ومضى يسرد لي الحوادث التاريخية كما سمعتها من قبل؛ رحلة الأمير في الإمبراطورية، عودته، اعتلاؤه العرش. •••
وهنا قال معلقا: أعلن الرجال إيمانهم بدينه بين يديه ليتبوءوا مراكزهم في الدولة الجديدة. لقد سقط الجميع بلا كرامة، فأتاحوا للمكر الخبيث أن ينفث سمه ويهلك الأرض، ولا عذر لهم عن خيانتهم؛ فهم مسئولون جميعا عما حل بنا من خراب. قلت للكاهن الأكبر: لا جريمة بلا عقاب، يجب اجتياح أخت آتون وقتل المارق والمارقة وآي وحور محب وناخت وبك ...
فقال: الوطن لا يحتمل مزيدا من الخراب.
فقلت بإصرار: لا بد من دم لنحظى برضا آمون.
فقال: إني أدري بما يرضي إلهي.
فصمت وباطني يغلي بالحنق؛ فإني أومن بأن الجريمة التي تفلت من العقاب تكرس الإثم بين الناس، وتزعزع الثقة في العدالة الإلهية، وتمهد لارتكاب المزيد من الجرائم. وشد ما يسوءني أن أرى أحدهم وهو ينعم بعزلة آمنة، أو يعمل بين الشرفاء كأنه أحدهم، كيف نوفر الأمان لمن شارك في إلحاق الخراب بنا؟! •••
وواصل سرده للأحداث؛ بناء أخت آتون، الانتقال إلى المدينة الجديدة، الانغماس في نشر الدعوة. •••
قال: بت قريبا منه، أعمل في رحابه، وأتلقى كالآخرين هذيانه، فعرفته على حقيقته أكثر من ذي قبل. كان يمكن أن يكون شاعرا أو مطربا، ولكنه جلس على عرش الفراعنة، فكانت الكارثة. قرر منذ البدء أن يتجاوز ضعفه المهين بمكر ودهاء، وأن يستأثر بالسيادة. أراد أن يقول لتحتمس الثالث: «رغم قوتك ومهارتك العسكرية فإنني الأقوى.» لم يكن ملهما كما اعتقد البعض، ولا مجنونا كما ظن البعض الآخر، ولكنه حظي بأكبر قدر من مكر الضعفاء الخبثاء، فأجاد تمثيل دوره. تخيل أنه يستطيع أن يخلق الدنيا على هواه، فعاش في دنيا من خلقه وصنعه لا رابطة تربطها بالواقع، دنيا خلق لها قوانينها وتقاليدها وأناسها، ونصب نفسه إلها عليها معتمدا على سحر العرش وسيطرته على النفوس؛ من أجل ذلك تلاشى سحره لدى أول صدام حقيقي مع الواقع، واجتاحه الفساد والتمرد والعدو وفر عنه الجبناء. وكثر الحديث عن ساعات وحيه وما تثمر من خوارق الأفعال والأقوال. وقد شهدت بعضها وأنا أعرض عليه الرسائل في خلوته. كانت تتلبسه حال من الانفعال المفتعل، فيخرج من حافة الوعي غائصا في المجهول، ويتبادل كلمات غامضة مع أطراف غير مرئية، ثم يعود رويدا إلى وعيه فيحدثنا عن إلهه الذي لن يخذله أبدا. وكنت أختلس نظرات من وجوه الدهاة من أمثال آي وحور محب وناخت، وأتساءل: هل حقا يصدقون المهزلة؟ ... هل حقا جاز عليهم خبثه الأنثوي؟! ... كلا، لقد تظاهروا بتصديقه لينال كل مأربه، وما كشفوا عن أنفسهم إلا حين تهددهم الموت من الشمال والجنوب. •••
وحدثني عن انقلاب الأحداث؛ فساد الموظفين، عذاب الناس، تمرد الإمبراطورية، تحرش الحيثيين بالحدود، مصرع توشراتا. •••
قال: أغرقني فيضان من الخوف على البلاد، ففكرت جادا في اغتياله لأنقذ الدنيا والدين من شره. وعثرت بلا كبير عناء على من تطوع لقتله في خلوته قبل الشروق، ويسرت له مخبأ في الحديقة، وكاد الرجل ينجح في مهمته لولا أن أدركه في اللحظة الأخيرة محو رئيس الشرطة، فعاجله بضربة قاتلة، واستحق بذلك لعنة الآلهة إلى الأبد. واستعنت كثيرا بالسحر، ولكنه لم يصب الهدف من سوء حظ البلاد، ولعل الخبيث كان يلجأ إلى السحر المضاد. •••
অজানা পৃষ্ঠা