أشخاص الرواية
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
أشخاص الرواية
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
عدو الشعب
عدو الشعب
تأليف
هنريك إبسن
ترجمة
إبراهيم رمزي
أشخاص الرواية
الدكتور توماس ستوكمان (Thomas Stockmann) : مفتش صحة حمامات البلدية.
كاترين ستوكمان (Katrine Stockmann) : زوجته.
بترا (Petra) : ابنتهما، معلمة في مدرسة.
إيليف (Ejlif) : ابن لهما، عمره 13 سنة.
مورتن (Morten) : ابن لهما، عمره 10 سنوات.
بيتر ستوكمان (Peter Stockmann) : أخ أكبر للدكتور، عمدة المدينة ورئيس لجنة الحمامات إلخ، إلخ.
مورتن كيل (Morten Kiil) : صاحب مدبغة.
هوفستاد (Hovstad) : رئيس تحرير «جريدة رسول الشعب».
بيلنج (Billing) : محرر بالجريدة المذكورة.
هورستر (Horster) : قبطان.
أسلاكسن (Aslaksen) : صاحب مطبعة.
رجال مختلفو الأحوال والأعمال، وبعض نساء، وفرقة من أطفال المدارس وجمهور يحضر إلى اجتماع عام. «تحدث الرواية في أحدى بلدان الساحل من جنوبي بلاد النرويج».
نقلت هذه الرواية عن ترجمة إنجليزية للأصل النرويجي قام بها فاركوهارسون شارب
Farquharson Sharp
واستأنس المترجم عند نقلها إلى العربية بترجمة أخرى تولتها السيدة ماركس إفلنج.
الفصل الأول
(
المنظر : غرفة جلوس الدكتور ستوكمان (Stockmann) ، والوقت: مساء. الغرفة بسيطة ولكنها مفروشة فراشا نظيفا، ويوجد في الجدار الأيمن بابان: الأبعد منهما يؤدي إلى البهو والأقرب إلى غرفة المطالعة التي للدكتور. وفي الجدار الأيسر أمام الباب الذي يؤدي إلى البهو باب يؤدي إلى الغرف التي لبقية أفراد العيلة، وفي منتصف هذا الجدار يوجد موقد التدفئة، وبعده مقعد (كنبة) معلق من فوقه مرآة، وأمام المقعد منضد بيضي الشكل، وعلى المنضد مصباح له مظلة. وفي ظهر الغرفة باب مفتوح يؤدي إلى غرفة المائدة، ويرى بيلنج (Billing)
جالسا إلى المائدة وقد وضع عليها مصباح مشعل، ومعه قطيلة (فوطة) محشورة في طوقه تحت ذقنه، والسيدة ستوكمان امرأة الدكتور واقفة بجوار المائدة تقدم إليه صحنا كبيرا مليئا لحما (روزبيف). أما بقية الكراسي التي حول المائدة فهي خالية. وتلوح المائدة غير منظمة، يدل ظاهرها على أن بعضهم كان جالسا إليها وأكل وانتهى وتركها هكذا ...)
كاترين :
ها أنت ذا ترى أنك إذا حضرت متأخرا عن الموعد ساعة لم يكن بد من أن ترضى بلحم بارد.
بيلنج (وهو يأكل) :
إنه طيب فوق العادة. شكرا. طيب جدا.
كاترين :
زوجي يحتم أن يتناول طعامه في أوقات محدودة وأنت تعرف ...
بيلنج :
لا يؤثر في هذا شيئا، بل الواقع أني أكاد أعتقد أني أستلذ الأكل وأنبسط إذا جلست إلى المائدة وأكلته كله وحدي لا يزعجني أحد.
كاترين :
حسن. ما دمت تستطيبه ... (تلتفت صوب باب البهو تستمع)
أظن أن السيد هوفستاد (Hovstad)
قد حضر هو أيضا.
بيلنج :
يغلب ذلك. (يدخل بيترستوكمان، وهو لابس معطفا وقبعة رسمية عليها شريط مذهب ويحمل عصا.)
1
بيتر :
مساء الخير يا كاترين.
كاترين (آتية إلى غرفة الاستقبال) :
آه، مساء الخير، أهو أنت؟ ما أكثر لطفك لتفضلك بزيارتنا.
بيتر :
اتفق أني كنت مارا ولذا ... (ينظر إلى غرفة المائدة)
أرى عندك ضيفا.
كاترين (بشيء من الارتباك) :
أو! لا ... إنه حضر مصادفة. (بسرعة)
ألا تدخل وتتناول شيئا أنت أيضا.
بيتر :
أنا؟ كلا، شكرا. أعوذ بالله، لحم سخن بالليل، لا، إن معدتي لا تقر هذا.
كاترين :
أووو، ولو مرة واحدة على سبيل ...
بيتر :
لا، لا، يا سيدتي العزيزة إني ملازم فنجان الشاي وقطعة الخبز والزبدة. إنها على مضي الوقت أحسن وأفضل، ونوعا ما أقرب إلى الاقتصاد أيضا.
كاترين (تبتسم) :
إياك أن تظن لهذا أني أنا وتوماس على شيء من الإسراف.
بيتر :
أنت؟ لا يا عزيزتي. محال أن أظنك كذلك (يشير إلى غرفة مطالعة الدكتور)
أهو هنا؟
كاترين :
لا، إنه خرج يتمشى قليلا بعد العشاء، هو والأولاد.
بيتر :
لا أرى أن هذا المشي بعد العشاء في محله (يتسمع)
أظن أنه هو الآتي.
كاترين :
لا، لا أظنه هو (تسمع دقة على الباب)
تفضل. (يدخل هوفستاد من باب البهو)
أو! هو أنت يا سيد هوفستاد؟!
هوفستاد :
نعم، رجائي أن تعذريني؛ ولكني شغلت في المطبعة. سعدت مساء يا حضرة العمدة.
بيتر (ينحني بشيء من الجفاف) :
سعدت مساء. إنك آت في مهمة بلا شك؟
هوفستاد :
بعض الشيء، بشأن مقالة من أجل جريدتي.
بيتر :
هكذا قدرت. بلغني أن أخي أصبح من أسيل الناس يدا في مراسلة «رسول الشعب».
هوفستاد :
أجل . إنه من أصلح من يستطيعون التحرير في «رسول الشعب» يوم يتناول مسألة من مسائلنا في البلدية.
كاترين (إلى هوفستاد) :
ولكن ألا ... (تشير إلى غرفة المائدة) .
بيتر :
صحيح. صحيح. لا ألومه بتاتا - وهو كاتب - أن يوجه أقواله إلى الجهة التي يجد منها عطفا وإقبالا. وفضلا عن هذا فإني شخصيا لا أحمل في قلبي موجدة على جريدتك يا سيد هوفستاد.
هوفستاد :
أنا على ما ترى.
بيتر :
إذا ذكر الشيء بالشيء فإني أقرر أن في البلد روح تسامح كبير وروحا قومية بلدية تسر الخاطر. كل هذا ناشئ من وجود مصلحة مشتركة بيننا. مصلحة عالية في نظر كل مواطن مخلص سليم العقل.
هوفستاد :
الحمامات. نعم.
بيتر :
بعينها. حماماتنا الجميلة البديعة. تنبه إلى كلامي يا سيد هوفستاد ستكون الحمامات محور حياتنا البلدية. لا أشك في ذلك بتاتا.
كاترين :
هذا بعينه ما يقوله توماس.
بيتر :
انظر الآن، كيف أن بلدتنا كبرت واتسعت أعمالها في السنة الأخيرة أو السنتين إلى حد يدعو إلى العجب. تدفقت الأموال في البلدة. ودب فيها شيء من روح الحياة والعمل وأخذت قيمة المنازل والأراضي ترتفع يوما عن يوم.
هوفستاد :
وأخذت البطالة تقل.
بيتر :
نعم، هذا شيء آخر، وقد خف عن الناس عبء ضريبة الفقراء فارتاح أصحاب الأملاك. وفي اعتقادي أن العبء سيخف أكثر إذا جاء موسم الصيف هذا العام كما نرجو، وقصدنا كثير من الزوار وكثير من المرضى الذين يشهرون صيت الحمامات.
هوفستاد :
لعله ينتظر أن يكون الحال على ما نرجو.
بيتر :
الحالة تبشر بذلك. والبريد يأتينا كل يوم بعديد من الرسائل يسأل فيها أصحابها عن شقق خالية وغرف وغير ذلك.
هوفستاد :
إذن فسيكون نشر مقال الدكتور الآن في وقته.
بيتر :
هل كتب شيئا آخر في هذه الأيام؟
هوفستاد :
هي مقالة كتبها في الشتاء يوصي الناس فيها بالانتفاع بالحمامات ويسهب في بيان المزايا الصحية التي تنعم بها هذه البلدة. ولكني وقفت نشرها مؤقتا.
بيتر :
آه، لعل ذلك لمانع بسيط في شأنها!
هوفستاد :
لا، لا. ولكني استصوبت أن أبقيها حتى يأتي الربيع لأن الناس في ذلك الوقت يفكرون في الجهات التي يقصدون إليها في الصيف.
بيتر :
في محله، لقد كان رأيك صوابا يا سيد هوفستاد.
كاترين :
فعلا. إن توماس لا يكل له جهد إذا هو اشتغل بأمر خاص بالحمامات.
بيتر :
تذكري أنه مفتش صحة هذه الحمامات.
هوفستاد :
نعم، وأكثر من ذلك. إنها لم تنشأ إلا بفضله.
بيتر :
بفضله هو! نعم يبلغني من آن لآن أن في الناس من يرى هذا الرأي، ولكن يجب علي في الوقت نفسه أن أقول إنني أتصور أن لي في الأمر يدا ولو قصيرة.
كاترين :
فعلا، هذا ما يقوله توماس دائما.
هوفستاد :
من ينكر عليك هذا يا سيد ستوكمان؟ أنت نفذت المشروع وجعلت منه مصلحة قائمة. نحن جميعا نعرف ذلك. ما عنيت إلا أن فكرة المشروع إنما تأتت من أخيك الدكتور أولا.
بيتر :
الفكرة! نعم الفكرة. إن أخي كان كثير الفكر في ذلك الوقت لسوء الحظ، ولكن عندما يراد التنفيذ الفعلي يجب عليك أن تقصد إلى شخص من طراز آخر يا سيد هوفستاد، وقد كان يدور في خلدي أن في هذا البيت على الأقل ...
كاترين :
رويدك يا عزيزي بيتر ...
هوفستاد :
كيف تظن أن ...
كاترين :
ألا تدخل وتتناول شيئا من الطعام يا سيد هوفستاد؟ مؤكد أن زوجي سيحضر توا.
هوفستاد :
شكرا لا بأس بقطعة صغيرة (يذهب داخلا إلى غرفة الطعام) .
بيتر (يخفض صوته قليلا) :
إنه ليدهشني أن أولاد الفلاحين هؤلاء لا تفارقهم قلة الذوق بتاتا.
كاترين :
هون عليك - ليس هذا مما يستحق الاهتمام له، ألا يمكنك أنت وتوماس أن تتقاسما فضل العمل كأخوين؟
بيتر :
كنت أرى ذلك. ولكن يظهر أن في الناس من لا يقنعون بحصة واحدة.
كاترين :
ما هذا الكلام الفارغ أنت وتوماس على أتم وفاق (تتسمع)،
ها هو ذا آت على ما أظن (تخرج، وتفتح الباب المؤدي إلى البهو) .
الدكتور (يضحك من الخارج ويتكلم بصوت عال) :
هو! كاترين جئتك بضيف آخر، أما في ذلك ما يسر؟ تفضل يا قبطان هورستر. علق معطفك على هذا المشجب، آه! إنك لا تلبس معطفا. تأملي يا كاترين، لقيته مصادفة في الطريق ولم أستطع حمله على المجيء إلا بالجهد الجهيد (يدخل القبطان هورستر ويحيي السيدة ستوكمان، ويتبعه الدكتور ستوكمان بجانب الباب)
ادخلوا يا أولاد. لقد هضموا ما أكلوا الآن وعادوا إليك جياعا. تفضل يا سيد هورستر. لا بد أن تأكل قطعة من اللحم (يدفع هورستر إلى غرفة الطعام) .
كاترين (يدخل إيليف ومورتن بعدهما) :
وي! توماس، ألا ترى ...؟
الدكتور (ملتفتا في مدخل الباب) :
أو! هذا أنت يا بيتر (ويذهب ويسلم عليه باليد)
حقا إن هذا شيء جميل.
بيتر :
بكل أسف لا بد لي أن أذهب على الفور.
الدكتور :
كلام فارغ، سيأتي الآن شراب التودي (Toddy) ، لعلك لم تنسي التودي يا كاترين.
كاترين :
كيف أنساه. الماء يغلي الآن (تذهب داخلة غرفة الطعام) .
بيتر :
شراب التودي أيضا؟
الدكتور :
أجل، اجلس وسنشربه مؤتنسين.
بيتر :
شكرا لك. لا، لا أغشى مجالس الشراب في المساء.
الدكتور :
ولكن ليس هذا مجلس شراب.
بيتر :
يخيل إلي أنه كذلك (ينظر صوب غرفة الطعام)
عجبا كيف يلتهمون كل هذا المقدار العظيم من الطعام.
الدكتور (يمسح كفيه إحداهما بالأخرى) :
نعم أليس مما يسر النفس أن نرى الشبان وهم يأكلون؟ إنهم جياع دائما. وهذا ما يجب لهم. لا بد أن يأكلوا. إنهم يحتاجون إلى القوة. هم الذين عليهم أن يحركوا ما يؤتمر الآن من قوى المستقبل يا بيتر.
بيتر :
أتسمح لي أن أسألك ماذا هم واجدون هنا ليحركوه كما تقول؟
الدكتور :
آه، وجه سؤالك هذا إلى الشبان أنفسهم يوم يأتي وقتهم. نحن لا نستطيع أن نرى هذه الأوقات بالطبع. بغلان عتيقان مثلنا ...
بيتر :
مهلا. مهلا. حقا إن هذا التعبير مستغرب.
الدكتور :
أوه، لا يصح أن تفهم كلمتي بمعناها الحرفي يا بيتر. إني في غاية الارتياح والرضا. وفي اعتقادي أنه من الحظ العظيم النادر أن يكون الإنسان منا في وسط هذه الحياة النابتة النامية العفية. أجل إنه وقت باهر، تستحب فيه الحياة، ويخيل إلي كأن عالما جديدا برمته يخلق من حولك.
بيتر :
أترى ذلك فعلا؟
الدكتور :
آه ، بالطبع، إنك لا تتبينه بالوضوح الذي أتبينه به. لقد قضيت عمرك في هذه الحياة فاعتدتها، وأصبح إحساسك بها فاترا. أما أنا وقد دفنت كل هذه السنين في زاويتي الصغيرة بأعلى الشمال حيث لا أكاد أرى غريبا قد يأتي إلي بأفكار جديدة، فالتأثير الحادث الآن لي من رؤيتي ما آلت إليه هذه البلدة هو عين التأثير الذي كان يحدث لي لو أني القيت فجأة في صميم مدينة مزدحمة.
بيتر :
أوه! مدينة!
الدكتور :
أعرف، أعرف أن أحوال بلدتنا تجري في نطاق ضيق بالقياس إلى غيرها، ولكن فيها حياة وفيها رجاء وفيها من الأمور الجمة ما يستحق أن تعمل له وتجاهد في سبيله. وهذا هو الشيء المهم. (ينادي)
كاترين! ألم يحضر ساعي البريد؟
كاترين (من غرفة الطعام) :
كلا.
الدكتور :
ثم كون الإنسان عائشا هنا يا بيتر عيشة راحة، هذا شيء يعرف قيمته من كان على حافة الموت جوعا كما كنا.
بيتر :
نعم. مؤكد ...
الدكتور :
في الواقع إننا كنا في الشمال في غالب الأحيان نقاسي شظف العيش. أما اليوم فالواحد يعيش كأنه لورد. اليوم مثلا في الغداء كان عندنا روزبيف وفي العشاء أيضا، ألا تأتي فتتناول قطعة صغيرة؟ أو تعال أريكه. على كل حال تعال هنا.
بيتر :
لا، لا. ولا بملك الدنيا.
الدكتور :
طيب. طيب ولكن تعال هنا. أترى أننا اشترينا غطاء للمائدة.
بيتر :
لحظت ذلك. نعم.
الدكتور :
كذلك اقتنينا مظلة للمصباح، أتراها؟ كل هذا مما تقتصده كاترين. إن هذه الأشياء تجعل الغرفة ممتعة، ألا ترى ذلك؟ قف هنا، قليلا فقط. لا، لا، ليس هناك. هنا بالضبط، نعم. انظر الآن. عندما تقع الأنوار عليها كلها. أعتقد تمام الاعتقاد أنها جميلة جدا، أليس كذلك؟
بيتر :
أوه إذا كنت تستطيع اقتناء مثل هذه الطرف.
الدكتور :
نعم أستطيعه الآن، تقول لي كاترين إن مكسبي يكاد يكون قدر ما ننفق تماما.
بيتر :
يكاد، نعم!
الدكتور :
ولكن الرجل المشتغل بالمسائل العلمية يجب أن تكون معيشته على نمط ممتاز نوعا ما. إني متأكد أن الموظف المدني العادي ينفق في العام أكثر مما أنفق أنا.
بيتر :
الواقع أن الموظف المدني، الرجل الذي يكون في مركز عال يسمح حسن مرتبه فيه ...
الدكتور :
دع ذلك. لنقل أي تاجر عادي، مثله ينفق مرتين أو ثلاثا أكثر مني.
بيتر :
هذا أمر طبيعي يتبع تفاوت الناس في المراكز.
الدكتور :
على كل حال أؤكد لك أنني لا أنفق نقودا في غير فائدة صحيحة. بيد أنه لا يطاوعني قلبي فأحرم نفسي لذتها بإضافة إخواني. أجدني كما تدري شديد الحاجة إلى مثل هذا. لقد عشت مدة طويلة محبوسا عن كل شيء. حتى لقد أصبح من ضرورات الحياة عندي أن أختلط بالشباب الناهض، بالرجال المتحمسين ذوي المطامع، ذوي العقول الحرة النشيطة. وهذا ينطبق تمام الانطباق على هؤلاء الأشخاص الذين يستمتعون الآن بطعامهم، ليتك تعرف هوفستاد أكثر مما ...
بيتر :
على فكرة. خبرني الآن هوفستاد أنه شارع في نشر مقالة لك أخرى.
الدكتور :
مقالة لي؟
بيتر :
نعم. عن الحمامات. مقالة كتبتها في الشتاء.
الدكتور :
أوه. تلك؟ لا، لا أريد أن تنشر هذه المقالة في هذا الوقت بالذات.
بيتر :
لماذا؟ يخيل إلي أن هذا الوقت أليق الأوقات لنشرها.
الدكتور :
نعم قد يكون ذلك، في الظروف العادية (يخطو قاطعا الغرفة) .
بيتر (يتبعه بنظراته) :
أهناك شيء غير عادي في الظروف الحاضرة؟
الدكتور (يقف ساكنا) :
أقول لك الحق يا أخي، لست أستطيع أن أخبرك الآن، وعلى كل حال، في هذه الليلة. قد يكون هناك شيء كثير غير عادي يحيط بالظروف الحاضرة وقد لا يكون هناك شيء من ذلك بتاتا. وقد يحتمل جد الاحتمال أن يكون الأمر وهما من أوهامي.
