إنه لأثر نفيس حقا؛ لأنه بكر في لمس موضوع خطير. وخير ما تنتهي إليه مباحثنا اليوم ليس بأصدق نظرا، ولا بأصوب حكما مما جاءت به عائشة منذ 37 عاما.
عنوان هذا المقال هو «لا تصلح العائلات إلا بتربية البنات»، وكما أنها في «مرآة التأمل في الأمور» تجعل منشأ الشقاء في بحث الرجل عن الثروة ليسيء بعدئذ التصرف بها فيهدم بيته بيده، فهي في هذا المقال تلوم المرأة على إسرافها في الزينة دون انتباه إلى واجباتها، وترى في ذلك مبعث الخلل والفساد، وتعجب «من مدنية تشفف بتزيين فتياتها بحلي مستعار، وتستعين على إظهار جمالهن بزخرف المعادن والأحجار ، وتتخيل أنها زادتهن بسطة في الحسن والدلال، والحال أنها ألقت تلك الأحداث في أخدود الوبال؛ لأنه لا يعد عليهن من تلك المستعارات إلا العجب والغرور المؤدي بهن إلى ساحات المباهاة والفجور؛ وذلك لكف بصيرتهن عن الإدراك وعدم علمهن نتائج الأحوال وعواقب الأمور.»
1 •••
موضوع زينة المرأة قد يشغل كتابا أو كتبا لمن يريد أن يتناوله من وجهه المهم دون الاكتفاء بالإرشاد، أو بالتهكم، أو النقد الجارح، لذلك ألقي هنا بكلمة فقط.
أعتقد أن من طبيعة وجود المرأة أن تكون جميلة، كما أن من طبيعة وجود النوع الإنساني أن يكون ذكيا نشيطا. وكما يصقل المرء ذكاءه بالمعرفة والتجربة والاطلاع، فكذلك تصقل المرأة جمالها بالزينة والأناقة والكياسة. الفتاة معدة لتكون ربة منزل، وأم عائلة، وسيدة مجلس زائرة ومزورة، وليست معدة لتنزوي في حياة الزهد والرهبانية؛ فيجب أن تنشأ على ما أعدت له من إبهاج المنازل وتزيين المجتمعات، وبث اللطف والأنس في كل ناحية تحل فيه. ولما كان عليها أن تبهج برخامة صوتها، وحلاوة ابتسامتها، وظرف حديثها، فعليها كذلك أن تروق النظر بحسن هندامها. فالعيب إذن ليس في ميل المرأة (والرجل كذلك) إلى الزينة، ولكن في المغالاة بإرضاء ذلك الميل، وعدم الخضوع لقواعد الذوق السليم في التصرف بمظهره. والغلو عيب في كل أمر، وسقم الذوق نكبة دائمة.
وللتوفيق بين تنظيم الزينة والاقتصاد فيها؛ فعلى الفتاة أن تتعودها منذ نعومة أظفارها. بعكس ما تجري عليه أكثر المدارس، إن لم نقل كلها، في تجريد البنات من كل حلية وإفهامهن أن الزينة لا تجوز إلا بعد الخروج من المدرسة، فينلن حريتهن من هذه الوجهة متأخرات؛ أي إن الحرية في الزينة تفاجئهن مفاجأة بدلا من أن يتعودنها شيئا فشيئا، فيكون شأنهن عندئذ شأن من وجب عليه أن يربي نفسه تربية جديدة تناقض تربيته السابقة من كل وجه. ومن هنا عدم التوازن والاتزان، وعدم وضع الشيء في مكانه، وإغراق في إسراف الوقت والدرهم، والغلو في الأخذ بأهمية الزينة. ومن هنا زعم أكثر النساء بأنهن لا يتجملن أصلا. والواقع أن أكثرهن زعما وتنصلا أوفرهن تبرجا وتجملا، إلا اللائي يأبى التجمل أن يتناسب و«طرازهن» الطبيعي وشكلهن.
ولو شبت جميع الفتيات على اعتبار الزينة المعتدلة المعقولة الفنية جزءا من ترتيب هندامهن على ما يناسب شكلهن وقالبهن بحكم الذوق والزي السائر، لما أنفقن في سبيل ذلك وقتا طويلا ولا بدا ذلك فيهن تكلفا وعملا مستثنى، بل لاندمج في عاداتهن وصار طبيعيا. وإذن لما رأينا المرأة في كثير من العائلات الشرقية بأثواب رثة قذرة بين زوجها وأولادها، بلا لياقة ولا حاسة فنية. حتى إذا استقبلت ضيوفا أو خرجت للزيارات ارتدت أفخر الأثواب وازدانت بأنفس الحلي، فبدت في كل أولئك غريبة بطيئة الحركات مرتبكة السكنات، وكأن كل جارحة فيها تنطق بأنها «مطقمة بزي الآحاد والأعياد» على نحو قول الفرنسيين.
لو درجت المرأة منذ الصغر على الزينة المعقولة لأدركت أن هذه الزينة جزء من جمالها وأنها تعالجها لنفسها لا للناس، ولامتدت عنايتها تلك إلى منزلها فلا تقصر ترتيبه وتزيينه على يوم الاستقبال في الغرف والردهات التي يراها الزائرون والزائرات، في حين هي تبقيه في سائر الأيام على أسوأ ما يكون من التشويش والارتباك، ولامتدت تلك الأناقة غير المصطنعة إلى أفكارها، إلى آرائها، إلى عاداتها إلى نظرتها في الحياة. فالمزية الواحدة، حتى وإن كانت خارجية، تستطيع أن تتناول نواحي شتى، كما أن العيب الواحد قد يهدم حياة بأسرها. ومواعظ المصلحين لم تجد نفعا على طول الأجيال؛ لأن حب الجمال في الإنسان أعرق من أن يخلقه الإرشاد، وليت الإرشاد ينقلب تحويلا إلى الأخذ بالوسائل المغرية بتوقيت الزينة وتنظيمها. •••
طويلة حاشيتي هذه بعد كلام التيمورية، ولكنها غير دخيلة ولا هي تافهة. فمن حق الجميل أن يطمع في المزيد، ومن حق غير الجميل أن يقلل من دمامته، ويسترها، محاولا إظهارها بالمظهر غير المستنكر.
ورغم إنكار الغلو في الزينة الفارغة، فإن التيمورية ترى أن أعنف العتب يقع على الرجل - وباحثة البادية ستقول هذا القول فيما بعد - لأنه القوي وفي وسعه النهوض بالمرأة إلى حيث تتسع مداركها فتصبح له شريكة. فإذا بها تهتف:
অজানা পৃষ্ঠা