ذقت حبا والهوى نار السموم
قاطف زفراتي، بخلاق السما •••
مت حرصا فيك أن قربتني
ودنا أجلي إذا أبعدتني
إن حرمت الأنس أو آنستني
فعلى كل جوابي أينما
هذا ما قالته وهي في الثالثة عشرة قبل أن تطلق لعواطفها العنان وقبل أن «يرخص لها رسميا» أن تتخذ لنشيدها موضوعا حيا. فأي الأناشيد تغرد الآن في القلب الصغير إذ ترقب «وجهه» من وراء النافذة وهو داخل؟ وإذ ينقلون إليها أخباره؟ وأن تتصوره فيه اليوم وهو بعيد؟ وإذ تفكر في الغد حين تكون معه؟ ليتها دونت لنا يومياتها في ذلك العهد؛ إذن لتمتعنا بتأثرات بريئة شهية! ... ولكن لقد أغفلت الكتب وأسلمت الكراريس للغبار والسكون، ولهت التلميذة المجتهدة بتهيئة الأثواب الجميلة الزاهية والحلى المتألقة الغالية. والأيام تحدو الأيام سراعا في إتمام معدات العرس. ولقد أقبل أخيرا اليوم العظيم يوم تنفتح السماء فوق المرأة مرسلة إليها قضاء السعادة أو قضاء الشقاء.
وها هي ذي بطلتنا الآن ليست شاعرة بل هي عروس شعر في بهجة أعوامها الأربعة عشر، تنجلي على عرش الصبا والرواء والحب. الأمل يزهو على شفتيها، والتأثر يلهب خديها، والرغد يبسم في نظراتها، ويخافون عليها عين السوء في مهرجان الفرح فيذرون فوقها وحواليها حفنات الملح، كما تذر في القاعة حفنات النقود للبائسين.
ها هي ذي تسير في موكب العرس إلى بيت عريسها يتقدمها ثلة من البوليس، وأخرى من الفرسان، وحملة الشموع والأزهار، والموسيقى الوطنية الشجية بألحان الناي ونقر الطبول. تتبعها مركبتها المجللة بنفيس الأقمشة ووراءها خط طويل من مركبات المدعوات. ها هو ذا بيت الفرح تخفق حوله الأعلام المصرية الحمراء، وتلمع بينها عديد المصابيح الملونة ... ها هم وصلوا، ووقفت مركبتها ... وقد جاء الخاطب يستقبل عروسه ويقودها بيده إلى مخدعها وسط جلبة المدعوات، وتراكض الخدم والآغاوات، والأصوات والزغاريد الممزقة الهواء.
وبينما هي تبدل أثوابها وتخرج إلى قاعة الفرح لتحضر دورا آخر من الرقص والغناء يذهب الزوج الفتى «بزفة» إلى الجامع بين أصحابه، لتأدية فريضة الصلاة. ولكن ها هو قد عاد، وجاء يقابل عائشة التي تنزل عن درجات عرشها (كوشا) وتقف مرتعشة مسدولة الخمار، في انتظار إتمام الطقس المألوف ... الفتى يجثو للصلاة. ثم ينهض ويدنو من الفتاة فيرفع الحجاب وينظر في وجهها للمرة الأولى، ويشبك على صدرها حلية ثمينة فتقبل يده شاكرة ويرد هو على هذه القبلة، بقبلة على جبهتها. ويلقي بحفنة من النقود إلى من بقي حولها من النسوة فيختفين. ويصعد العروسان إلى (الكوشا) فيجلسان في بهجة الفرح وسرور الأهل والأصدقاء. وبعد هذه الليلة تستهل حياة جديدة.
অজানা পৃষ্ঠা