بيتر :
كلامك كله مبهم. أهناك تدبيرات جارية تعملون على إخفائها عني؟ كنت أظن أني بصفة كوني رئيسا للجنة الحمامات ...
الدكتور :
وأنا كنت أظن أني ... أوه دع عنك ذلك، لا يحملنا الأمر على أن يهب بعضنا في وجه بعض.
بيتر :
معاذ الله، ليس من عادتي أن أهب في وجه الناس كما تقول. ولكن لي الحق أن أطالب وأشدد عليكم باتباع الطرق الرسمية، وأن تجري الأمور في مجاريها الصحيحة حتى يتناولها الرؤساء المنوطون بالعمل رسميا ويفصلوا فيها، إني لا أسمح لأحد أن يمر من وراء ظهورنا بحركة من حركات المداورة.
الدكتور :
هل علمت أني حاولت في يوم من الأيام أن أمشي وراء ظهوركم؟
بيتر :
مهما يكن من الأمر فإنك ميال بطبيعتك إلى السير على هواك.
ولا يسمح بهذا في مجتمع صحيح النظام. يجب على الفرد بلا شك أن يذعن للمجتمع ويخضع. وبعبارة أدق، يجب عليه أن يذعن لولاة الأمر الذين في يدهم مصلحة المجتمع.
الدكتور :
على الراجح. ولكن ما دخل كل هذا في شأني؟
بيتر :
هذا بعينه ما يخيل إلي أنك لا تريد أن تفهمه بتاتا يا عزيزي توماس، ولكن تنبه لقولي. ستأسف يوما من الأيام على سلوكك هذا؛ يوما قريبا أو بعيدا. لقد أنذرتك. سلام عليك.
الدكتور :
هل زايلك الصواب؟ ماذا أصابك؟! لقد شطت بك الظنون.
بيتر :
ليست هذه عادتي؛ فاعذرني إذن، أنا ... (ينادي موجها صوته إلى غرفة الطعام)
ليلة سعيدة يا كاترين، ليلة سعيدة يا سادة (يخرج) .
كاترين (تأتي من غرفة الطعام) :
هل ذهب؟
الدكتور :
نعم، ذهب مغضبا.
كاترين :
ولكن يا عزيزي توماس، ماذا صنعت به ثانية؟
الدكتور :
لا شيء البتة. وعلى كل حال، إنه لا يستطيع أن يجبرني على تقديم تقريري إليه قبل الموعد اللائق.
كاترين :
أي شيء لديك تقدم عنه تقريرا؟
الدكتور (يهمهم) :
هه! دعي لي هذا يا كاترين. غريب أن ساعي البريد لم يحضر. (ينهض هوفستاد وبيلنج وهورستر عن المائدة ويحضرون إلى غرفة الجلوس.) (إيليف ومورتن يحضران بعدهما.)
بيلنج (يتمطى) :
آه. إن الإنسان ليشعر أن قواه قد تجددت بعد مثل هذه الأكلة.
هوفستاد :
إذن لم يكن العمدة لطيف المزاج هذه الليلة!
الدكتور :
العيب على معدته، إنه سيئ الهضم جدا.
هوفستاد :
يخيل إلي أنه لم يستطع هضمنا نحن الاثنين من محرري رسول الشعب.
كاترين :
لقد استطعت أن تخلص نفسك منه بلطف.
هوفستاد :
نعم، نعم. ولكنها لا تخرج عن هدنة بسيطة.
بيلنج :
هذا هو الواقع، في هذه الكلمة كل شيء.
الدكتور :
تذكروا دائما أن بيتر رجل وحيد، مسكين. ليس لديه من مسرات الحياة العيلية شيء، لا شيء عنده إلا الشغل على الدوام، كما أن ذلك الغول الجهنمي، الشاي الذي يملأ به بطنه ... ها. هاتوا يا أولاد كراسي هنا. أما يأتينا شراب التودي يا كاترين؟
كاترين (ذاهبة إلى غرفة الطعام) :
سأحضره على الفور.
الدكتور :
اجلس هنا على المقعد بجانبي يا قبطان هورستر. نحن لا نراك إلا نادرا. تفضلوا بالجلوس يا إخواني. (يجلسون إلى المنضدة وتحضر كاترين ستوكمان صينية عليها مشعل كحول وأكواب وزجاجات ... إلخ.)
كاترين :
إليكم، هذا عرق وهذا روم. وهذا هو الكونياك. وليخدم كل نفسه.
الدكتور (يتناول كوبه) :
سنفعل (كلهم يأخذون في المزج لصنع شراب التودي)
وعلينا بالسيجار. إيليف! أنت تعرف مكان الصندوق. وأنت يا مورتن هات غليوني (ينصرف الولدان ذاهبين إلى الغرفة اليمنى)
إني أظن أن إيليف يضع في جيبه شيئا من السيجار من آن لآن! ولكني أتغاضى عن ذلك (ينادي)
وقبعة التدخين أيضا يا مورتن. كاترين! خبريه أين تركتها. آه، إنه أحضرها (يحضر الأولاد الأشياء المطلوبة)
الآن أيها الإخوان إني ملازم غليوني كما تعلمون. وقد شهد هذا الغليون معي أياما من أسوأ أيام الجو فوق؛ في الشمال (يقرع كأسه بكئوس إخوانه)
صحتكم جميعا.
جميل أن يجلس الإنسان هنا مرتاحا دفيئا.
كاترين (وهي جالسة تشتغل بالإبرة) :
أأنت مبحر قريبا أيها السيد القبطان؟
هورستر :
أرجح أننا سنقلع في الأسبوع القادم.
كاترين :
أظن أنكم قاصدون أمريكا.
هورستر :
أجل هذي هي الخطة.
كاترين :
إذن فلن تشترك في الانتخاب المقبل.
هورستر :
أمنتظر أن يحدث انتخاب؟
بيلنج :
ألا تعرف ذلك؟
هورستر :
لا، إني لا أشغل نفسي بهذه المسائل.
بيلنج :
ولكن ألا تهتم بالمصالح العامة؟
هورستر :
كلا، إني لا أعرف شيئا من شئون السياسة.
بيلنج :
ومع ذلك، يجب على كل إنسان أن يعطي صوته.
هورستر :
حتى وإن لم يكن الإنسان يعرف ما يجري في البلد.
بيلنج :
لا يعرف شيئا! ماذا تعني بذلك؟ إن المجتمع أشبه شيء بالسفينة واجب على كل من فيها أن يكون على استعداد لتولي قيادتها.
هورستر :
قد يكون هذا صحيحا على البر، أما على ظهر السفينة فهذا لا ينفع.
هوفستاد :
يدهشني أن غالب الملاحين لا يهتمون بشيء مما يجري على اليابسة.
بيلنج :
غريب جدا.
الدكتور :
إن الملاحين كالطيور الرحالة؛ جميع البقاع موطن لها على السواء. وفي هذا سبب آخر في أننا أشد منهم حرصا على مصلحة بلادنا. هل لديكم في عدد الغد من رسول الشعب شيء ذو أهمية خاصة.
هوفستاد :
لا شيء من مسائل البلدية، ولكن كان في نيتي أن أنشر مقالتك بعد غد.
الدكتور :
مقالتي! إلى حيث ... اسمع، أهملها وقتا ما.
هوفستاد :
حقا؟ كان عندنا فراغ لها. ولقد زعمت أن هذا هو الوقت الملائم لنشرها.
الدكتور :
نعم، نعم. قد يكون رأيك في محله، ولكن يجب تأجيلها الآن على كل حال، وسأوضح لك السبب فيما بعد. (تأتي الآنسة بترا (Petra)
من البهو وهي لابسة قبعة ومعطفا ومعها ربطة كراسات مدرسية تحت إبطها.)
بترا :
سعد مساؤكم.
الدكتور :
ومساؤك يا بترا. هلمي (تحيات وتسليمات وبترا تخلع أشياءها وتضعها على أحد الكراسي بجوار الباب) .
بترا :
أنتم جالسون هنا جميعا تستمتعون بعضكم ببعض وأنا هناك أقاسي الأمرين.
الدكتور :
إذن فتعالي وخذي نصيبك أنت أيضا.
بيلنج :
أأجهز لك كأسا؟
بترا (آتية إلى المائدة) :
شكرا! ولكني أفضل أن أصنع شرابي بيدي. إنك تجعل المزيج شديدا جدا. ولكني نسيت يا أبي، معي خطاب لك (تذهب إلى الكراسي التي وضعت عليها أشياءها) .
الدكتور :
خطاب؟ ممن؟
بترا (باحثة في جيب معطفها) :
ناولني إياه ساعي البريد عندما كنت خارجة من المنزل.
الدكتور (ناهضا وذاهبا إليها) :
وأنت تعطيني إياه الآن فقط.
بترا :
لم يكن عندي في الحقيقة وقت للرجوع، ها هو ذا.
الدكتور (يتناول الخطاب) :
دعيني أرى! دعيني أرى يا بنية. (ينظر إلى العنوان)
نعم. هذا هو.
كاترين :
أهو الخطاب الذي كنت تنتظره بفروغ صبر يا توماس؟
الدكتور :
نعم هو. سأذهب إلى غرفتي و... أين أجد المصباح يا كاترين؟ أليس في غرفتي نور ... مرة أخرى.
كاترين :
بلى، إن مصباحك مشعل من قبل على المكتب.
الدكتور :
حسن. حسن. معذرة، لحظة واحدة (يدخل غرفة المطالعة) .
بترا :
ما تخمينك أن يكون هذا الخطاب يا أمي؟
كاترين :
لا أدري. لم يزل أبوك منذ يوم أو يومين يسألني هل أتى ساعي البريد أم لا!
بيلنج :
لعله بشأن مريض من أهل الريف.
بترا :
مسكين أبي، إنه سينهك نفسه بالعمل على عجل (تمزج كأسا لنفسها)
ها هو ذا! سيكون طعمه لذيذا.
هوفستاد :
هل عدت إلى التدريس اليوم في المدرسة الليلية؟
بترا (تحتسي الكأس) :
ساعتين.
بيلنج :
وأربع ساعات في المدرسة بالنهار.
بترا :
بل خمس ساعات.
كاترين :
ولا يزال معك كراسات للتصحيح، على ما أرى.
بترا :
نعم، كومة كبيرة.
هورستر :
يخيل إلي أنك أنت أيضا مثقلة بالأعمال!
بترا :
أجل، ولكنه مفيد؛ إن الإنسان يصبح من بعد ذلك متعبا تعبا لذيذا.
بيلنج :
وهل تحبين هذا؟
بترا :
أجل، إنه يجعل نوم الإنسان هنيئا.
مورتن :
لا بد أنك اقترفت خطايا كثيرة يا بترا؟
بترا :
أنا؟
مورتن :
نعم، لأنك تشتغلين كل هذا المقدار. يقول أستاذنا السيد رولاند إن الشغل عقاب لنا على خطايانا.
إيليف :
ويحك! أتصدق مثل هذا الكلام؟
كاترين :
إيليف، أقصر! أقصر.
بيلنج (ضاحكا) :
هذا شيء عظيم!
هوفستاد :
ألا تريد أن تشتغل مثل هذا الشغل الشاق يا مورتن؟
مورتن :
كلا، لا أريد.
هوفستاد :
إذن فماذا تشتهي أن تكون؟
مورتن :
أشتهي أن أكون من الفيكونج أمراء البحار.
إيليف :
إذن فلا بد لك أن تكون بلا دين.
مورتن :
من السهل أن أصبح بلا دين. ألا يمكنني ذلك؟
بيلنج :
إني على اتفاق معك في الرأي يا مورتن. هذا إحساسي بعينه.
كاترين (تكلمه بالإشارة) :
إني واثقة أن هذا غير صحيح، يا مستر بيلنج.
بيلنج :
بلى، وأقسم أنه صحيح، وإني فخور بذلك. صدقيني يا سيدة ستوكمان إن العالم سيصبح بلا دين في وقت قريب.
مورتن :
وعندئذ يتاح له أن يفعل ما يريد.
بيلنج :
أنت ترى طبعا، يا مورتن أن ...
كاترين :
لا بد من ذهابكما الآن إلى غرفكما يا ولدي. لا بد أن لديكما دروسا في الغد واجبة الحفظ الليلة.
إيليف :
أشتهي أن أبقى هنا قليلا ...
كاترين :
كلا ، كلا. اذهب أنت وهو، كلاكما. (الولدان يحييان: «سعيدة» ويذهبان داخلين إلى الغرفة اليسرى.)
هوفستاد :
أتعتقدين فعلا أن هذا الكلام يضر الأولاد في شيء؟
كاترين :
لا أدري ولكني لا أستحب ذلك.
بترا :
ولكن يا أمي، إني أعتقد أنك لست على صواب فيما ترين.
كاترين :
قد يكون الأمر كذلك ولكني لا أقره ولا سيما في بيتنا.
بترا :
إن هناك أكاذيب كثيرة في البيت أو المدرسة على السواء، ففي البيت يحتم علينا أن لا نتكلم، وفي المدرسة يطلب إلينا أن نقف ونقول للتلاميذ أكاذيب صريحة.
هورستر :
تقولين أكاذيب؟
بترا :
نعم. ألا تدري أن علينا أن نعلمهم مسائل كثيرة لا نؤمن نحن بها.
بيلنج :
هذا هو الواقع فعلا.
بترا :
لو كانت عندي الوسيلة لفتحت مدرسة وسرت بها على منهج يختلف عما هو جار تمام الاختلاف.
بيلنج :
أوه، الوسيلة! قبحا للوسيلة.
هورستر :
إذا كنت تفكرين في هذا فعلا يا آنسة ستوكمان فإنه يسرني أن أهيئ لك مكان المدرسة التي تريدين. إن البيت الكبير الواسع القديم، الذي تركه لي والدي يكاد يكون خاليا، وفي الطبقة الأرضية منه غرفة فسيحة جدا للطعام، يمكنك أن ...
بترا (ضاحكة) :
شكرا لك جزيلا. بيد أني أشفق أن لا جدوى من هذا العمل.
هوفستاد :
لا. الآنسة بترا، أميل بفطرتها إلى الصحافة. على فكرة. هل كان لديك متسع من الوقت لتناول تلك الرواية الإنجليزية التي وعدت أن تترجميها لنا؟
بترا :
لا لم يحن الوقت بعد. ولكنها ستصلك في وقت ملائم. (يأتي الدكتور ستوكمان من غرفته وفي يده خطاب مفتوح.)
الدكتور (يهز الخطاب في الهواء) :
آه! آه! سيكون في البلد شيء جديد تلغط به، أؤكد لكم.
بيلنح :
شيء جديد؟
كاترين :
ما هو هذا؟
الدكتور :
استكشاف عظيم، يا كاترين.
هوفستاد :
صحيح!
كاترين :
استكشاف منك؟
الدكتور :
استكشاف مني (يمشي هنا وهناك)
والآن دعوهم يأتوا ويقولوا على عادتهم إن المسألة كلها خيال وأوهام من رجل مأفون. بيد أنهم لن يقولوا هذا الكلام بعد ذلك، أؤكد لكم.
بترا :
حسن يا والدي. ما المسألة؟
الدكتور :
نعم، نعم، أعطوني وقتا وأنتم تعرفون كل شيء. آه لو كان بيتر معنا الآن! هذا يرينا كيف أننا نحن الرجال نستمر في تكوين أحكامنا على الأشياء، ونحن في الواقع عمي كالجرذان المناجذ.
هوفستاد :
ما قصدك يا دكتور؟
الدكتور (واقفا ساكنا بجوار المائدة) :
أليس الرأي السائد أن بلدتنا بقعة صحية؟
هوفستاد :
بكل تأكيد.
الدكتور :
بقعة صحية فوق العادة فعلا، وجهة تستحق أن يدعى إليها الناس بكل وسيلة ممكنة سواء أكانوا مرضى أم أصحاء.
كاترين :
نعم. ولكن يا عزيزي توماس ...
الدكتور :
ولقد أخذنا نوصي بها الناس ونمتدحها وكتبت في صدد ذلك مقالات في رسول الشعب وعدة من رسائل وعجالات.
هوفستاد :
نعم، ثم ماذا؟
الدكتور :
والحمامات. لقد سميناها شريان البلدة المتدفق بدم الحياة ومركز القوة العصبية فيها، والشيطان أدرى ماذا قلنا غير ذلك.
بيلنج :
قلنا إنها قلب البلدة الخفاق، ولقد استعملت هذه الكلمة ذات يوم في موقف خطير.
الدكتور :
نعم، نعم. أتدرون ما حقيقة هذه الحمامات؟ هذه الحمامات العظيمة البديعة التي لم تفتر الألسن عن مدحها، والتي أنفق في سبيل إنشائها مبالغ عظيمة من المال، أتعرفون ما حقيقة هذه الحمامات؟
هوفستاد :
كلا، ما هي؟
كاترين :
أجل، ما هي؟
الدكتور :
المحل كله من أوله إلى آخره خن أوبئة.
بترا :
الحمامات يا أبي؟
كاترين (في نفس الوقت) :
حماماتنا؟
هوفستاد :
ولكن يا دكتور ...
بيلنج :
لا يمكن تصديق ذلك بتاتا؟
الدكتور :
منشأة الحمامات كلها ليست إلا بؤرة تجتمع فيها كل أنواع الأوبئة، أؤكد لكم. وهي أكبر مورد للأذى والأضرار بالصحة العامة. فإن كل قاذورات «موليدال» وكل تلك الحثالات المتعفنة، تتسرب إلى أقنية المياه المؤدية إلى الخزان وتفسدها! كما أن نفس هذه السموم المتعفنة الملعونة ترشح وتنضح على الشاطئ ...
هورستر :
حيث توجد الحمامات؟
الدكتور :
هناك بالضبط.
هوفستاد :
وكيف تثبت كل هذا الأمر يا دكتور؟
الدكتور :
بحثت الموضوع بكل دقة واهتمام. منذ مدة طويلة كنت أوجس شيئا من هذا القبيل. كان عندنا في العام الماضي عدة حوادث غريبة جدا من المرض بين الوافدين علينا. حوادث تيفويد وحمى معوية.
كاترين :
نعم، هذا صحيح جدا .
الدكتور :
في ذلك الوقت قدرنا أن الزوار كانوا مصابين بها قبل أن يأتوا إلينا، ولكن بعد ذلك، في الشتاء، أخذت أرى رأيا آخر، ولذلك أخذت أفحص الماء بقدر استطاعتي.
كاترين :
إذن فهذا الذي كان يشغلك طول المدة؟
الدكتور :
في الواقع يا كاترين إني كنت مشغولا، ولكن لم تكن عندي الأجهزة والأدوات العلمية اللازمة. ولذلك أرسلت إلى الجامعة عينات من ماء الشرب، وأخرى من ماء البحر لتحليلها تحليلا دقيقا على يد كيماوي خصيص.
هوفستاد :
وهل وصلتك نتيجة التحليل؟
الدكتور :
ها هي ذي. وهي تثبت وجود مواد عضوية متحللة في الماء. وإنه ملآن من جراثيم النقاعيات ومن الخطر المحقق استعمال الماء، سواء أكان ذلك للشرب أو للاستحمام.
كاترين :
الحمد لله على أنك استكشفت هذا في وقته!
