كم من ضنى تاهت أفكار وقلبه داب
يا قلب، تقبل كدا؟
قال لي: نعم قابل •••
اشتهر كاردوتشي الإيطالي بموهبته الشعرية وبموهبته النقدية معا. وكان يؤثر عنه كذلك ازدراؤه بشاعرية المرأة. وله في ذلك رأي سار مسير الأمثال، وهو أن اثنين عليهما أن لا يعالجا الشعر وهما: الكاهن المسيحي والمرأة. ولكثيرين من الناس في مواهب المرأة رأي لا يختلف عن رأي كاردوتشي ولست أدري هل قدر لهم ما قدر لكاردوتشي فحمله على تغيير رأيه مما سجله بقلمه على نفسه في اغتباط يوم وضع المقدمة لمجموعة الشاعرة الإيطالية آني فيفانتي. ليس أظرف من اندحار هؤلاء العظماء بعد تعنتهم في بعض الآراء غير الناضجة، ولا أصرح من اعترافهم بالخطأ اعترافا خلا من التحفظات والاستدراكات والمداورات التي تشغل جماعة من الكويتبيين وذوي المدارك المحدودة، أولئك الذين كأنهم لا يفتئون يقولون: أعترف، ولكني لا أعترف. صحيح، ولكنه غير صحيح. جميل، وهذا مع ذلك غير جميل!
عدل كاردوتشي رأيه بعد مطالعة أشعار إليزابيث براوننج الإنجليزية، ومدام ديبور فالمور الفرنسية، وآني فيفانتي الإيطالية، مصرحا بأن لدى المرأة شيئا تقوله غير ما تنسخه عن الرجل. ولا عجب في قوله بل العجب في قول المناقضين؛ لأنه مهما فاخر الرجل بعبقريته التي نحبها ونعجب بها ونستحثها فيه، فهو لا يستطيع أن يزعم أنه الطبيعة البشرية كلها؛ لأن الطبيعة لم ترده أن يكون أكثر من النصف الواحد من الذات الإنسانية المكتملة فإذا به هذا النصف النشيط البارع الجميل الذي أوجد لنا ما نتمتع به اليوم من محاسن الحضارة والثقافة ... ومن الباقي الذي نشقى به وهو غير خير وغير حسن ...
أما النصف الآخر فهو المرأة، النصف الذي ظل إلى اليوم مهملا، إن لم يكن مكموما مسحوقا. النصف الذي قد يذكر أحيانا بصفته غير موجود في ذاته ولا حق له على الحياة والحرية، وكل الغرض منه هو إخراج النسل ليس غير. هذا الرأي شائع كثيرا، بيد أنه لا يتناول الأقلية المنصفة من الرجال الذين هم في الحقيقة نبهونا إلى نفوسنا، ولهم الفضل الجزيل في تشجيعنا وإرشادنا ومساعدتنا.
بدهي المرأة في بادئ الأمر تقلد الرجل تقليد التلميذ للمعلم، تقليد الصغير للكبير. بدهي أن تفعل ذلك في مجموعها المستيقظ. ولكن تتفلت من كل تقليد واحتذاء صاحبات العبقرية منذ ظهور نزعتهن، مثيلات سافو، ومدام دي ستيل، ومدام دي نواي معاصرتنا التي فازت العام الماضي بجائزة الآداب من الأكاديمية الفرنسية، ومتليدا سيراوو التي يشبهها بول بورجيه ببلزاك الكبير في رواياتها المشبعة بحياة الشعب وبوصف عاداته وانفعالاته وآلامه.
إن عواطف المرأة وتأثراتها شيء بشري مشروع. وبالمران تتعلم الاستسلام لطبيعتها النسائية والركون إليها في الاهتداء إلى التعبير، بعد أن لجمت خوالجها قرونا طوالا. والصيحة التي ترسلها الآن ستفتح في إدراك البشر وفي آدابهم أفقا جديدا.
أثبت هذا في إيمان وهدوء، دون تحيز ولا تعنت.
إنما نحن من الذات الإنسانية الواحدة الجهة الماثلة إزاء جهة الرجل، فنختبر إذن بفطرتنا ما لا يستطيع الرجل أن يعرفه، كما أن اختبارات حضرته تظل أبدا مغلقة علينا. وإذا قدر للمرأة المصرية أن تلج باب الشعر والأدب وتمعن في المسير في ما وراءه من فسيح المسافات كان مرجع الفضل إلى التيمورية التي نشرت أول علم في الجادة غير المطروقة، وبكرت في إرسال الزفرة الأولى أيام كانت تكتم الزفرات وكان إرسال الصوت في عالم الأدب يحسب للمرأة عارا وجريمة. ويوم ينمو الأدب النسائي في هذه البلاد فيجيء حافلا بحياة فنية غنية، ستظل أناشيد عائشة - هذه الأناشيد الساذجة - لذيذة محبوبة كترنيمة المهد القديمة التي همهمت لنا بها أمهات أمهاتنا، شجية مطلوبة كشدو القصب القائل في ظل النخيل: إن وراء المشاغل والهموم، يلبث القلب البشري معذبا بظمأ لا يرتوي، مثقلا بحنين لا يعرف الاكتفاء والنفاذ ...
অজানা পৃষ্ঠা