لبقاء الحيوان وخروج النبات وتكون بالمعادن وقد قال عز وجل: وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات [الأعراف: 57].
(ومنها) أمر المعادن فإن العصارات التي تنحلب في باطن الأرض في مياه الأمطار إذا اختلطت بالأجزاء الأرضية تصحبها الشمس فتتولد منها الأجساد المعدنية بحسب مواده كالذهب والفضة وسائر الفلزات، وكالياقوت والزبرجد وسائر الأحجار النفيسة، وكالزئبق والكبريت والزرنيخ والملح والنوشادر، ولا يخفى عموم فوائد هذه الأشياء كلها.
(ومنها) أمر النبات فإن الزروع والأشجار لا تنبت إلا في المواضع التي تطلع عليها الشمس، وكذلك، لا ينبت تحت النخل والأشجار العظيمة التي لها ظلال واسعة شيء من الزروع؛ لأنها تمنع شعاع الشمس عما تحتها وحسبك ما ترى من تأثير الشمس بسبب الحركة اليومية في النيلوفر، والأذريون، وورق الخروع؛ فإنها تنمو وتزداد عند أخذ الشمس في الارتفاع والصعود فإذا زالت الشمس أخذت في الذبول حتى إذا غابت ذبلت وضعفت، ثم عادت في اليوم التالي إلى حالها.
(ومنها) تأثيرها في الحيوانات؛ فإنا نرى الحيوانات إذا طلع نور الصبح خلق الله تعالى في أبدانها قوة فتظهر فيها قوة حركة وزيادة نشاط وانتعاش، وكلما كان طلوع نور الشمس أكثر إلى أن تصل إلى وسط سمائهم أخذت حركاتهم وقواهم في الضعف، ولا تزال تزاد ضعفا إلى زمان غيوبها، فإذا غابت الشمس رجعت الحيوانات إلى أماكنها ولزمتها كالموتى فإذا طلعت الشمس عليهم في اليوم الثاني عادوا إلى الحالة الأولى، ومن عجيب تأثيرها في الحيوانات أن تجعل أهل البلاد القريبة عن مسامتتها كبلاد السودان الذين هم الإقليم الأول سودا محترقين، وتجعل وجوههم من شدة الحرارة قحلة، وجثثهم خفيفة، وأخلاقهم وحشية شبيهة بأخلاق السباع،
পৃষ্ঠা ২৯