الدكتور :
لك الحق أن تقولي ذلك فعلا.
هوفستاد :
وماذا تريد أن تفعل الآن يا دكتور؟
الدكتور :
أعمل على إصلاح الحالة بالطبع.
هوفستاد :
وهل في الاستطاعة ذلك؟
الدكتور :
إنه أمر واجب وإلا أصبحت الحمامات عادمة الفائدة وضاعت مزيتها. ولكن لا يصح لنا أن نقدر ذلك. إني متبين ما يجب عمله.
كاترين :
ولكن لماذا أبقيت هذه المسألة في طي الكتمان يا عزيزي؟
الدكتور :
أكنت تنتظرين أن أجري في البلد أخبر الناس بالواقع قبل أن يكون في يدي البرهان القاطع. لا، لا.
شكرا لك، لست من الجنون عند هذا الحد.
بترا :
مهما يكن من الأمر فقد كنت تستطيع أن تخبرنا نحن.
الدكتور :
ولا أي إنسان حي، ولكن يمكنكم في الغد أن تجروا به إلى السيد أليغر.
كاترين :
توماس! توماس!
الدكتور (لبترا) :
إذن إلى جدك. سيكون لذلك الغلام العجوز من نبئك ما يدهشه، إني أعلم أنه يعتقد أني مجنون، ولاحظت أن في الناس كثيرا غيره على شاكلته في هذا الرأي، ولكن سيرى هؤلاء الصالحون، سيرون فعلا، (يتمشى في المكان ويفرك يديه إحداهما بالأخرى)
سيكون في البلدة ضجة عظيمة يا كاترين، لا يمكن أن تتصوري كيف تكون، يتحتم أن تنزع أقنية المياه من موضعها ويعاد بناؤها.
هوفستاد (ناهضا) :
كل الأقنية؟
الدكتور :
نعم. بالطبع. إن مأخذها منخفض جدا، فلا بد من رفعها إلى مستوى أعلى.
بترا :
إذن فقد كنت على صواب يومئذ؟
الدكتور :
آه، أنت تتذكرين يا بترا. لقد كتبت أنتقد خطة العمل قبل شروعهم فيه. ولكن في ذلك الوقت لم يستمع لي أحد. الآن سأسمعهم. ولقد أعددت تقريرا فعلا لعرضه على لجنة الحمامات - وهو جاهز عندي منذ أسبوع - ولكني كنت أنتظر ورود هذا إلي (يرى الخطاب)
والآن فسأرسله إليهم على الفور. (يذهب إلى غرفته ويعود ومعه أوراق)
انظروا! أربعة أفرخ مكتوبة كلها على أسطر ضيقة، وسأرسل خطابي مع التقرير. أعطيني قطعة من الورق يا كاترين. شيئا ألف فيه هذه الأوراق.
2
هذا يكفي! والآن أعطيه إلى ... إلى (يضرب برجله على الأرض)
إيه، ما اسمها؟ أعطيه إلى الخادمة، وقولي لها تأخذه على الفور إلى العمدة (تأخذ السيدة ستوكمان ربطة الورق وتخرج بها مارة في غرفة الطعام) .
بترا :
ما ظنك يا أبي بما سيقوله عمي؟
الدكتور :
وماذا له من القول في هذا؟ أعتقد أنه سيسر لظهور حقيقة مهمة كهذه.
هوفستاد :
أتسمح لي أن أنشر خبرا قصيرا عن هذا الاستكشاف في رسول الشعب؟
الدكتور :
لك الشكر إن فعلت.
هوفستاد :
إنه يحسن جدا أن يعرف الجمهور ذلك على عجل.
الدكتور :
فعلا.
كاترين (عائدة) :
لقد خرجت به الآن توا.
بيلنج :
أقسم لك يا دكتور أنك ستصبح أشهر رجل في البلد.
الدكتور (يتمشى مسرورا) :
كلام فارغ، إني لم أفعل على كل حال إلا ما هو من واجبي. لم أفعل شيئا سوى أني وفقت إلى العثور على لقية - هذا كل ما في المسألة - ومع ذلك فعلى حد سواء.
بيلنج :
هوفستاد، ألا ترى أن البلدة جديرة أن تقدم إلى الدكتور علامة عرفان بفضله؟
هوفستاد :
سأقترح ذلك على كل حال.
بيلج :
وأنا سأكلم أسلاكسن في الموضوع.
الدكتور :
لا يا أصحابي. لا أريد أن تحدث مثل هذه البهارج السوقية. لا أطيق أن أسمع بشيء من هذا القبيل. وإذا فكرت لجنة الحمامات في تقرير زيادة مرتبي، فإني لن أقبلها. أتسمعين يا كاترين؟ لن أقبل.
كاترين :
أنت على حق يا توماس.
بترا (رافعة كأسها) :
في صحتك يا أبي.
هوفستاد وبيلنج :
في صحتك يا دكتور. في صحتك.
هورستر (يقرع كأسه بكأس الدكتور) :
أرجو أن لا يعود عليك من هذا الاستكشاف إلا الخير والمسرة.
الدكتور :
شكرا لكم. شكرا لكم يا إخواني الأعزاء. إني أشعر بتمام السعادة. من محاسن الأمور أن يرى الإنسان نفسه قادرا على أن يعمل لبلده عملا صالحا ويؤدي لبني وطنه خدمة طيبة. مرحى يا كاترين. (يضع يده حول خصرها ويلفها لفا وهي تحتج بأصوات صراخ وضحك. الجميع يضحكون ويصفقون بأيديهم ويهللون للدكتور. وعند ذلك يطل الأولاد برءوسهم من الباب ليروا ما هو حادث.)
الفصل الثاني
(
المنظر:
عين المنظر السابق إلا أن الباب المؤدي إلى غرفة الطعام مقفل، والوقت صباح. تأتي كاترين ستوكمان ومعها خطاب مختوم من باب غرفة الطعام، وتذهب إلى باب غرفة مطالعة الدكتور وتطل برأسها فيها.)
كاترين :
أنت هنا يا توماس؟
الدكتور (من داخل غرفته) :
نعم. دخلت توا. (يأتي في غرفة الاستقبال)
ماذا لديك؟
كاترين :
خطاب من أخيك.
الدكتور :
آها، هات لنرى! (يفض الخطاب ويقرأ) «أعيد إليك المسودة التي أرسلتها إلي» (ثم يقرأ بصوت خفيض)
هممم ...
كاترين :
ماذا يقول؟
الدكتور (واضعا الأوراق في جيبه) :
أو، لا يقول شيئا سوى أنه سيأتي هو نفسه هنا حوالي الظهر.
كاترين :
إذن، فحاول أن تحسن لقاءه.
الدكتور :
لا تخشي بأسا. لقد انتهيت من جميع عيادات الصباح.
كاترين :
أنا في غاية التلهف على معرفة أثر الخبر في نفسه.
الدكتور :
سترين أنه يكره أن أكون أنا الذي استكشفت المسألة لا هو.
كاترين :
ألا يقلق هذا الأمر بالك؟
الدكتور :
أوه، سيسره الأمر في دخيلة قلبه، ولكن بيتر من جهة أخرى شديد الخشية من أن يؤدي غيره من الناس خدمة للبلدة.
كاترين :
اسمع مني يا توماس، يجدر بك أن تكون سمحا وتقتسم فضل المسألة معه؛ ألا تستطيع أن تقول إنه هو الذي نبهك إلى هذا الاستكشاف؟
الدكتور :
إني على تمام الاستعداد لهذا، إذا أمكن بذلك أن يتم الإصلاح المطلوب . إني ... (مورتن كيل (Morten Kiil)
يطل برأسه من باب البهو وينظر هنا وهناك في الغرفة مستطلعا ويضحك.)
كيل (وعليه سيما التهكم) :
أهو، أهو صحيح؟
كاترين :
أبي! أهذا أنت؟
الدكتور :
آه مستر كيل، نهارك سعيد، نهارك سعيد يا حماي العزيز.
كاترين :
تفضل، ادخل.
كيل :
إذا كان صحيحا دخلت. وإذا لم يكن صحيحا انصرفت.
الدكتور :
إذا كان ماذا صحيحا؟
كيل :
هذا الخبر الخاص بمسألة مياه الشرب، أهو صحيح؟
الدكتور :
بالتأكيد صحيح. ولكن خبرني كيف بلغك الخبر.
كيل (داخلا) :
مرت علي بترا وهي ذاهبة في طريقها إلى المدرسة ...
الدكتور :
صحيح؟
كيل :
نعم. وقد قالت. ظننت أنها تضحك مني. ولكني قدرت أن بترا بعيدة عن مثل هذا.
الدكتور :
محال طبعا، كيف تتصور مثل هذا؟
كيل :
أوه، خير للإنسان أن لا يثق بإنسان، قد تجد أنه كان يضحك منك قبل أن تعرف أين أنت. ولكن الخبر صحيح على كل حال.
الدكتور :
ثق أنه صحيح، ألا تجلس؟ (يجلسه على المقعد)
أليس من حسن حظ البلدة أن ...؟
كيل (يخفي ضحكة) :
من حسن حظ البلدة؟
الدكتور :
نعم. كوني استكشفت الأمر في وقت ...
كيل (مخفيا ضحكه) :
نعم، نعم، نعم. غير أني ما كنت أظن أنك تزل قدم أخيك كما فعلت.
الدكتور :
أزل قدمه؟
كاترين :
الواقع يا أبي العزيز ...
كيل (واضعا يديه وذقنه على مقبض عصاه وغامزا بعينه غمز المكر بالدكتور) :
هات لنرى. قل لي، ما تفصيل الحكاية؟ نوع من الحيوانات دخل في أقنية المياه، أهو كذلك؟
الدكتور :
النقاعية؟ نعم.
كيل :
وأن مقدارا من هذه الحيوانات قد دخل في الأقنية - كما تقول بترا - مقدارا كبيرا.
الدكتور :
بالتأكيد، مئات الألوف منها، غالبا.
كيل :
ولكن لا يستطيع أحد أن يرى هذه الحيوانات، أليس كذلك؟
الدكتور :
مؤكد، لا يستطيع أحد أن يراها.
كيل (بضحك خفيف) :
مصيبة! هذه ألطف حكاية سمعتها في حياتي!
الدكتور :
ماذا تعني؟
كيل :
ولكنك لن تستطيع أن تحمل العمدة على تصديق شيء من هذا.
الدكتور :
سنرى.
كيل :
أتظن أنه سيكون من الجنون بدرجة أنه ...؟
الدكتور :
أهل البلدة جميعهم سيصبحون من الجنون بحيث ...
كيل :
جميع البلدة! هذا جائز وربي! لعمري ليكونن هذا جزاء في محله، ودرسا مفيدا، إنهم يظنون أنفسهم أمكر منا نحن كبار السن. لقد طاردوني وأخرجوني من المجلس. نعم، فعلوا ذلك، لقد طاردوني. الآن سيدفعون ثمن ما فعلوا، وأراك تستدرجهم إلى مزلة القدم.
الدكتور :
الواقع أني ...
كيل :
أنت تستدرجهم فعلا. (ينهض)
إذا استطعت أن تطبخ المسألة حتى يلتهمها العمدة وإخوانه، فإني أتبرع بعشرة جنيهات في سبيل الخير، على الفور.
الدكتور :
هذا فضل منك.
كيل :
نعم، ليس عندي من المال ما يسمح بالرمي - أؤكد لك - ولكن إذا استطعت أن تقوم بهذا العمل فإني أعطي خمسة جنيهات تنفق في سبيل الخير يوم عيد الميلاد. (يدخل هوفستاد من باب البهو.)
هوفستاد :
نهاركم سعيد! (يقف)
وي، معذرة.
الدكتور :
لا داعي لذلك، ادخل.
كيل (بضحكة أخرى) :
أهو معكم في هذا؟
هوفستاد :
ماذا تعني؟
الدكتور :
بالطبع معنا.
كيل :
كان جديرا بي أن أعرف ذلك، لا بد أن المسألة تنشرها الجرائد، أنت أعرف بطريق ذلك يا توماس. هلم أرهف قلمك وادخل في المضمار، والآن فلأنصرف.
الدكتور :
ألا تجالسنا أكثر من هذا؟
كيل :
لا، لا بد من الانصراف الآن، إنك ستستمر في المناضلة على كل حال، لن تندم على ذلك، لعنة الله علي إن أنت فعلت. (يخرج وتتبعه كاترين ستوكمان إلى البهو.)
الدكتور (ضاحكا) :
تصور، إن هذا الرجل لا يصدق شيئا من حكاية أقنية المياه.
هوفستاد :
أكان هذا إذن موضوع ال ...
الدكتور :
نعم هو الموضوع الذي كنا نتكلم فيه، ولعله هو بعينه ما أتى بك هنا.
هوفستاد :
نعم هو، أتسمح لي ببضع دقائق يا دكتور؟
الدكتور :
بما تريد يا صاحبي العزيز.
هوفستاد :
هل عرفت رأي العمدة؟
الدكتور :
لا شيء بعد، إنه آت هنا بعد قليل.
هوفستاد :
لقد فكرت في الموضوع طويلا منذ ليلة أمس.
الدكتور :
ثم؟
هوفستاد :
مسألة أقنية المياه هي من وجهة نظرك بصفة كونك طبيبا ورجلا من رجال العلم، مسألة مستقلة. أعني أنك لا تدرك أنها تتضمن عديدا من المسائل الأخرى.
الدكتور :
ماذا تعني؟ دعنا نجلس يا صاحبي العزيز. لا بل اجلس هنا على المقعد. (يجلس هوفستاد على المقعد والدكتور ستوكمان على كرسي إلى الجانب الآخر من المنضد)
الآن، أنت تعني أن ...
هوفستاد :
قلت أمس إن فساد الماء مسبب عن مواد غير طاهرة موجودة في تربة الأرض؟
الدكتور :
نعم، إنه مسبب عن العفونة السامة الموجودة في موليدال.
هوفستاد :
معذرة يا دكتور، إني أظن أنه مسبب عن عفونة أخرى.
الدكتور :
أي عفونة هذه؟
هوفستاد :
العفونة التي بنيت عليها حياة جميع بلدتنا والتي أخذت تعفنها معها.
الدكتور :
عجبي! إلى أي شيء ترمي بهذا الكلام يا هوفستاد؟
هوفستاد :
إن جميع مصالح البلدة قد انتقلت شيئا فشيئا إلى أيدي عصابة من الموظفين.
الدكتور :
مهلا، ليسوا جميعا موظفين.
هوفستاد :
أعرف ذلك. ولكن الذين ليسوا منهم موظفين هم أصدقاء الموظفين وأتباعهم. إن فريق الأغنياء والأسر القديمة في البلد هو الذي يقبض علينا جميعا بأيديه.
الدكتور :
نعم، ولكنهم على كل حال أهل كفاءة ودراية.
هوفستاد :
وهل أبدوا شيئا من الكفاية أو الدراية يوم وضعوا أقنية المياه حيث وضعوها.
الدكتور :
لا، لقد كان هذا بالطبع عملا في منتهى الحماقة ولكن هذا سيصلح.
هوفستاد :
وهل تظن أن المسألة ستمر على الهين.
الدكتور :
على الهين أو غير الهين لا يهم، لا بد من الإصلاح على كل حال.
هوفستاد :
نعم، بشرط أن تتناول الجرائد الموضوع.
الدكتور :
لا أظن هذا ضروريا يا عزيزي، إني واثق أن أخي ...
هوفستاد :
أستسمحك يا دكتور، أراني ملزما أن أخبرك أني أميل إلى التصدي للمسألة.
الدكتور :
في الجريدة؟
هوفستاد :
نعم، لما توليت جريدة رسول الشعب كان قصدي أن أكسر حلقة أولئك البقايا القديمة المتحجرة المتشبثة برأيها التي احتازت كل سلطة في البلد.
الدكتور :
فعلا، ولكنك تذكر أنك نفسك قلت لي كيف كانت عاقبة هذه السياسة. لقد خربت جريدتك يومئذ تقريبا.
هوفستاد :
فعلا. في ذلك الوقت كنا مضطرين أن نتراجع خطوة أو خطوتين، لأنا كنا نخشى أن يهملوا مشروع الحمامات بتاتا إذا هم تخلوا عنا، أما الآن فقد نفذ المشروع ويمكننا أن نستغني عن هؤلاء السادة العظماء.
الدكتور :
تستغني عنهم، نعم، ولكن في رقبتنا لهم جميلا عظيما.
هوفستاد :
سنقر لهم بذلك بلا استياء. ولكن صحفيا مثلي من ذوي المبادئ الديمقراطية لا يمكن أن يفوت على نفسه فرصة كهذه. يجب أن نغمز فقاعة العصمة الحكومية ونمزقها. هذه الخرافة يجب أن تبدد ويقضى عليها ككل خرافة سواها.
الدكتور :
إني معك في هذا من كل قلبي يا سيد هوفستاد، إذا كانت خرافة فليقض عليها.
هوفستاد :
إني أتردد في تناول العمدة لأنه أخوك، ولكني واثق أنك توافقني على أن الحق أوجب بالرعاية.
الدكتور :
لا مراء في ذلك (بتأكيد مفاجئ)
نعم، ولكن ...
هوفستاد :
إياك أن تسيء بي الظن. لست ذا مصلحة ذاتية أكثر من غالب الناس، ولا أنا أشد منهم طماعية.
الدكتور :
يا سيدي العزيز، من أشار إلى شيء من هذا القبيل.
هوفستاد :
إني من أصل غير نابه كما تعرف، وقد أتاح لي هذا فرصة العلم بما يستشعره أمثالي أهل الطبقات المتضعة من الحاجة الشديدة، ألا وهي أن يسمح لهم بالاشتراك في إدارة المصالح العامة يا دكتور، إن في هذا عونا لهم على تنمية مواهبهم وعقولهم واحترامهم أنفسهم.
الدكتور :
إني أقدر هذا حق التقدير.
هوفستاد :
نعم، وفي اعتقادي أن الصحفي يتحمل أكبر الأوزار إذا هو لم ينتهز فرصة سنحت، لتحرير الجمهور المسكين المضطهد، إني لأعلم علم اليقين أنهم في الدوائر العليا سيسمونني مهيجا ويرمونني بكل ما في تلك الجعبة، ولكن فليسموني كما يشتهون، إذا لم يؤنبني ضميري فإني ...
الدكتور :
صدقت، صدقت يا سيد هوفستاد. ولكن على حد سواء، في داهية. (يسمع قرع على الباب)
تفضل. (يظهر أسلاكسن عند الباب وهو لابس لباسا حقيرا ولكنه ملائم. لونه أسود. أما رباط رقبته فأبيض متكمش وفي يديه قفازان وقبعة لباد (فلت).)
أسلاكسن (ينحني) :
أرجو يا دكتور أن تصفح ...
الدكتور (ناهضا) :
آه، أهو أنت يا أسلاكسن؟
أسلاكسن :
نعم، يا دكتور.
هوفستاد (ناهضا) :
أتريدني يا أسلاكسن؟
أسلاكسن :
لا، لم يخطر ببالي أن أجدك هنا. إني أريد الدكتور.
الدكتور :
إني على أتم استعداد لخدمتك. هلم ...
أسلاكسن :
أصحيح يا سيدي ما بلغني من مستر بيلنج؟ أعني أنك تريد أن تصلح مورد مائنا؟
الدكتور :
نعم، من أجل الحمامات.
أسلاكسن :
هذا ما فهمت. حسن. إني أتيت أنهي إليك أني سأعزز هذه الفكرة بكل وسيلة في يدي.
هوفستاد (إلى الدكتور) :
أرأيت؟
الدكتور :
أشكرك ولكن ...
أسلاكسن :
لأنه لا بأس أن يكون لك ظهير منا نحن أهل الحرف والصناعات. نحن في الواقع نعد في البلدة غالبية متراصة إذا أردنا. ويحسن دائما أن تكون الغالبية معك يا دكتور.
الدكتور :
هذا صحيح بلا أدنى شك. ولكني أقر لكم أني لا أدري لماذا ترون هذه الاحتياطات الخارقة للعادة ضرورية في هذه المسألة. يخيل إلي أن مسألة بسيطة صريحة كهذه ...
أسلاكسن :
قد يحتاج الأمر إلى ذلك على كل حال. إني أعرف ولاة أمرنا المحليين معرفة جيدة. ليس من عادة الموظفين أن يعملوا بناء على اقتراحات يقدمها غيرهم من الطبقات الأخر. وهذا ما يدعوني إلى الاعتقاد بأنه يجدر بنا أن نقوم بمظاهرة صغيرة.
هوفستاد :
في محله.
الدكتور :
مظاهرة! علام قيامك بمظاهرة؟!
أسلاكسن :
نحن سنسير بغاية الهوادة والاعتدال. الاعتدال يا دكتور نصب عيني دائما. إنه أكبر فضيلة يتحلى بها الوطني. أنا على الأقل أعتقد ذلك.
الدكتور :
معروف جدا أن الاعتدال صفة من لوازمك يا سيد أسلاكسن.
أسلاكسن :
نعم، أظن ذلك، وإني لفخور بهذه الصفة ومسألة مورد الماء هذه على جانب عظيم من الأهمية عندنا نحن أهل الحرف الصغار. إنه ينتظر أن تكون الحمامات بمثابة منجم ذهب دائم تملكه المدينة. وسنرتزق منها نحن جميعا، ولا سيما من كان منا من أرباب المساكن، وهذا هو السبب الذي من أجله سنعزز المشروع بقدر ما يستطاع من القوة. وبما أني الآن رئيس جمعية أرباب المساكن ...
الدكتور :
نعم؟
أسلاكسن :
وفوق ذلك السكرتير المحلي لجمعية الاعتدال في الشراب، ولعلك تعلم يا سيدي أنني أحد العاملين بقوة في هذا السبيل.
الدكتور :
بالطبع، بالطبع.
أسلاكسن :
حسن، يمكنك أن تفهم أنني متصل بعدد كبير جدا من الناس وإذ إني مشهور بأني وطني، عفيف عن الخمر مطواع للقانون مثلك يا دكتور، فإن لي في البلد نوعا من النفوذ وشيئا من القوة إذا جاز أن أقول ذلك.
الدكتور :
أعرف ذلك حق المعرفة، يا سيد أسلاكسن.
أسلاكسن :
وعليه، فأنت ترى أنه من السهل علي أن أدعو إلى القيام بواجب الاعتراف لك إذا اقتضت الضرورة!
الدكتور :
واجب الاعتراف!
أسلاكسن :
نعم، شيء مثل شكر من أهل البلد على ما لك من يد في مسألة كهذه ذات أثر عظيم في مصلحة المجتمع. لا حاجة بي إلى القول إنه يجب تحضير الكلمة. مع التزام جانب الاعتدال التزاما تاما، حتى لا نسيء إلى أولي الأمر الذين في يدهم عنان الشئون على كل حال. إذا راعينا هذا تمام المراعاة، فلن يسيء أحد تأويلها على ما أظن.
هوفستاد :
بل لنفرض أنها لم تكن على هواهم ...
أسلاكسن :
لا، لا. يجب أن لا يكون فيها مس لكرامة الحكومة يا سيد هوفستاد. لا يليق أن نغاضب أولئك الذين تتوقف عليهم رفاهيتنا توقفا تاما. لقد جربت هذه الخطة فيما مضى فلم أجد من ورائها خيرا أبدا. أما إذا أبدى الرجل الوطني آراءه بطريقة معقولة خالصة فإنه لا يغضب أحدا.
الدكتور (هازا يد أسلاكسن) :
اسمح لي يا عزيزي أسلاكسن أن أعبر لك عن مزيد اغتباطي إذ أجد مثل هذا التشجيع العلني من إخواني المواطنين. إني مسرور، مسرور. والآن كأسا صغيرة من نبيذ الشرى.
أسلاكسن :
شكرا لك، لا، لا. إني لا أشرب كحولا من هذا النوع.
الدكتور :
إذن فما قولك في قدح من البيرة.
أسلاكسن :
ولا هذا أيضا. شكرا لك يا دكتور. لا أشرب شيئا في وقت مبكر كهذا. إني ذاهب إلى البلدة الآن لأتحادث في المسألة مع واحد أو اثنين من أصحاب المنازل وأمهد السبيل.
الدكتور :
هذا فضل عظيم منك يا سيد أسلاكسن. ولكني في الحقيقة لا أتبين ضرورة هذه الاحتياطات. يخيل إلي أن المسألة يجب أن تسير من تلقاء نفسها.
أسلاكسن :
أولو الأمر بطيئو الحركة نوعا ما يا دكتور، على أني أبعد الناس عن العيب في حقهم!
هوفستاد :
إنا عازمون على تحريكهم غدا في الجريدة يا أسلاكسن.
أسلاكسن :
ولكن من غير عنف يا سيد هوفستاد! خذهم بالرفق، وإلا فما نستطيع أن نجني منهم ثمرة. اتبع مشورتي. إني تلقيت الخبرة في مدرسة الحياة. هه. لا بد لي من الانصراف يا دكتور، أنت تعرف الآن أننا نحن صغار أهل الحرف وراءك على كل حال مثل الجدار المتين، معك الغالبية المتراصة يا دكتور.
الدكتور :
إني في غاية الامتنان يا عزيزي السيد أسلاكسن (يهز يده تحية)
مع السلامة، مع السلامة.
أسلاكسن :
أنت ذاهب في طريقي صوب المطبعة يا سيد هوفستاد.
هوفستاد :
سآتي بعد حين، عندي شيء لا بد من إنهائه أولا.
أسلاكسن :
حسن (ينحني ويخرج ويتبعه الدكتور إلى البهو) .
هوفستاد (عندما يعود الدكتور) :
هه، ما قولك في هذا يا دكتور؟ ألا ترى أنه قد حان الوقت لنبعث شيئا من الحياة في كل ذلك الخور والتردد والجبن.
الدكتور :
أنت تعني أسلاكسن؟
هوفستاد :
نعم، أعنيه، إنه أحد هؤلاء المتخبطين في الأحوال وإن كان الرجل في ذاته رجلا طيبا، وغالب الناس في هذا البلد على مثل حاله يترجحون؛ يميلون أولا إلى جانب، وبعدئذ إلى الجانب الآخر، تراهم من الحذر والريب بحيث لا يجرءون على أن يخطوا خطوة ثابتة لا تردد فيها.
الدكتور :
نعم ولكني أتبين حسن القصد على أتمه من أسلاكسن.
هوفستاد :
هناك صفة أهم في نظري من ذلك. تلك هي أن يكون الرجل ثابت الاعتماد على نفسه مطمئنا إلى رجولته.
الدكتور :
إنك على تمام الحق في ذلك.
هوفستاد :
من أجل هذا أريد أن أنتهز هذه الفرصة وأرى هل أستطيع أن أبعث شيئا من الرجولة في أولئك الناس الحسني القصد، يجب أن يحطم صنم السلطة المنصوب في هذا البلد. يجب أن نفهم كل ذي صوت في انتخابات أعضاء البلدية حقيقة هذا الحمق والعبث البالغ الذي تناولوا به مسألة الماء.
الدكتور :
لا بأس. إذا كنت ترى أن هذا في مصلحة المجتمع فافعل. ولكن لا تفعل شيئا قبل أن يتاح لي الحديث مع أخي.
هوفستاد :
سأعد، على كل حال، مقالة افتتاحية. وإذا رفض العمدة أن يهتم بالموضوع ...؟
الدكتور :
كيف تقدر أن هذا ممكن؟
هوفستاد :
إنه جائز، وفي هذه الحالة ...
الدكتور :
في هذه الحالة أعدك. أسمح لك في هذه الحالة أن تنشر تقريري بنصه وفصه.
هوفستاد :
صحيح. أتعدني بذلك؟
الدكتور (يعطيه مسودة التقرير) :
ها هي ذي مسودته. إليكها، خذها معك. لا ضرر من اطلاعك عليها وإعادتها إلي بعدئذ.
هوفستاد :
حسن. حسن. هذا ما سأفعله. والآن إلى اللقاء. إلى اللقاء يا دكتور.
الدكتور :
مع السلامة، مع السلامة، سنرى أن الأمور تجري بلا عثار يا سيد هوفستاد، بلا أدنى عثار.
هوفستاد :
هم (يهمهم)،
سنرى (ينحني ويخرج) .
الدكتور (يفتح باب غرفة الطعام ويطل فيها) :
كاترين! أوه بترا! أنت عدت؟
بترا (تدخل) :
نعم عدت من المدرسة توا.
كاترين (تدخل) :
ألم يأت بعد؟
الدكتور :
بيتر؟ نعم. ولكن كان لي حديث طويل مع هوفستاد، إن نفسه مشغولة باستكشافي، وأجد لهذا الاستكشاف مرامي أبعد مما كنت أظن، وقد وضع هوفستاد جريدته تحت أمري إذا قضت الضرورة.
كاترين :
هل ترى أن ستكون هناك ضرورة؟
الدكتور :
لا أظن ذلك لحظة. ولكني أشعر على كل حال بشيء من الاغتباط إذ أعرف أن الصحافة الحرة الفكر المستقلة في جانبي، نعم. و... انظري لقد زارني اليوم رئيس جمعية أرباب المساكن.
كاترين :
أوه. ماذا كان يريد؟
الدكتور :
إنه يعرض علي مساعدته أيضا، وستؤيدني هيأتهم الكلية إذا اقتضى الأمر ذلك. كاترين، أتعرفين ماذا ورائي؟
كاترين :
وراءك! لا، ماذا وراءك؟
الدكتور :
الغالبية المتراصة.
كاترين :
صحيح؟ أهذا شيء ينفعك يا توماس؟
الدكتور :
أظن أنه شيء عظيم. (يتمشى ذهابا وجيئة إلى أعلى ثم إلى أدنى وهو يفرك كفيه)
أما والله إنه لمن أسعد الأمور أن يشعر الإنسان برباط الأخوة بينه وبين مواطنيه.
بترا :
وأن تكون قادرا على أن تفعل ما فيه خير ونفع يا أبي.
الدكتور :
ولا سيما إذا كان هذا موجها إلى بلد الإنسان الذي ولد فيه يا بنيتي.
كاترين :
دق الجرس ...
الدكتور :
لا بد أن يكون هو إذن. (يسمع دق على الباب)
تفضل. (يدخل بيتر ستوكمان من الغرفة الخلفية.)
بيتر :
نهاركم سعيد.
الدكتور :
سعيد برؤيتك يا بيتر.
كاترين :
نهارك سعيد يا بيتر، كيف حالك؟
بيتر :
لا بأس. شكرا لك. (إلى الدكتور)
وصلني منذ أمس، بعد وقت العمل، تقرير بشأن حالة المياه الواردة إلى الحمامات.
الدكتور :
نعم، هل قرأته؟
بيتر :
نعم قرأته.
الدكتور :
وما رأيك فيه؟
بيتر (بنظرة إلى جانب ويهمهم) :
هممم!
كاترين :
هلم يا بترا (تخرج هي وبترا إلى الغرفة التي إلى اليسار) .
بيتر (بعد سكوت) :
أكان من الضروري أن تعمل كل هذه التحريات من وراء ظهري؟
الدكتور :
نعم، لأنه يجدر بي أن أتأكد تمام التأكد من المسألة ...
بيتر :
إذن فأنت تعني أنك الآن متأكد تمام التأكد؟
الدكتور :
أنت بلا أدنى شك مقتنع بذلك.
بيتر :
وهل في عزمك أن تقدم هذه الوثيقة رسميا إلى لجنة الحمامات.
الدكتور :
أجل، لا بد من عمل شيء في هذا الصدد، وأن يكون ذلك على وجه السرعة.
بيتر :
أنت على عادتك تستعمل عبارات شديدة في تقريرك، تقول فيما تقول إن ما نقدمه لزوارنا في الحمامات ليس إلا فيض سم مستديم.
الدكتور :
ها! وهل يمكنك أن تصفه وصفا آخر يا بيتر؟ بالله، ماء ملوث؛ يشربه أو يستحم فيه، هذا ما نقدمه إلى الناس المرضى المساكين الذين يأتون إلينا واثقين بنا ويدفعون إلينا مبالغ عظيمة ثمنا لاستشفائهم ورجوع العافية إليهم.
بيتر :
ومقدماتك تؤدي بك إلى هذه النتيجة؟ وهي أنه يجب علينا أن نبني خزان تصفية يسحب كل القاذورات الناشئة كما تقول من مدابغ موليدال، ويجب علينا أيضا أن نهدم أقنية المياه ثم نبنيها من جديد في اتجاه آخر.
الدكتور :
نعم. هل ترى وسيلة أخرى لإصلاح الحال؟ إني لا أرى.
بيتر :
لقد انتحلت اليوم عذرا للخروج من المكتب وقابلت مهندس البلدية وفتحت له بشكل شبه جدي، موضوع هذه الاقتراحات على تقدير أنه قد ينظر في أمرها يوما من الأيام.
الدكتور :
يوما من الأيام!
بيتر :
فابتسم لأنه يعتقد أن هذا يكون إسرافا مني بالطبع. هل كلفت نفسك تقدير مبلغ النفقة التي تتطلبها التغييرات التي تقترحها من المعلومات التي حصلت عليها؟ أفهم أن التكاليف قد تبلغ خمسة عشر ألفا أو عشرين ألف جنيه.
الدكتور :
تتطلب هذا المقدار؟
بيتر :
نعم، وأسوأ ما في الأمر أن العمل لا يتم في أقل من سنتين.
الدكتور :
سنتين! سنتين كاملتين!
بيتر :
على الأقل. فماذا تفعل بالحمامات في غضون هذه المدة، أنقفلها؟ هذا ما لا بد منه. وهل تظن أحدا يأتي إلى المكان بعدما يكون قد شاع في الآفاق أن الماء خطر.
الدكتور :
فعلا، ولكن يا بيتر هذا هو الواقع.
بيتر :
وكل هذا في هذا الوقت؛ في الوقت الذي أخذت فيه الحمامات تعرف ويقبل عليها الناس، وبجوارنا بلاد أخرى تستهوي الناس إليها للاستحمام فيها، ألا ترى أن أهلها لا يترددون في انتهاز هذه الفرصة وتوجيه عزمهم إلى تحويل تيار الغرباء إلى ربوعهم؟ لا شك أنهم يفعلون ذلك فإذا حدث هذا، فماذا يكون حالنا؟ لعلنا نضطر إذ ذاك أن نتخلى عن منشآتنا جميعها بعد ما كلفتنا مبالغ فادحة، وعندئذ تكون قد جررت الخراب على بلدك.
الدكتور :
الخراب على بلدي! أنا!
بيتر :
ليس للبلد حظ ولا مستقبل إلا في الحمامات وحدها، وأنت تعرف هذا كما أعرفه تماما.
الدكتور :
إذن فماذا ترى أن نفعل؟
بيتر :
تقريرك لم يقنعني أن حالة الماء في الحمامات بالدرجة التي وصفتها.
الدكتور :
بل أؤكد لك أنها أسوأ من ذلك، أو أنها على كل حال ستكون كذلك في الصيف يوم يدخل الحر.
بيتر :
كما قلت لك، أعتقد أنك تبالغ وتهول، إن الطبيب المقتدر جدير أن يعرف ماذا نتخذ من الوسائل. يجب عليه أن يكون قادرا على منع عوامل الأذى أو معالجتها إذا استقرت على صورة واضحة.
الدكتور :
ها، وبعد؟
بيتر :
أجهزة الماء اللازمة للحمامات قائمة لا تقبل التغيير، فالمسألة من هذه الناحية مفروغ منها، ويجب أن تؤخذ دائما على هذا الاعتبار، ولكن إذا تراءى للجنة أن تعمل فإنها قد لا تكون غير ميالة إلى النظر في الأمر لمعرفة مدى ما يمكن أن تدخله من التحسينات مع مراعاة وجاهة النفقة.
الدكتور :
وهل تظن أني أشترك في مثل هذا الاحتيال؟
بيتر :
احتيال؟!
الدكتور :
نعم، ألا يكون هذا العمل خديعة، وتزويرا وكذبا وجريمة صريحة تقع على الجمهور بل على المجتمع بأسره.
بيتر :
لم أستطع كما قلت لك، أن أقتنع أن هناك ضررا واقعا فعلا.
الدكتور :
بل أنت مقتنع، يستحيل أن لا تكون مقتنعا. إني واثق أنني شرحت الوقائع بتمام الصدق والإنصاف. وأنت تعرف ذلك يا بيتر حق المعرفة. ولكنك لا تريد أن تسلم به، لقد كان من عملك أنت أن الحمامات وأقنية المياه بنيت حيث هي الآن. هذا التعسف والخلط هو ما لا تريد أن تعترف به، أتظن أني لا أرى دخيلة نفسك؟
بيتر :
وعلى فرض أن هذا صحيح وأنني أدافع عن سمعتي بشيء من الاهتمام، فإنه في مصلحة البلد. بغير سلطة أدبية لا تكون لي سلطة مطلقا في إدارة مصالح الجمهور بما يؤدي في نظري إلى الخير العام. وعلى هذا الاعتبار، ولأسباب أخرى كثيرة، يظهر لي أنه من المهم أن لا يقدم تقريرك إلى اللجنة. يجب عليك في سبيل المصلحة العامة، أن تسحب تقريرك، ثم بعد مدة، أرفع أنا المسألة إلى اللجنة وسنبذل قصارى جهدنا في العمل فيما بيننا. ولكن لا يصل شيء عن هذه المسألة المشئومة، ولا كلمة عنها، إلى أذن الجمهور.
الدكتور :
أخشى أنك غير قادر الآن على منع هذا يا عزيزي بيتر.
بيتر :
بل لا بد من ذلك. وسيمنع فعلا.
الدكتور :
لا فائدة من ذلك. أؤكد لك. كثير من الناس عالمون به.
بيتر :
عالمون به! من؟ عسى أن لا يكون من بينهم أولئك الأشخاص الذين يحررون رسول الشعب.
الدكتور :
نعم، هم أيضا يعلمون أن الصحافة الحرة المستقلة أخذت على نفسها أن تلزمك القيام بالواجب.
بيتر (بعد سكوت قصير) :
إنك رجل من قلة التبصر بدرجة خارقة للعادة يا توماس، ألم تفكر فيما يترتب على ذلك من سوء العاقبة لك؟
الدكتور :
العاقبة لي؟
بيتر :
لك ولذويك. نعم.
الدكتور :
ماذا تعني؟
بيتر :
أعتقد أني كنت معك دائما على حد الأخوة، وكنت دائما سريعا إلى مرضاتك، أو مساعدتك.
الدكتور :
نعم، كنت كذلك، وأنا شاكر لك هذا الفضل.
بيتر :
لا حاجة إلى هذا، الواقع أنني كنت إلى حد ما مضطرا إلى ذلك، من أجل مصلحة نفسي، لقد كنت أؤمل دائما أني إذا ساعدت على تحسين حالتك المالية، استطعت أن يكون لي بعض السلطان عليك.
الدكتور :
ماذا؟ إذن فقد كان لمصلحتك أن ...
بيتر :
إلى حد ما. نعم. إنه ليؤلم الرجل المتولي وظيفة عامة أن يرى أقرب الناس إليه يوقع نفسه في الشبه مرة بعد مرة.
الدكتور (ضاحكا) :
وأنت ترى أنني أفعل ذلك.
بيتر :
نعم، بكل أسف، من حيث لا تدري أن من طباعك القلق والمشاكسة والثورة. ثم هناك ذلك الاندفاع القاتل وراء الكتابة في كل أمر ممكن وغير ممكن. ما تأتي فكرة إلى دماغك حتى تذهب وتكتب مقالة لجريدة أو تضع في شأنها رسالة برمتها.
الدكتور :
ها، ولكن أليس من واجب الوطني أن يشرك الجمهور في كل فكر جديد يعن له.
بيتر :
أوه! إن الجمهور لا يريد شيئا من الأفكار الجديدة، خير ما يخدم الجمهور مبادئه الطيبة المقررة لديه من قديم.
الدكتور :
أهذا رأيك الخالص؟
بيتر :
فعلا، والآن لا بد لي أن أكلمك صراحة بصفة نهائية. إلى الآن حاولت أن أتجنب هذه الصراحة، لأني أعلم أنك سريع التهيج. أما الآن فلا بد لي أن أقول لك الحق الصراح يا توماس. أنت لا تدري أي ضرر توقعه على رأسك بنزقك. أنت تشكو من أولي الأمر بل إنك لتشكو حتى من الحكومة، أنت دائم الطعن عليهم، ولا تفتر عن القول بأنك مهمل مضطهد، ولكن ماذا ينتظر غير ذلك من رجل مثلك شكس؟
الدكتور :
ثم ماذا! شكس، أنا؟
بيتر :
نعم، يا توماس، أنت شكس جدا لا يطاق الشغل معك. أعرف هذا وغرمه علي. أنت لا تبالي بالشيء الذي يجب عليك أن تبالي به، وكأنك تنسى نسيانا تاما أنه يجب عليك أن تشكرني لتعيينك مفتشا صحيا للحمامات.
الدكتور :
لقد كنت أستحق الوظيفة - بطبيعة الحال - أنا لا سواي. كنت أول من رأى أن البلدة ممكن أن تصبح بلدة حمامات زاهية يستشفى بمائها. وكنت أول من رآها في ذلك الوقت. ولقد جاهدت أنا وحدي مدى أعوام عديدة في سبيل تحقيق هذه الفكرة، وكتبت وكتبت.
بيتر :
لا إنكار في ذلك، ولكن الأمور لم تكن مهيأة لتنفيذ المشروع يومئذ، وإن لم تكن تستطيع وأنت في أقصى البلاد أن تعرف ذلك. ولكن لما حان الوقت الملائم أخذت المسألة أنا والآخرون في يدي.
الدكتور :
نعم، وأتيتم كل ذلك الخبط والخلط الذي شوه جمال مشروعي. لقد ظهرت الآن مهارتكم أيها السادة.
بيتر :
يخيل إلي أنك إنما عدت تلتمس منفسا لما يجيش في صدرك من الخصومة واللدد، أنت تريد أن تتقاتل مع رؤسائك وهي عادة فيك قديمة، أنت لا تطيق أن يكون عليك لأحد سلطة، تنظر شذرا دائما إلى كل من هو في مرتبة رسمية أعلى من مرتبتك. تنظر إليه كأنه ألد أعدائك. وعليه فكل عصا تلقاها تكون صالحة لضربه بها. ولكني الآن قد لفتك إلى أن مصالح البلدة رهن الخطر. وبالمصادفة مصالحي أيضا وعليه فلا بد لي أن أخبرك أنك ستجدني ثابتا صلبا فيما أنا على وشك أن أطلب إليك فعله.
الدكتور :
وما هو هذا؟
بيتر :
بما أنك كنت غير حصيف حين تحدثت إلى الغرباء في هذه المسألة الدقيقة، في حين أنه كان يجب عليك أن تعدها مسألة رسمية جدا وسرية، فقد أصبح من المستحيل الآن إسكات الألسنة، وستنشر على الفور أنواع مختلفة من الإشاعات وسيعمل كل من عنده علينا حفيظة على تزويق هذه الإشاعات وترويجها، وعليه فلا بد لك من إنكارها وتكذيبها علنا.
الدكتور :
أنا! كيف؟ إني لا أفهم.
بيتر :
إن ما ينتظر منك فعله هو أن تعلن أنك بعد أن قمت بأبحاث أخرى وجدت أن المسألة ليست من الخطورة ولا من الحرج بالدرجة التي زعمتها أول الأمر.
الدكتور :
أهذا ما تنتظره مني؟
بيتر :
أجل وفوق ذلك ننتظر منك أن تقر علنا بثقتك باللجنة وبأنها على استعداد تام للنظر بعين الاهتمام والعناية فيما يلزم لملاقاة ما يحتمل وجوده من العيوب.
الدكتور :
ولكنكم لن تستطيعوا أن تفعلوا ذلك بالترقيع والرفو، محال! صدقني يا بيتر، إني أعني ما أقول صراحة وتأكيدا.
بيتر :
ليس لك الحق وأنت موظف تحت أمر اللجنة أن يكون لك رأي خاص.
الدكتور (دهشا) :
ليس لي الحق؟
بيتر :
بصفة رسمية، لا. إذا كنت شخصا حرا فالمسألة غير ذلك. أما وأنت موظف مرءوس من موظفي الحمامات فليس لك الحق في أن تبدي رأيا يخالف رأي رؤسائك.
الدكتور :
هذا كثير جدا. أنا دكتور ورجل من رجال العلم، ألا يكون لي الحق أن ...
بيتر :
ليست المسألة التي نحن في صددها مسألة علمية مجردة، إنها مسألة مركبة، لها وجه اقتصادي كما أن لها وجها فنيا.
الدكتور :
لا يهمني ماهيتها، إني عازم على التمسك بحريتي في إبداء رأيي في أي موضوع تحت الشمس.
بيتر :
كما تريد. ولكن ليس الحال كذلك إذا كان الموضوع خاصا بالحمامات. هذا ما أنهاك عنه.
الدكتور (يزعق) :
أنتم تنهوني عنه! أنتم! ثلة من ...
بيتر :
أنا أنهاك، أنا، رئيسك! وإذا نهيتك فلا بد لك أن تطيع.
الدكتور (يكبح جماح نفسه) :
بيتر، لو أنك لم تكن أخي ...
بترا (تفتح الباب بشدة) :
أبي، ما عليك أن تحتمل هذا.
مدام ستوكمان (تدخل وراءها) :
بترا! بترا.
بيتر :
ها، إذن فقد كنتما تسترقان السمع!
كاترين :
لقد كنت تتكلم بصوت عال فلم يكن في استطاعتنا ...
بترا :
نعم كنت أتسمع.
بيتر :
حسن، إني مرتاح إلى ذلك على كل حال.
الدكتور (ذاهبا إليه) :
لقد كنت الآن تقول شيئا عن النهي والطاعة.
بيتر :
لقد أجبرتني أن أستعمل معك هذه اللهجة.
الدكتور :
وعليه فلا بد لي أن أكذب نفسي على رءوس الأشهاد.
بيتر :
نحن نرى ضرورة وحتما أن تعلن بلاغا من قبيل ما ذكرت.
الدكتور :
وإذا أنا لم ... أطاوع؟
بيتر :
إذن فنحن أنفسنا ننشر بلاغا نطمئن به الجمهور.
الدكتور :
حسن. ولكني في هذه الحالة سأستعمل قلمي ضدكم. إني ثابت على ما قلت. سأبين أني على حق وأنكم على باطل؛ فماذا أنتم فاعلون بعد ذلك؟
بيتر :
إذن فلن أكون قادرا على منع عزلك.
الدكتور :
ماذا؟
بيترا :
أبي! يعزل!
كاثرين :
يعزل!
بيتر :
يعزل من بين موظفي الحمامات. سأكون مضطرا إلى اقتراح أن تعطى إعلانا بعزلك على الفور، وأن لا يسمح لك بالاشتراك بعد ذلك في شئون الحمامات.
الدكتور :
مثلك من يجرؤ على مثل هذا.
بيتر :
إنما أنت الجريء لا أنا.
بترا :
عمي! من العار أن تعامل رجلا مثل أبي هذه المعاملة.
كاترين :
بترا! اخرسي.
بيتر (ناظرا إلى بترا) :
أووو، إذن فقد دخلنا في دور التطوع بالآراء! بالطبع. (إلى كاترين)
كاترين، إني أرى أنك أعقل إنسان في هذا المنزل. استعملي كل ما لك من التأثير في زوجك وأبيني له ماذا يترتب على فعله من الأضرار به وبعيلته.
الدكتور :
عيلتي شأني لا شأن غيري.
بيتر :
بعيلته كما كنت أقول وكذا بالبلدة التي يعيش فيها.
الدكتور :
إذا كان في البلدة من يهتم بها فهو أنا. أريد أن أكشف عن العيوب التي لا بد أن ينكشف أمرها يوما ما قريبا أو بعيدا، وسأري الناس أني أحب بلدي.
بيتر :
أنت! الذي تريد بعنادك الأعمى أن تقطع عن البلدة أهم موارد خيرها؟
الدكتور :
هذا المورد مسموم يا رجل. أأنت مجنون؟! إن معيشتنا قائمة على توزيع الأقذار والأوضار. كل حياتنا البلدية الزاهرة تستمد وجودها من أكذوبة ...
بيتر :
كل هذا وهم، أو شيء أقبح من الوهم. والرجل الذي يرمي بلده بمثل هذه التهم الشنيعة لا بد أن يكون عدوا للشعب.
الدكتور (ذاهبا إليه) :
أتجرؤ أن ...
كاترين (تلقي نفسها بينهما) :
توماس.
بترا (قابضة على ذراع أبيها) :
لا، هدئ جأشك يا أبي.
بيتر :
لن أعرض نفسي للصدام. ها أنت ذا قد أتاك الإنذار، ففكر فيما يجب عليك لنفسك ولذويك. الوداع (يخرج) .
الدكتور (متمشيا هنا وهناك) :
أيجدر بي أن أحتمل معاملة كهذه؟ وفي بيتي يا كاترين! ما رأيك في هذا؟
كاترين :
حقا إنه لعيب ونكر معا يا توماس.
بترا :
آه، لو أنني أستطيع أن أبدي لعمي بعض رأيي فيه.
الدكتور :
الذنب ذنبي. كان يجب أن أهب فيه من زمن بعيد وأكشر له عن أنيابي، وأزجره. يسميني عدو الشعب! أنا! لن أتجاوز عن هذه الفرية. محال وشرفي.
كاترين :
ولكن يا عزيزي توماس، أخوك في جانبه القوة.
الدكتور :
وأنا في جانبي الحق، أؤكد لك.
كاترين :
الحق! الحق! ما فائدة أن يكون في جانبك الحق إذا لم تكن معك القوة؟
بترا :
وي أمي! كيف تقولين هذا الكلام؟!
الدكتور :
أأنت ترين أنه لا فائدة من أن يكون الحق في جانب الإنسان في بلد حر؟ أمرك عجيب يا كاترين. ومع ذلك، أليست الصحافة الحرة المستقلة في طليعة الطريق، والغالبية العظمى من ورائي؟ أرى في ذلك قوة كافية!
كاترين :
ولكن - يا لله - توماس إنك لا تعني أنك ...
الدكتور :
لا أعني ماذا؟
كاترين :
أن تنصب نفسك لمناهضة أخيك.
الدكتور :
بالله خبريني، ماذا تظنين أني فاعل إلا أن أقف موقف الحق والصدق؟
بترا :
أجل هذا ما كنت على وشك أن أقوله.
كاترين :
ولكن هذا لا يفيدك فائدة دنيوية، إذا كانوا لا يريدون العمل بفكرتك، فإنهم لن يعملوا عليها.
الدكتور :
أوهو، كاترين، أعطيني الوقت وأنا أريك كيف أحاربهم في عقر دراهم.
كاترين :
أجل، تحاربهم في عقر دراهم ولا تأخذ إلا خطاب عزلك. هذا ما أنت فاعل.
الدكتور :
سأكون قد قمت على كل حال بواجبي - للجمهور وللمجتمع - أنا الذي أسمى عدوا له.
كاترين :
وأين واجبك نحو عيلتك يا توماس، نحو بنيك أنت نفسك؟ أترى أنك بهذا تؤدي واجبا لمن تعول؟
بترا :
لا تفكري على الدوام فينا أولا يا أمي.
كاترين :
يسهل عليك أن تتكلمي، أنت قادرة على تحصيل عيشك بنفسك إذا اقتضى الحال، ولكن تذكر أولادك يا توماس، وفكر قليلا في نفسك أنت أيضا، وكذلك في.
الدكتور :
أظن أنك فقدت رشدك يا كاترين. إذا أنا بلغت من الخسة والجبن حد الذهاب والجثو أمام بيتر وعصبته السافلة؟! أتظنين أني أعرف طعما لراحة الضمير طول عمري بعدها؟!
كاترين :
لا أعرف شيئا عن هذا، ولكني أدعو الله أن يحمينا من راحة الضمير التي ستكون لنا على كل حال إذا استمررت على مناهضته! ستجد نفسك معدما مرة أخرى لا تملك وسيلة القوت، ولا إيراد لك تعتمد عليه. أظن أننا نلنا الكفاية من هذا في الزمن السابق. تذكر هذا يا توماس، وفكر في معناه.
الدكتور (يسكن نفسه بالجهد، ويشد على قبضة يده) :
وهذا ما تجلبه هذه العبودية على رجل حر شريف! أليس هذا منكرا يا كاترين؟
كاترين :
حقا إنه لحرام أن يعاملوك هكذا. لا، حرام حقا، ولكن وا أسفاه! على المرء أن يصبر لكثير من المظالم في هذه الدنيا. هاك الأولاد يا توماس. انظر إليهم، ماذا يحل بهم؟ لا، لا، لا يطاوعك قلبك (إيليف ومورتون يكونان قد دخلا أثناء كلامهما وكتبهما المدرسية في أيديهما) .
الدكتور :
الأولاد! (يتنبه على حين فجأة)
كلا، ولو تهشمت الدنيا جميعها، لن أحني رأسي لهذا النير. (يذهب صوب غرفته.)
كاترين (تتبعه) :
توماس، علام عولت؟
الدكتور (عند الباب) :
عولت على أن أستبقي لنفسي الحق في النظر إلى وجوه أولادي، يوم يكبرون ويصيرون رجالا (يدخل غرفته) .
كاترين (تندفع باكية) :
الله يسترنا جميعا.
بترا :
أبي رجل عظيم. إنه لن يسلم (الأولاد ينظرون دهشين وبترا تشير إليهم إشارة الإسكات) .
الفصل الثالث
(
المنظر:
مكتب تحرير «رسول الشعب» باب الدخول إلى يسار الجدار الخلفي. ويوجد إلى اليمين باب آخر ذو ألواح من الزجاج تبدو منه صناديق الطباعين. وهناك باب في الجدار الأيمن. وفي وسط الغرفة منضد كبير مغطى بالأوراق والجرائد والكتب. وفي مقدمة المرزح من اليسار نافذة أمامها مكتب وكرسي عال، وهناك متكآن (فوتيلان) على جانبي المنضد، وعدة كراسي مرصوصة إلى جانب الجدار، والغرفة ضئيلة النور لا تتوفر فيها أسباب الراحة، والأثاث فيها قديم والكراسي ملوثة وممزقة.
في غرفة المطبعة يرى الجماعون مشتغلين، وكذلك يرى طباع يشتغل على مطبعة يد ... هوفستاد جالس يكتب. يأتي بيلنج من اليمين ومعه مسودة مقالة الدكتور ستوكمان.)
بيلنج :
يجب أن أقول!
هوفستاد (وهو مشغول بالكتابة) :
هل قرأتها؟
بيلنج (يضع المسودة على المكتب) :
أجل، فعلا.
هوفستاد :
ألا ترى أن الدكتور يضربهم ضربات قوية؟
بيلنج :
قوية؟ يا مغيث ... إنها هاشمة. كل كلمة تقع كأنها ... ماذا أقول، كأنها مطرقة.
هوفستاد :
نعم. ولكن هؤلاء الناس ليسوا ممن ينثنون تحت أول ضربة.
بيلنج :
هذا صحيح، ولهذا يجب أن نضربهم مرة بعد أخرى حتى ينهار بناء تلك الأرستقراطية حجرا فوق حجر. لقد خيل إلي وأنا أقرأ هذه المقالة أن الثورة على الأبواب.
هوفستاد (يتلفت) :
هش. صه. تكلم بحيث لا يسمعك أسلاكسن.
بيلنج (يخفض صوته) :
أسلاكسن ذو قلب كقلب الدجاج جبان، ليس فيه من صفات الرجولة شيء. ولا بد لك هذه المرة أن تصر على تنفيذ رأيك. أليس كذلك؟ لا بد من نشر مقالة الدكتور.
هوفستاد :
نعم وإذا لم يوافق العمدة عليها ...؟
بيلنج :
سيكون من وراء ذلك نصب كبير.
هوفستاد :
آه، من حسن الحظ أننا نستطيع أن نستفيد من هذا الموقف مهما كانت النتائج. إذا لم يوافق العمدة على مشروع الدكتور أصبح صغار أرباب الحرف كلهم ضدا له، وكل أعضاء جمعية أصحاب الأملاك وأضرابهم. وإذا وافق على المشروع فإنه يستغضب الجمهور الأعظم من أصحاب الأسهم الكبار في الحمامات وهم إلى الآن أقوى أنصاره.
بيلنج :
نعم، لأنهم سيضطرون بكل تأكيد أن يدفعوا من جيوبهم ثمن الإصلاح.
هوفستاد :
هذا ما لا بد أن يحدث، فأنت ترى أن رابطتهم لا بد أن تنفصم بهذه الطريقة. وعليه فإننا نستطيع أن ننشر في كل عدد من الجريدة نبذة للدلالة على عدم كفاءة العمدة، مسألة بعد مسألة. ونبين للجمهور بأوضح عبارة ضرورة وضع كل وظائف المسئولية ومراقبة شئون البلدة برمتها في أيدي الأحرار.
بيلنج :
هذا هو الحق! هذا هو، إني أرى الساعة آتية، الساعة آتية، نحن على حافة الثورة! (يسمع دق على الباب.)
هوفستاد :
هش، صه. (ينادي)
ادخل! (يدخل الدكتور ستوكمان من باب الشارع، يذهب هوفستاد للقائه)
آه، أهو أنت يا دكتور؟! خيرا!
الدكتور :
لك الآن أن تشرع في العمل وتنشرها يا سيد هوفستاد.
هوفستاد :
وصلت المسألة إلى هذا إذن.
بيلنج :
مرحى!
الدكتور :
نعم. انشرها فعلا، وصلت المسألة إلى هذا الحد ... لا بد لهم الآن أن يأخذوا ما يستحقون. سيحدث في البلدة نضال يا مستر بيلنج.
بيلنج :
آمل أن يكون قتالا بالسكاكين. سنضع السكاكين على حلوقهم يا دكتور.
الدكتور :
هذه المقالة فتح باب فقط. لقد أعددت في رأسي أربع مقالات أو خمسا ... أين أسلاكسن؟
بيلنج (ينادي داخل غرفة المطبعة) :
أسلاكسن! تعال هنا دقيقة.
هوفستاد :
أربع مقالات أو خمسا. تقول؟ في نفس الموضوع؟
الدكتور :
لا، يا عزيزي، لا، إنها بشأن موضوع يكاد يكون غير موضوعنا. ولكنها متفرعة جميعها على موضوع مياه الشرب والصرف؛ شيء يؤدي إلى شيء. أليس كذلك؟ الأمر أشبه شيء بهدم بيت قديم بالضبط.
بيلنج :
حقا، حقا، لا تجد أنك انتهيت حتى تكون قد هدمت البيت القديم الدارس كله.
أسلاكسن (داخلا) :
هدم! عسى أن لا يكون قصدك هدم الحمامات يا دكتور.
هوفستاد :
كلا، كلا، لا تخشى بأسا.
الدكتور :
لا، نحن نعني شيئا غير هذا بتاتا. ما رأيك في مقالتي يا مستر هوفستاد؟
هوفستاد :
أرى أنها آية من الآيات.
الدكتور :
أترى ذلك حقا؟ إني مسرور جدا، مسرور جدا.
هوفستاد :
إنها واضحة المبنى والمعنى لا يحتاج الإنسان لفهم محمولها إلى سبق علم خاص وسيكون معك كل رجل مستنير.
أسلاكسن :
وكل رجل حكيم، على ما أرجو.
بيلنج :
الحكيم وغير الحكيم، جميع أهل البلدة تقريبا.
أسلاكسن :
في هذه الحالة نستطيع أن نجرؤ فنطبعها ...
الدكتور :
أظن ذلك.
هوفستاد :
سننشرها في عدد الغد.
الدكتور :
بالطبع. لا يصح أن نضيع يوما واحدا. إن الذي أردت أن أرجوك له يا مستر أسلاكسن هو أن تشرف على طبعها بنفسك.
أسلاكسن :
بكل ارتياح.
الدكتور :
احرص عليها كأنها كنز! لا يكن بها أغلاط مطبعية. كل كلمة فيها مهمة ... سأرجع إليكم مرة أخرى بعد قليل ... فعسى أن تستطيعوا تجهيز تجربة. لا أستطيع أن أعبر لك عن فرط شوقي إلى رؤيتها مطبوعة، وأن أراها تنفجر فوق رأس الجمهور.
بيلنج :
تنفجر فوق رأس الجمهور. نعم كالبرق الخاطف.
الدكتور :
وأن تقدم إلى محكمة المستنيرين من أهل بلدتي.
إنك لا تدري قدر ما قاسيت اليوم؛ لقد هددت أولا بأمر ثم بآخر. حاولوا أن يسرقوا مني أبسط ما لي من الحقوق بصفة كوني إنسانا.
بيلنج :
ماذا؟! ما لك من الحقوق بصفة كونك إنسانا.
الدكتور :
لقد حاولوا أن يحطوا من كرامتي ويجعلوا مني رجلا أخرق جبانا ويحملوني على تقديم مصلحتي الشخصية على عقيدتي المقدسة.
بيلنج :
هذا كثير جدا. أقسم إنه كثير جدا.
هوفستاد :
لا تعجب لشيء يأتي من تلك الجهة.
الدكتور :
لن يلقوا مني إلا الشر كله. ثق واطمئن. وسأجعل هذه الجريدة مرساة لي ألقي عليهم منها كل يوم مقالة بعد مقالة كالقذيفة المتقدة.
أسلاكسن :
نعم ولكن ...
بيلنج :
مرحى! حرب. حرب!
الدكتور :
سأضربهم حتى أهدمهم. سأهشمهم. سأكسر كل حصونهم أمام أعين جمهورنا الكريم. هذا ما سأفعله حقا.
أسلاكسن :
نعم. ولكن بالاعتدال يا دكتور، سر في عملك بالاعتدال.
بيلنج :
أبدا، أبدا. لا تبخل عليهم بالديناميت.
الدكتور :
لأن المسألة كما تعلم لا تقتصر الآن على كونها مسألة مورد الماء والمصارف. لا، إن حياتنا الاجتماعية كلها محتاجة إلى التطهير والتنقية.
بيلنج :
كلام ككلام المخلصين!
الدكتور :
يجب طرد جميع الذين لا كفاءة لهم. فاهم؟ وذلك في أي مجال من مجالات حياتنا! لقد لاحت لعيني اليوم صور لا حد لها. نعم إنني لا أستطيع حتى الآن أن أتبينها جليا ولكنني سأتبينها في حينها. شبان أقوياء يحملون العلم. هؤلاء هم الذين ننشدهم اليوم يا إخواني. يجب أن يتولى زمام أمورنا رجال جدد.
بيلنج :
مرحى، مرحى!
الدكتور :
لسنا في حاجة إلا إلى أن يقف بعضنا إلى جانب بعض ليسهل كل عسير، سندفع الثورة كالسفينة التي تدلى إلى الماء مزدلفة. ألا ترى ذلك؟
هوفستاد :
أما أنا فأعتقد أن لدينا الآن ما يدل على أن سلطة البلدة ستصبح في الأيدي الجديرة بها.
أسلاكسن :
وإذا سرنا باعتدال فلا مخاطرة في شيء.
الدكتور :
ومن ذا الذي يهتم بأمر المخاطرة أو غير المخاطرة؟ إن ما أنا فاعله أفعله باسم الحق ولأجل راحة ضميري.
هوفستاد :
أنت رجل تستحق أن تنصر، يا دكتور.
أسلاكسن :
نعم. لا شك في أن الدكتور صديق صادق للبلدة صديق حقيقي للمجتمع، هذا هو الواقع.
بيلنج :
صدقني يا أسلاكسن الدكتور ستوكمان هو صديق الشعب.
أسلاكسن :
يخيل إلي أن جمعية أرباب الأملاك ستستعمل هذا التعبير في وصف الدكتور عما قريب.
الدكتور (متأثرا، يقبض على أيديهم) :
أشكركم يا أصدقائي الأقوياء. إنه لينعشني أن أسمعكم تقولون هذا. لقد نعتني أخي نعتا خلاف ما تذكرون. أما والله لأردن إليه هذا بربحه. يجب علي أن أنهض لأزور مريضا وسأعود إليكم كما قلت. اعتن شديد الاعتناء بمسودة المقالة يا أسلاكسن. وإياك بحال من الأحوال أن تترك علامة من علامات التعجب وغير ذلك. زدها واحدة أو اثنتين إذا شئت. عظيم، عظيم! هه، إلى اللقاء! ومؤقتا، إلى اللقاء إلى اللقاء. (يذهبون لتوديعه إلى الباب وينحنون له.)
هوفستاد :
قد يأتي من ورائه نفع كبير لنا.
أسلاكسن :
نعم ما دام لا يتخطى مسألة الحمامات هذه، أما إذا تخطاها وأوغل في الميدان فإني لا أرى من المستصوب أن نتبعه.
هوفستاد (يهمهم) :
هذا يتوقف على ...
بيلنج :
أنت هيابة يا أسلاكسن.
أسلاكسن :
نعم. إذا كانت المسألة تمس رجال الإدارة المحليين فأنا هيابة يا مستر بيلنج. هذا درس تعلمته في مدرسة التجاريب. دعني أقول لك ذلك. أما المسائل السياسية العليا التي لها علاقة بالحكومة نفسها فجربني فيها ثم انظر هل أنا هيابة أم لا.
بيلنج :
لا، لست هيابة. أسلم لك. ولكنك تناقض نفسك.
أسلاكسن :
إني رجل ذو ضمير. وهذا هو الموضوع كله. إذا أنت طعنت رجال الحكومة فإنك لا تؤذي المجتمع أبدا لأن هؤلاء الأشخاص لا يهتمون بالمطاعن بتاتا بل يستمرون في طريقهم كما كانوا بغير ملكهم، أما رجال الإدارة البلدية المحليون فهم صنف آخر في طاقتك طردهم؛ ولكن ربما أتيت يومئذ بفريق جاهل يتولى زمام العمل فيحدث أضرارا وينزل بأرباب الأملاك وغيرهم خسائر لا تعوض.
هوفستاد :
ولكن ما قولك في تربية مواطنيك بالحكم الذاتي، ألا تعلق أهمية على هذا؟
أسلاكسن :
إذا كانت للإنسان مصالح خاصة تستوجب الصيانة فإنه لا يستطيع أن يفكر في كل شيء، يا مستر هوفستاد!
هوفستاد :
إني أرجو أن لا تكون لي مصالح خاصة تلزمني صيانتها.
بيلنج :
مرحى، مرحى!
أسلاكسن (بابتسام) :
هممم . (يشير إلى المكتب)
لقد كان المستر ستنزجارد سلفا لك على هذا المكتب في رياسة التحرير.
بيلنج (باصقا) :
ياه، ذلك المتلون المذبذب؟
هوفستاد :
لست كدوارة الرياح ولن أكونها.
أسلاكسن :
يجدر بالسياسي أن لا يقطع بشيء يا مستر هوفستاد. وأنت يا مستر بيلنج، أرى أنه قد حان الوقت الذي يجدر بك فيه أن تطوي من شراع سفينتك قطعة أو اثنتين ما دمت قد قدمت طلبا لوظيفة سكرتير المحكمة الخالية.
بيلنج :
أنا!
هوفستاد (لبيلنج) :
أحقا يا بيلنج؟
بيلنج :
نعم، صحيح. ولكن يجب أن تعلم أني إنما فعلت ذلك لأغيظ أولئك المتعصبين.
أسلاكسن :
على كل حال. لا يهمني هذا. ولكن إذا اتهمني أحد بالجبن وبعدم الثبات على مبدئي فهذا ما أريد أن أقوله؛ إن ماضي السياسي كتاب مفتوح. لم أتغير بتاتا، اللهم إلا لأصبح معتدلا قليلا. إن قلبي لا يزال مع الشعب. ولكني لا أنكر أن في فؤادي شيئا من الميل إلى ولاة الأمر، الولاة المحليين أعني (يذهب إلى غرفة المطبعة) .
بيلنج :
ألا يجدر بنا أن نعمل على الخلاص منه يا هوفستاد؟
هوفستاد :
أتعرف شخصا سواه يقدم لنا المال اللازم لشراء الورق ودفع أجرة الطبع؟
بيلنج :
من أعظم البلاء أننا لا نملك شيئا من رأس المال للاشتغال به.
هوفستاد (جالسا إلى مكتبه) :
فعلا، لو كان عندنا رأس مال، إذن ...
بيلنج :
ما رأيك في الالتجاء إلى الدكتور ستوكمان؟
هوفستاد (يقلب أوراقا أمامه) :
وما الفائدة؟ الرجل لا يملك شيئا.
بيلنج :
لا. ولكن وراءه رجلا مليئا - مورتن كيل العجوز - الذي يسمونه أليغر.
هوفستاد (يكتب) :
أأنت متأكد أنه غني؟
بيلنج :
يا إلهي! بالطبع غني، وسيكون جزء من ماله لعيلة ستوكمان، ومن المحتمل جدا أن يعمل شيئا من أجل الأولاد على كل حال.
هوفستاد (يلتفت نصف التفات) :
أأنت معتمد على هذا؟
بيلنج :
معتمد! أنا لا أعتمد على شيء بالطبع.
هوفستاد :
مرحى! وأنا أيضا لا أعتمد على سكرتارية المحكمة لو كنت مثلك. إنك لن تحصل على هذه الوظيفة، أؤكد لك.
بيلنج :
أتظن أني لست واثقا من ذلك؟ إن جوهر قصدي هو أن لا أحصل عليها؛ قليل من هذا ينبه قوى الإنسان للقتال. فهو أشبه شيء بتعاطيك مقدارا جديرا من مرارة الغل. وإني أعتقد أن الواحد منا في مكان كهذا، حيث يندر أن يحدث شيء يحرك الإنسان، محتاج إلى مثل هذا المنبه القوي.
هوفستاد (يكتب) :
صحيح، صحيح.
بيلنج :
آه. سيكون لي نبأ عما قريب. والآن أنا ذاهب لكتابة نص الدعوة إلى جمعية أرباب الأملاك (يذهب داخلا الغرفة الواقعة إلى اليميني) .
هوفستاد (جالسا إلى مكتبه يعض في طرف ريشته ويقول على مهل) :
هممم! هو كذلك (تسمع دقة على الباب)
تفضل (تدخل بترا من الباب الخارجي، ينهض هوفسستاد)
ما هذا؟ أنت! هنا؟
بترا :
أجل. أرجو معذرتي.
هوفستاد (ساحبا كرسيا إلى الأمام) :
ألا تجلسين؟
بترا :
لا. لا بد لي من الذهاب على الفور؟ أشكرك.
هوفستاد :
لعلك آتية في رسالة من الوالد؟
بترا :
لا. لقد أتيت بملكي (تتناول كتابا من جيبها)
هذه هي الرواية الإنجليزية.
هوفستاد :
لماذا تردينها إلي؟
بترا :
لأني لا أنوي أن أترجمها.
هوفستاد :
ولكنك وعدتني بذلك.
بترا :
نعم. ولكني لم أكن قرأتها. ولا أظن أنك أيضا قد قرأتها؟
هوفستاد :
لا. أنت تعلمين أني لا أعرف الإنجليزية ولكن ...
بترا :
صحيح؛ ولهذا أردت أن أخبرك أنه يجدر بك أن تقدم شيئا آخر، (تضع مجلد الرواية على المكتب)
إنك لا تستطيع أن تنشر هذه الرواية في جريدة «رسول الشعب».
هوفستاد :
ولماذا؟
بترا :
لأنها تناقض كل آرائك.
هوفستاد :
أوه، من هذه الوجهة!
بترا :
إنك لم تفهم قصدي. إن محمول هذه الحكاية أن هناك قوة خارقة للطبيعة تتولى العناية بمن يسمونهم الناس الأخيار في هذه الدنيا وتجعل كل شيء في النهاية على هواهم. أما من يسمونهم الناس الأشرار فيلقون جزاء محتما.
هوفستاد :
هذا ما يريده قراؤنا بعينه.
بترا :
أوتنوي أن تكون أنت الواسطة في وصول هذا إليهم؟ أما أنا فإني لا أومن بشيء من هذا، أنت تعلم حق العلم أن الأمور لا تحدث كذلك في عالم الحقيقة.
هوفستاد :
أنت على تمام الحق. ولكن المحرر لا يستطيع دائما أن يعمل على ما يشتهي. إنه مضطر أحيانا إلى أن يحني رأسه للجمهور في المسائل التي لا تكون مهمة. الأمور السياسية هي أهم الأمور في الحياة في نظر الجرائد على كل حال. وإذا كنت أريد أن آخذ قرائي معي في السبيل المؤدية إلى الحرية والفلاح فالواجب أن لا أذعرهم. إذا وجد القراء قصة خلقية من هذا القبيل في أسفل الصحيفة كانوا أقرب إلى قراءة ما هو مطبوع فوقها. يشعرون أنهم إذ ذاك آمن موقفا وأسلم مكانا.
بترا :
يا للعار! إنه لا يجمل بك أن تنصب أحبولة كهذه لقرائك. إنك لست عنكبوتا!
هوفستاد (باسما) :
شكرا لك على حسن ظنك بي. لا، الواقع أن الفكرة لبيلنج لا لي.
بترا :
فكرة بيلنج؟
هوفستاد :
نعم. على كل حال لقد طرح هذه الفكرة هنا يوما من الأيام، وهو الذي يشتهي أن تنشر هذه الرواية بالذات في جريدتنا، إني لا أعرف شيئا عن موضوعها.
بترا :
ولكن كيف يقدر بيلنج وهو من ذوي الأذهان الحرة والآراء الطليقة ...؟
هوفستاد :
أوه، بيلنج رجل كثير النواحي. إنه متقدم لوظيفة سكرتير المحكمة أيضا. كذلك سمعت؟
بترا :
لا أصدق هذا يا مستر هوفستاد. كيف يسمح لنفسه أن يفعل شيئا كهذا؟!
هوفستاد :
آه، هذا يجب أن يسأل عنه بيلنج نفسه!
بترا :
ما كان يخطر لي عنه مثل ذلك.
هوفستاد (ينظر إليها متمعنا) :
أبدا؟ أيدهشك الأمر جدا؟
بترا :
نعم أو لعله ما كان يدهشني قط. أؤكد لك أني لا أدري تماما.
هوفستاد :
نحن الصحفيين لا نساوي شيئا كثيرا يا مس ستوكمان.
بترا :
أأنت تعني ذلك حقيقة؟
هوفستاد :
أرى ذلك أحيانا.
بترا :
نعم، لعل ذلك إنما يكون في أمور الحياة العادية؛ أستطيع أن أفهم ذلك. أما الآن وقد تناولت مسألة ذات بال ...
هوفستاد :
مسألة أبيك، تقصدين؟
بترا :
بعينها. يخيل إلي أنه يجب عليك أن تدرك أنك رجل تقوم بأكثر مما يقوم به الأكثرون.
هوفستاد :
نعم، اليوم أشعر أنني شيء من هذا القبيل.
بترا :
بديهي أن تشعر بذلك. أليس الواقع هذا؟ لقد اخترت لنفسك أجل مهمة ؛ أن تمهد الطريق لسير الحق الذي لا يقدره الناس، وللأفكار الجديدة الجريئة التي لم تعتدها العقول. لعمري لو لم يكن إلا أنك تقف في العراء شجاعا تنصر مبدأ رجل مظلوم ...
هوفستاد :
ولا سيما إذا كان هذا الرجل المظلوم (يهمهم)
لست أعرف في الحقيقة كيف ...
بترا :
تقصد ولا سيما إذا كان هذا الرجل على مثل هذه الاستقامة والنزاهة.
هوفستاد (بزيادة في التلطف) :
أردت أن أقول ولا سيما إذا كان هذا الرجل أباك.
بترا (تؤخذ على حين بغتة) :
هذا؟
هوفستاد :
نعم يا بترا، يا مس بترا.
بترا :
أهذا هو السبب الأول المقدم عندك؟ وليس الموضوع نفسه، وليس ما فيه من الصدق، وليس ما يعي أبي من قلب كريم نبيل.
هوفستاد :
بالطبع ... مؤكد ... هذا أيضا.
بترا :
شكرا لك، لا. لقد فضحت نفسك؛ لن أثق بك بعد اليوم في شيء.
هوفستاد :
أيمكن أن يسوءك العلم بأني من أجلك ... بالأكثر ...
بترا :
إن الذي يغضبني منك أنك لم تكن شريفا حيال أبي. لقد كنت تتحدث معه كأنما الحق والمصلحة العامة كانا يمليان عليك الحديث. لقد استغفلته واستغفلتني أيضا. لست أنت الرجل الذي صورته لأعيينا. من أجل هذا لن أغفر لك ولن أعفو. محال.
هوفستاد :
لا يحسن بك أن تكلميني بهذه الشدة يا مس بترا. ولا سيما الآن.
بترا :
ولماذا لا يجمل الكلام الآن، بالذات؟!
هوفستاد :
لأن أباك لا يستطيع أن يعمل عملا بغير مساعدتي.
بترا (تنظر إليه من فرعه إلى قدمه) :
أأنت من هذا الصنف من الناس؟! يا للعار!
هوفستاد :
كلا، كلا. لست كذلك. لقد أخذت على حين فجأة، صدقيني.
بترا :
إني أعرف أي شيء أصدق. سلام عليك.
أسلاكسن (يأتي من غرفة المطبعة مسرعا وعليه سيما الدهشة) :
ياللعنة يا هوفستاد (يرى بترا)
أووو! هذا شيء محرج.
بترا :
هذا هو الكتاب. أعطه لإنسان سواي (تذهب صوب الباب) .
هوفستاد (يتبعها) :
ولكن يا مس ستوكمان.
بترا :
الوداع (تخرج) .
أسلاكسن :
اسمع يا مستر هوفستاد.
هوفستاد :
طيب، طيب، ما وراءك؟
أسلاكسن :
العمدة في غرفة المطبعة.
هوفستاد :
العمدة! تقول؟
أسلاكسن :
نعم، إنه يريد أن يتحادث معك. أتى من الباب الخلفي لم يرد أن يراه أحد. أتفهم؟
هوفستاد :
ترى ماذا يريد؟ تمهل. سأذهب أنا بنفسي (يذهب إلى باب غرفة المطبعة. يفتحه وينحني ويدعو بيتر ستوكمان إلى الدخول)
خذ بالك يا أسلاكسن. لا يدخل علينا أحد.
أسلاكسن :
معلوم، معلوم (يخرج داخلا غرفة المطبعة) .
بيتر :
لم تكن تنتظر أن تراني هنا يا مستر هوفستاد.
هوفستاد :
أقر بذلك فعلا.
بيتر (ينظر إلى ما حوله) :
أنت مستكن هنا. محل لطيف جدا.
هوفستاد :
أوه.
بيتر :
وها أنا ذا قد أتيت بغير استئذان أستنفد وقتك!
هوفستاد :
إني في خدمتك على كل حال يا حضرة العمدة. ولكن دعني أخفف عنك هذه، (يأخذ قبعة بيتر وعصاه ويضعهما على كرسي)
ألا تتفضل بالجلوس؟
بيتر (يجلس بجوار المكتب) :
شكرا (يجلس هوفستاد)
لقد حدث لي ما ضايقني اليوم مضايقة شديدة يا مستر هوفستاد.
هوفستاد :
حقا؟ آه أظن أنه مع الأعمال الكثيرة التي تنظر فيها ...
بيتر :
إن المفتش الصحي الموكل بالحمامات هو سبب ما حصل اليوم.
هوفستاد :
حقا؟ الدكتور!
بيتر :
كتب للجنة الحمامات شبه تقرير في موضوع بعض عيوب زعم وجودها في الحمامات.
هوفستاد :
كتب فعلا؟
بيتر :
نعم ألم يخبرك؟ أظن أنه قال لي ...
هوفستاد :
آه. نعم. أجل ذكر لي شيئا بشأن ...
أسلاكسن (آتيا من غرفة المطبعة) :
أوه، أريد المسودة.
هوفستاد (بغضب) :
إحم، ها هي ذي على المكتب.
أسلاكسن (يأخذها) :
حسن.
بيتر :
تمهل قليلا. هذا هو الشيء الذي كنت أتكلم فيه.
أسلاكسن :
نعم هذه مقالة الدكتور يا حضرة العمدة.
هوفستاد :
أوه، أهذا ما كنت تتكلم عنه؟
بيتر :
نعم. هو بعينه. ما رأيك فيه؟
هوفستاد :
أنا بالطبع رجل عادي، ولم أطلع على المقالة إلا مرورا.
بيتر :
ولكنك ستنشر المقالة.
هوفستاد :
لا أستطيع بسهولة أن آبى على رجل فاضل ...
أسلاكسن :
ليست رياسة تحرير الجريدة من اختصاصي يا حضرة العمدة.
بيتر :
مفهوم.
أسلاكسن :
إني إنما أطبع ما يعطى إلي.
بيتر :
معلوم.
أسلاكسن :
وعليه فيجب علي ... (يذهب نحو غرفة المطبعة) .
بيتر :
لا، بل تمهل قليلا يا مستر أسلاكسن. أتسمح لي يا مستر هوفستاد؟
هوفستاد :
كما تشاء يا حضرة العمدة.
بيتر :
أنت يا مستر أسلاكسن رجل عاقل وبصير.
أسلاكسن :
يزهيني أن ترى ذلك يا سيدي.
بيتر :
وفضلا عن ذلك فأنت رجل ذو سلطة عظيمة جدا.
أسلاكسن :
وبخاصة بين صغار أهل الحرف يا سيدي.
بيتر :
إن صغار دافعي الضرائب هم الغالبية هنا كما في كل مكان آخر.
أسلاكسن :
هذا صحيح.
بيتر :
ولا شك عندي في أنك أعرف الناس بميولهم. ألست كذلك؟
أسلاكسن :
نعم كذلك. أظن أني أستطيع القول إني أعرف يا حضرة العمدة.
بيتر :
أجل. وعليه فإنه إذ يوجد بين المواطنين الذين هم أقل ثروة من إخوانهم في البلدة روح تضحية محمودة كما أرى فإني ...
أسلاكسن :
كيف هذا؟
هوفستاد :
روح تضحية؟
بيتر :
هذا برهان عظيم على وجود شعور وطني عام. برهان يدعو إلى الزهو والتفاخر. بل أكاد أقول إني لم أكن أنتظره، بيد أنكم أعرف بالرأي العام مني.
أسلاكسن :
ولكن يا حضرة العمدة ...
بيتر :
الواقع أن الأمر سيقتضي من البلدة تضحية ليست صغيرة.
هوفستاد :
البلدة؟
أسلاكسن :
إني لا أفهم. أهو موضوع الحمامات؟
بيتر :
بالتقدير الإجمالي وجد أن التغييرات التي يقول الدكتور بضرورة إجرائها تقتضي حوالي عشرين ألف جنيه.
أسلاكسن :
هذا مبلغ كبير، ولكن ...
بيتر :
سيكون من الضروري بالطبع أن نعقد سلفة بلدية.
هوفستاد (ناهضا) :
لست تعني بالطبع أن البلدة ستدفع ...
أسلاكسن :
أتقصد أن هذه السلفة لا بد أن تؤخذ من أموال البلدية؛ من جيوبنا الخالية نحن صغار أرباب الحرف؟
بيتر :
يعني يا عزيزي مستر أسلاكسن، من أين إذن نحصل على المال؟
أسلاكسن :
السادة الذين يملكون الحمامات يجب أن يقدموا المال اللازم.
بيتر :
أصحاب الحمامات ليسوا على استعداد للقيام بنفقات أخرى.
أسلاكسن :
أهذا صحيح لا شك فيه يا حضرة العمدة؟
بيتر :
لقد ثبت لي أن الواقع كذلك. فإذا أرادت البلدة هذه الإصلاحات الواسعة فلا بد لها من دفع قيمتها.
أسلاكسن :
ولكن ... الله يلعن هذه الحكاية. أرجوك المعذرة. هذا موضوع آخر يا مستر هوفستاد.
هوفستاد :
حقيقة.
بيتر :
بل أنكى شيء في الأمر أننا سنضطر مع ذلك أن نقفل الحمامات مدة سنتين كاملتين.
هوفستاد :
نقفلها؟ نقفلها بتاتا؟
أسلاكسن :
سنتين؟
بيتر :
نعم. إن العمل اللازم يتطلب كل هذه المدة، على الأقل.
أسلاكسن :
لعنت. إن كنا نستطيع أن نتحمل هذا يا حضرة العمدة، فعلى أي شيء نعيش إذن نحن أصحاب المنازل في هذه الأثناء.
بيتر :
من سوء الحظ أن هذا سؤال يصعب الجواب عليه جدا يا مستر أسلاكسن. ولكن ماذا نعمل نحن؟ أتظن أننا سنملك أن نرى وجه سائح واحد في البلدة إذا أخذنا نذيع أن الماء عندنا ملوث، وأننا عائشون على بؤرة طاعون، وأن البلدة من أولها إلى آخرها ...
أسلاكسن :
مع أن الحكاية كلها وهم في وهم.
بيتر :
مع منتهى حسن الظن لم أستطع أن أستنتج غير هذه النتيجة.
أسلاكسن :
إذن فيجب أن أقول إنه ما كان يليق مطلقا بالدكتور ستوكمان ... أرجو منك العذرة يا حضرة العمدة.
بيتر :
إن ما تقوله حق يؤسف له يا مستر أسلاكسن. لقد كان أخي لسوء الحظ رجلا عنيدا دائما.
أسلاكسن :
وبعد هذا تريد أن تنصره يا مستر هوفستاد!
هوفستاد :
أيخطر في بالك لحظة أنني ...؟
بيتر :
لقد وضعت خلاصة مختصرة عن الحالة كما تلوح لعيني رجل عاقل. في هذه الخلاصة بينت كيف يمكن معالجة بعض ما يحتمل وجوده من العيوب من غير أن نوقع لجنة الحمامات في الإفلاس.
هوفستاد :
أهي معك يا حضرة العمدة؟
بيتر (يعبث بجيبه) :
نعم، أحضرتها معي عسى أن نرى ...
أسلاكسن :
يا إلهي، هذا هو.
بيتر :
من؟ أخي؟
هوفستاد :
أين؟ أين؟
أسلاكسن :
آت من خلال غرفة المطبعة.
بيتر :
يا سوء الحظ! لا أريد أن أقابله هنا، ولا يزال عندي أشياء كثيرة أريد أن أحادثك في شأنها.
هوفستاد (مشيرا إلى الباب الأيمن) :
ادخل هنا مؤقتا.
بيتر :
ولكن؟
هوفستاد :
لا تجد هناك غير بيلنج.
أسلاكسن :
أسرع، أسرع يا حضرة العمدة. إنه على وشك الدخول.
بيتر :
أجل، طيب، ولكن اخلصوا منه على عجل (يذهب خارجا من الباب الأيمن وأسلاكسن يفتحه له ويقفله من ورائه) .
هوفستاد :
تظاهر بأنك مشغول بشيء يا أسلاكسن (يجلس ويكتب، ويأخذ أسلاكسن يعبث في كومة جرائد موضوعة فوق أحد الكراسي) .
الدكتور (آتيا من غرفة المطبعة) :
ها أنا ذا قد عدت (يضع قبعته وعصاه) .
هوفستاد (وهو يكتب) :
بهذه العجلة يا دكتور؟! أسرع، نجز ما كنت تتكلم عنه يا أسلاكسن ليس. عندنا فراغ من الوقت اليوم.
الدكتور (لأسلاكسن) :
فهمت أن تجربة مقالتي لم تعد بعد.
أسلاكسن (بدون أن يلتفت) :
لا يمكن أن تنتظرها الآن يا دكتور.
الدكتور :
لا يمكن! لا يمكن! ولكني قلق كما تعلم. لن يهدأ بالي حتى أراها مطبوعة.
هوفستاد (يهمهم) :
هممم، ستأخذ وقتا طويلا جدا. أليس كذلك يا أسلاكسن؟
أسلاكسن :
نعم أكاد أقطع بذلك.
الدكتور :
لا بأس يا أصدقائي الأعزاء. سأذهب الآن وأعود ثانية. لا يضيرني أن أعود مرتين إذا اقتضى الحال. مسألة بهذه الدرجة من الأهمية ... مصلحة البلد في خطر، ليس هذا وقت التواري عن العمل والواجب. (يكون على وشك الذهاب ولكنه يقف ويعود)
اسمع، هناك مسألة أخرى أريد أن أكلمك بشأنها.
هوفستاد :
أرجوك المعذرة، ألا يمكن أن ترجئها إلى وقت آخر؟
الدكتور :
لا تأخذ غير خمس كلمات. هي هذه فقط. عند ما تقرأ مقالتي غدا ويعرف الناس أنني كنت أشتغل بهدوء طول مدة الشتاء لمصلحة البلدة ...
هوفستاد :
نعم ولكن يا دكتور ...
الدكتور :
إني أعرف ماذا تقصد أن تقول. أنت لا ترى أن عملي هذا كان أكثر مما يتطلبه واجبي، واجبي كوطني طبعا لم يكن كذلك، إني أعرف هذا كما تعرفه أنت، ولكن إخواني في الوطنية ... أنت تعرف ذلك. يا إلهي! فكر في كل تلك الأرواح التي تحسن الظن بي!
أسلاكسن :
نعم. لقد كانوا حتى اليوم يحسنون بك الظن يا دكتور.
الدكتور :
وهذا الذي من أجله أخشى أنهم ... هذه هي المسألة، إذا بلغت مقالتي إليهم ولا سيما الطبقات الفقيرة منهم ورن في آذانهم رنين الدعوة إلى تولي مصالح البلدة بأيديهم من الآن فصاعدا ...
هوفستاد (ناهضا) :
إحم ... دكتور، لا أخفي عنك أن ...
الدكتور :
آه، لقد عرفت أن في الجو شيئا، ولكني لن أسمع عنه شيئا، إذا كان في النية ترويج شيء من هذا القبيل.
هوفستاد :
من قبيل ماذا؟
الدكتور :
أي شيء؟ سواء كان مظاهرة تكريم لي أو دعوة أو اكتتابا بشيء يقدم إلي، أو أي شيء آخر فلا بد لك أن تعدني وعد صدق وشرف أن توقفه. وأنت أيضا يا مستر أسلاكسن، فاهم.
هوفستاد :
عفوك يا دكتور فإنه يجب علينا أن نخبرك بحقيقة الحالة قريبا أو بعيدا ... (يوقفه عن الاسترسال في الكلام دخول مسز ستوكمان وهي تدخل من باب الشارع.)
كاترين (وقد رأت زوجها) :
كما قدرت بالضبط.
هوفستاد (ذاهبا نحوها) :
وأنت أيضا يا مسز ستوكمان.
الدكتور :
أي شيء تريدين هنا ياكاترين؟
كاترين :
أعتقد أنك تعرف لماذا أتيت هنا.
هوفستاد :
ألا تجلسين؟ أو ربما كنت ...
كاترين :
شكرا لك، لا، لا تنشغل بي. ولا يسؤك مجيئي لأخذ زوجي. إني أم لثلاثة كما تعرف.
الدكتور :
كلام فارغ، نحن نعرف ذلك.
كاترين :
لن يذكر لك اليوم أحد فضل التفكير في زوجتك وأولادك. لو كنت تهتم بنا لما ألقيت بنا اليوم جميعا في الشقاء.
الدكتور :
أجننت يا كاترين؟ أإذا كان الرجل ذا زوجة وأولاد لا يسمح له أن يجهر بالحق؟ ألا يسمح له أن يكون وطنيا ناشطا في خدمة الوطن؟ ألا يسمح له أن يؤدي خدمة واجبة لوطنه؟
كاترين :
إذا أردت الحق، لا يسمح له.
أسلاكسن :
هذا على حد ما أقول؛ الاعتدال في كل شيء.
كاترين :
وهذا الذي من أجله تسيء إلينا يا مستر هوفستاد إذ تغرر بزوجي، تخرجه من بيته وتجعل منه ألعوبة.
هوفستاد :
أؤكد لك أني لا أغرر بأحد.
الدكتور :
يجعل مني ألعوبة. أتظنين أني أنا ممن يغرر بهم؟
كاترين :
أنت كذلك فعلا. إني واثقة أن في دماغك عقلا أكبر من كل من في البلد، ولكنك سهل الانخداع يا توماس، (إلى هوفستاد)
أرجو أن تتذكر أنه يفصل من وظيفته في إدارة الحمامات إذا أنت نشرت له مقالته.
أسلاكسن :
ماذا؟
هوفستاد :
استمع لي يا دكتور.
الدكتور (ضاحكا) :
ها، ها. فلنر، فلنر. كلا، كلا. إنهم يحرصون على أن لا يفعلوا هذا ؛ إن الأغلبية الساحقة في جانبي، تذكري ذلك!
كاترين :
نعم. هذا أقبح ما في الأمر فعلا، أن يكون في جانبك هذا الشيء الشنيع.
الدكتور :
كلام فارغ. اذهبي إلى بيتك وانظري في شئونه ودعيني أرعى مصلحة المجتمع، كيف تخشين كل هذه الخشية، وأنا مطمئن وسعيد؟ (يتمشى ويفرك كفيه)
تأكدي أن الحق والشعب أغلب وأكاد أرى ذوي العقول الكبيرة من أهل الطبقة الوسطى يمشون كالجيش المنتصر، (يقف بجانب الكرسي)
وي! ما هذا الذي على الكرسي؟
أسلاكسن :
يا إلهي!
هوفستاد (يتنحنح) :
إحم.
الدكتور :
هنا أعلى شارات المجد والسلطة. (يأخذ قبعة العمدة الرسمية بين أطراف أصابعه بلطف ويرفعها في الهواء) .
كاترين :
قبعة العمدة!
الدكتور :
وهذي عصا الإدارة أيضا. خبروني بحق كل عجيب في هذه الدنيا ...
هوفستاد :
أنت ترى ...
الدكتور :
أوه، إني فاهم. لقد أتى يحاول بالكلام أن يجعلكم في جانبه، ها، ها. أراه أخطأ في هذا، وعندما لمحتني عينه في غرفة المطبعة، (ينفجر ضاحكا)
لاذ بالفرار، أليس كذلك يا أسلاكسن؟
أسلاكسن (بسرعة) :
نعم لاذ بالفرار يا دكتور.
الدكتور :
لاذ بالفرار من غير عصاه، ليس بيتر بالرجل الذي يهرب ويترك بضاعته وراءه. ولكن خبروني ماذا فعلتم به؟ آه، هو هنا بالطبع، سترين الآن يا كاترين.
كاترين :
توماس. بالله لا تفعل.
أسلاكسن :
لا تتهور يا دكتور. (يضع الدكتور قبعة العمدة ويأخذ عصاه في يده، يذهب بهذه الصورة إلى الباب يفتحه ويقف ويده إلى قبعته مسلما، يدخل بيتر ستوكمان محمر الوجه غضبا يتبعه بيلنج.)
بيتر :
ما معنى هذه الأعمال الجنونية؟
الدكتور :
كن عند حد الاحترام يا سيد بيتر. إني صاحب أعلى سلطة في البلدة الآن. (يتمشى ذهابا وجيئة) .
كاترين (وهي تكاد تبكي) :
حقا يا توماس.
بيتر (يسير وراءه في الغرفة) :
أعطني قبعتي وعصاي.
الدكتور (بنفس اللهجة كما سبق) :
إذا كنت حكمدار البلدة فأنا العمدة، أنا حاكم البلدة جميعها، افهم من فضلك.
بيتر :
انزع عنك قبعتي. أقول لك. تذكر أنها من اللباس الرسمي.
الدكتور :
هووو، أتظن أن الشعب المتنمر الذي استيقظ حديثا يذعره قبعة رسمية، سيكون في البلدة ثورة في الغد، أقول لك، لقد ظننت أنك تستطيع أن تفصلني ولكن أنا الذي سأفصلك، أفصلك من كل وظائفك. أتظن أنني لا أستطيع، أصغ إلي؛ إن ورائي قوى اجتماعية قاهرة، هوفستاد وبيلنج سيطلقان الرعد من جريدتهما، وأسلاكسن ينزل الميدان على رأس جميع أفراد جمعية الملاك.
أسلاكسن :
إني لا أفعل ذلك يا دكتور.
الدكتور :
بل إنك لفاعل.
بيتر :
هل لي أن أسأل مستر هوفستاد إذن أفي نيته أن يكون له يد في هذا التهييج؟
هوفستاد :
لا يا حضرة العمدة.
أسلاكسن :
لا، ليس مستر هوفستاد أحمق حتى يعمل على خراب جريدته ونفسه من أجل شكوى موهومة.
الدكتور (متلفتا فيما حوله) :
ما معنى كل هذا؟
هوفستاد :
لقد عرضت موضوعك في أنوار كاذبة يا دكتور، ولذلك لا يسعني أن أكون معك.
بيلنج :
وبعد ما تفضل به الآن حضرة العمدة من البيان لا أراني ...
الدكتور :
أنوار كاذبة؟ دع هذا الجانب من الموضوع لي. ما عليك إلا أن تنشر المقال، إني قادر تمام القدرة على الدفاع عنه.
هوفستاد :
إني لا أنشره. أنا لا أستطيع ولا أريد بل ولا أجرؤ أن أنشره.
الدكتور :
لا تجرؤ؟ ما هذا الهراء؟ أنت رئيس التحرير ورئيس التحرير هو المتصرف في الجريدة.
أسلاكسن :
لا يا دكتور إن الذي يتولى الجريدة ويتصرف فيها هم المشتركون.
بيتر :
نعم لحسن الحظ.
أسلاكسن :
إنه هو الرأي العام، الجمهور المستنير، أصحاب المنازل ومن على شاكلتهم من الناس. إنهم هم الذين يتولون الإشراف على الجرائد.
الدكتور (برباطة جأش) :
وكل هذه القوى والعوامل ضدي؟
أسلاكسن :
نعم ضدك وأرى نشر مقالتك مؤديا حتما إلى خراب المجتمع.
الدكتور :
صحيح!
بيتر :
قبعتي وعصاي من فضلك. (ينزع الدكتور القبعة ويضعها على المكتب مع العصا، فيأخذها بيتر ستوكمان)
لقد ماتت سلطتك كعمدة قبل أوانها.
الدكتور :
نحن لم نصل إلى النهاية بعد. (إلى هوفستاد)
إذن فإنه من المستحيل عليك بتاتا أن تنشر مقالتي في جريدة «رسول الشعب».
هوفستاد :
مستحيل بتاتا؛ رعاية لعائلتك أيضا.
كاترين :
لا تشغل نفسك بأمر عائلة الدكتور. شكرا لك يا مستر هوفستاد.
بيتر (يخرج ورقة من جيبه) :
إذا نشرت هذا كان كافيا في إفادة الجمهور بالواقع. إنه بلاغ رسمي. أتسمح؟
هوفستاد (آخذا الورقة) :
فعلا، سأنشرها بكل تأكيد.
الدكتور :
أما مقالتي فلا ... أتظن أنك تستطيع إخماد صوتي وخنق الحق، ستجد أن الأمر ليس من السهولة بالدرجة التي تظن. مستر أسلاكسن، من فضلك خد مسودة مقالتي من فورك واطبعها على شكل رسالة على حسابي. أريد أربعمائة نسخة منها بل خمسمائة نسخة.
أسلاكسن :
لو عرضت علي وزنها ذهبا، ما أعرت مطبعتي لطبع شيء من هذا القبيل، ولن تجد أحدا في البلدة يطبعها لك.
الدكتور :
إذن فأعدها إلي.
هوفستاد (يعطيه المقالة) :
ها هي ذي.
الدكتور (آخذا قبعته وعصاه) :
سينشر أمرها على الجمهور على كل حال. سأتلوها بنفسي على جمع حاشد من أهل البلد، ويسمع إخواني المواطنون إذ ذاك صوت الحق.
بيتر :
لن تجد في البلدة هيئة عامة تسمح لك باستعمال دارها لمثل هذا الغرض.
أسلاكسن :
ولا واحدة، إني واثق من ذلك.
بيلنج :
لا، ملعون أنا إن وجدت واحدة.
كاترين :
ولكن هذا منتهى العار. لماذا ينقلب عليك كل واحد منهم هكذا؟
الدكتور (بغضب) :
سأخبرك السبب. هو لأن كل رجل في هذه البلدة امرأة عجوز مثلك، كلهم لا يفكرون إلا في عيلاتهم أما المجتمع فلا.
كاترين (تضع ذراعه في ذراعها) :
إذن فسأريهم أن ... أن امرأة عجوزا تقدر أن تكون رجلا مرة؛ أنا سأكون في جانبك يا توماس.
الدكتور :
مرحى لكاترين. كلام شجعان. سأعلن الحق للناس، وشرفي ... إذا أنا لم أستطع أن أستأجر صالة فسأستأجر طبلة وأمشي أدق عليها في جميع أنحاء المدينة وأقرأها في جميع مفترقات الشوارع.
بيتر :
لست من شدة الحمق والجنون بهذه الدرجة!
الدكتور :
بل أنا كذلك.
أسلاكسن :
لن تجد في المدينة رجلا واحدا يسير معك.
بيلنج :
كلا، ملعون أنا إن وجدت رجلا واحدا.
كاترين :
لا تقنط. سأكلف الأولاد المسير معك.
الدكتور :
هذه فكرة سامية؟
كاترين :
سيفرح مورتن بهذا. وسيعمل إيليف ما يعمل.
الدكتور :
نعم، وبترا! وأنت أيضا يا كاترين.
كاترين :
لا، لا أفعل هذا، ولكني سأقف في النافذة أراقبكم. هذا ما سأفعل.
الدكتور (يضع ذراعه حولها ويقبلها) :
شكرا لك يا عزيزتي. الآن سنتصارع، أنا وأنتم أيها السادة. وسأرى هل يستطيع ثلة من الجبناء أن يكمموا وطنيا يريد أن يطهر الوطن! (يخرج هو وزوجته من باب الشارع.)
بيتر (يهز رأسه بجد) :
ها هو ذا قد جنن المرأة أيضا.
الفصل الرابع
(
المنظر:
غرفة فسيحة قديمة الطراز في منزل القبطان هورستر، ويرى في المؤخرة باب (إنجليزي) ذو مصاريع، هي إذ ذاك مطوية، ويرى من ورائها وصيد غرفة أولية. في الحائط الأيسر ثلاث نوافذ، وفي وسط الحائط المقابل الأيمن نصبت منصة، وعلى المنصة منضد صغير عليه شمعتان وزجاجة ماء وكوب وجرس صغير، والغرفة مضاءة بمصابيح موضوعة بين النوافذ، وفي مقدمة المرزح إلى اليسار منضد وشموع وكرسي، وفي اليمين يوجد باب وعدة من كراسي صفت بجواره، والغرفة مملوءة تقريبا بجمهور من أهل البلدة مختلف الأصناف، بينهم بضع نسوة وتلاميذ مدارس، وإذا أزيح الستار يكون بعض الجمهور آتيا من الخلف، ولا تلبث الغرفة أن تمتلئ.)
مواطن أول (مقابلا غيره) :
هالو! لامستاد! أنت أيضا هنا؟
مواطن ثان :
إني أحضر كل اجتماع عام، نعم أحضر.
مواطن ثالث :
أحضرت معك صفارتك أيضا، على ما أظن.
مواطن ثان :
أظن ذلك، أولم تحضر صفارتك أنت؟
مواطن ثالث :
بلي، وقد قال أيفنسن العجوز إنه عازم على أن يجيء معه بقرن ثور، أجل قال.
مواطن ثان :
أيفنسن العجوز الصالح (ضحك بين الجمهور) .
مواطن رابع (يأتي إليهم) :
يا أصحابي، خبروني ماذا يجري هنا الليلة؟
مواطن ثان :
سيلقي الدكتور ستوكمان خطبة يحمل فيها على العمدة.
مواطن رابع :
ولكن العمدة أخوه!
مواطن أول :
هذا لا يهم، ليس الدكتور ستوكمان بالرجل الذي يهاب.
مواطن ثالث :
ولكنه على باطل، قيل كذلك في «رسول الشعب».
مواطن ثان :
نعم. أقدر أنه لا بد أن يكون هذه المرة مخطئا، فلا جمعية أصحاب المساكن ولا نادي المواطنين قبل أن يعيره بهوه ليعقد فيه اجتماعه.
المواطن الأول :
بل ولم يستطع أن يستعير البهو الذي في الحمامات.
المواطن الثاني :
لا ، محال.
رجل (في جهة أخرى من الجمع) :
ترى في أي جانب نكون؟
رجل آخر (في جانبه) :
راقب أسلاكسن وافعل كما يفعل.
بيلنج (يفسح طريقه في الجمهور ومعه تحت ذراعه عدة الكتابة) :
معذرة يا سادة، أتسمحون لي بالمرور. إني مكاتب جريدة رسول الشعب. أشكركم شكرا جزيلا (يجلس إلى المنضد الموضوع إلى اليسار) .
أحد العمال :
من كان هذا؟
عامل ثان :
ألا تعرفه؟ هذا بيلنج الذي يحرر في جريدة أسلاكسن (يأتي هورستر ومعه كاترين وبترا من الباب الذي إلى اليمين ويتبعهم إيليف ومورتن) .
هورستر :
رأيت أن تجلسوا هنا جميعا. في استطاعتكم أن تنسلوا من هنا بسهولة إذا احتدم الأمر.
كاترين :
أتظن أن سيحدث شجار؟
هورستر :
من يدري؟ في مثل هذا الجمهور، ولكن اجلسي لا يساورك قلق.
كاترين (جالسة) :
لقد كان فضلا منك عظيما أن تعير زوجي هذه الغرفة.
هورستر :
إذا لم يسمح أحد أن يعيره مكانا ...
بترا (وقد جلست بجوار والدتها) :
ولقد كان من الشجاعة ما فعلت يا قبطان هورستر.
هورستر :
ليس الأمر من العظم عند هذا (يدخل هوفستاد وأسلاكسن مخترقين الجمهور) .
أسلاكسن (ذاهبا إلى هورستر) :
ألم يأت الدكتور بعد؟
هورستر :
إنه في الغرفة المجاورة ينتظر (حركة في الجمهور عند الباب الذي في الخلف) .
هوفستاد :
انظروا، لقد حضر العمدة.
بيلنج :
نعم، لعنت إن هو لم يأت على كل حال! (يخترق بيتر ستوكمان الجمهور وينحني تجلة ويجلس بالقرب من الحائط الأيسر، وبعد ذلك بقليل يأتي الدكتور ستوكمان من الباب الأيمن وهو مرتد ثياب السهرة السوداء (الفراك) ورباط رقبته الأبيض، يصفق بعض الناس تصفيقا ضعيفا يخفته على الفور صوت «هس» ويتم السكوت.)
الدكتور (بصوت منخفض) :
كيف حالك يا كاترين؟
كاترين :
أنا بخير، شكرا لك (تخفض صوتها)
املك عواطفك يا توماس.
الدكتور :
إني أعرف كيف أضبط نفسي. (ينظر إلى ساعته ويرتقي المنصة وينحني تحية للجمهور)
لقد تجاوزنا الموعد بربع ساعة فلأبتدئ (يستخرج صورة الخطبة من يده) .
أسلاكسن :
أظن أنه يجدر بنا أولا أن نختار رئيسا للاجتماع.
الدكتور :
لا، ليس هذا ضروريا جدا.
بعض الجميع :
بلى، بلى .
بيتر :
أعتقد، في الواقع أنه يجدر أن يكون للاجتماع رئيس ليدير المناقشات.
الدكتور :
ولكني إنما دعوت إلى هذا الاجتماع لألقي محاضرة يا بيتر.
بيتر :
قد تؤدي محاضرة الدكتور ستوكمان إلى اختلاف كبير في الرأي.
أصوات من بين الجمهور :
رئيس! رئيس!
هوفستاد :
الظاهر أن الرغبة العامة تقول باختيار رئيس.
الدكتور (كابحا نفسه) :
حسن! ليكن للحاضرين ما شاءوا.
أسلاكسن :
أيتفضل حضرة العمدة بقبول هذه المهمة؟
بيتر :
لأسباب شتى ستدركونها بلا عناء ألتمس منكم إعفائي. بيد أن بيننا اليوم لحسن الحظ رجلا أعتقد أنكم تقبلون رياسته. أعني به رئيس جماعة أرباب المساكن. السيد أسلاكسن.
أصوات عدة :
نعم. أسلاكسن، مرحى لأسلاكسن. (يتناول الدكتور ستوكمان المسودة ويسير ذهابا وجيئة على منصته.)
أسلاكسن :
لا يسعني الرفض وقد رأى إخواني المواطنون أن يعهدوا إلي هذه المهمة. (تصفيق شديد، يعتلي أسلاكسن المنصة.)
بيلنج (وهو يكتب) : «وقد انتخب أسلاكسن لرياسة الاجتماع بتحمس عظيم».
أسلاكسن :
والآن إذ أنا في هذا المقام أريد أن أقول بضع كلمات موجزة. إني رجل هادئ مسالم، أومن بفضل الاعتدال الحكيم و... و... وبالحكمة المعتدلة، ويشهد جميع أصدقائي بذلك.
أصوات شتى :
نعم، نعم، يا أسلاكسن.
أسلاكسن :
لقد تعلمت في مدرسة الحياة والتجاريب أن الاعتدال أعلى فضيلة يتحلى بها المواطن.
بيتر :
بخ. بخ.
أسلاكسن :
وفضلا عن هذا فإن الحكمة والاعتدال هما اللذان يساعدان الرجل على أن يكون أشد صلاحية لخدمة المجتمع. ولذلك أنصح لحضرة مواطننا المحترم الذي دعا إلى هذا الاجتماع أن يبذل جهده حتى لا يخرج عن حدود الاعتدال.
رجل (بجوار الباب) :
اهتفوا ثلاثا لجمعية الاعتدال.
صوت :
اخرس!
عدة أصوات :
س. س.
أسلاكسن :
لا تقاطعوا يا سادة من فضلكم. هل يريد أحدكم أن يتقدم بملاحظات؟
بيتر :
يا حضرة الرئيس.
أسلاكسن :
العمدة، يلقى كلمة.
بيتر :
كنت أحب، نظرا إلى علاقة القربى الشديدة التي بيني - كما تعلمون جميعا - وبين مفتش صحة الحمامات الحالي، أن لا أتكلم هذه العشية. ولكن مركزي الرسمي فيما يختص بالحمامات وعنايتي بالمصالح الحيوية التي للبلدة، تلزمني أن أقدم اقتراحا بقرار. إني لأجرؤ على الظن أنه لا يوجد بين مواطنينا الحاضرين هنا من يرى من المستحسن أن تذاع بيانات غير موثوق بها، بل مبالغ فيها، عن الحالة الصحية في الحمامات وفي البلدة.
عدة أصوات :
كلا، كلا. بالتأكيد كلا. نحتج على ذلك.
بيتر :
لذلك أريد أن أقترح أن لا تسمح الهيئة المجتمعة للمفتش الصحي بقراءة محاضرته التي نواها، أو أن يعلق عليها.
الدكتور (بغضب) :
لا تسمح! أي شيطان ...
كاترين (ساعلة) :
إحم، إحم.
الدكتور (ضابطا نفسه) :
حسن، استرسل.
بيتر :
في بلاغي الذي أرسلته إلى رسول الشعب، أوضحت للشعب الحقائق الجوهرية، بحيث يسهل على كل عاقل أن يكون لنفسه منها رأيا. منها يتضح لكم أن اقتراحات المفتش الصحي تتلخص - بصرف النظر عن تضمنها اقتراحا بتأنيب ذوي الأمر في البلدة - في أنه يريد أن يحمل من يدفعون فيها ضرائب مقدار نفقة غير ضرورية تبلغ على الأقل عدة ألوف من الجنيهات. (أصوات استنكار من بين الحاضرين، وبعض أصوات موائية كالهررة.)
أسلاكسن (يدق جرسه) :
سكوتا، من فضلكم أيها السادة. إني ألتمس أن أزكي اقتراح العمدة. إني على تمام الاتفاق معه على أن هناك شيئا وراء هذه الدعاية التي بدأها الدكتور. إنه يتكلم عن الحمامات، ولكن الواقع أنه يريد ثورة. يريد أن يضع مقاليد إدارة البلدة في أيد أخرى. لا يشك أحد في خلوص مقاصد الدكتور من رغبة الأذى، فلا يمكن أن يكون بين الناس اثنان يقولان بذلك، إني أنا نفسي ممن يقولون بضرورة الحكم الذاتي للشعب، بشرط أن لا يكون فيه إرهاق لمن يدفعون الضرائب، بيد أن هذا ما يراد بنا اليوم. وهذا الذي من أجله أود أن تسقط اللعنة على رأس الدكتور ستوكمان - أستميحكم عذرا - قبل أن أسايره في الأمر، قد يدفع الإنسان في الشيء ثمنا فادحا في بعض الأحيان، هذا رأيي. (تصفيق عال من جميع النواحي.)
هوفستاد :
أنا أيضا أشعر أن من واجبي أن أشرح موقفي، لقد لاحت الحركة التي قام بها الدكتور ستوكمان في أول الأمر كأنما يشايعها بعض المناصرين، ولذلك ناصرتها بلا أقل تحيز، أما اليوم فقد لاح لنا من الأسباب ما حملنا على توجس أننا سمحنا لأنفسنا أن تضل بتلبيس حقائق الواقع.
الدكتور :
تلبيس!
هوفستاد :
إذن فلنقل بتمثيل الحقائق في صورة لا يوثق بصحتها تمام الثقة. ولقد أثبت لنا ذلك بلاغ العمدة. إني لأرجو أن لا يكون في الجمع من يخامره الشك في مبادئي الحرة، فإن خطة «رسول الشعب» حيال المسائل السياسية الخطيرة معروفة لكل إنسان. ولكن نصيحة الرجال أولي الخبرة والبصيرة قد دلتني على أنه يجب في المسائل المحلية البحتة أن لا تخطو الجريدة خطوة إلا بالحذر.
أسلاكسن :
إني أوافق الخطيب تمام الموافقة.
هوفستاد :
ومما لا شك فيه أن الرأي العام في المسألة التي أمامنا ضد الدكتور ستوكمان. والآن ما هو أول واجب على الصحفي أيها السادة؟ أليس هو أن يعمل وفاق قرائه. ألم يعطوه نوعا من التوكيل الضمني ليعمل بالمثابرة والجد في سبيل مصلحة من يعبر عن آرائهم؟ أم يمكن أن أكون مخطئا في هذا؟
أصوات :
لا. لا. إنك على تمام الحق.
هوفستاد :
لقد قاسيت عراكا نفسيا كبيرا لاضطراري أن أخرج على رجل كنت في بيته منذ عهد قريب ضيفا كثير التردد عليه؛ رجل كان من حقه حتى اليوم أن يفخر بحسن رأي مواطنيه فيه - رجل عيبه الوحيد - أو على كل حال، عيبه الجوهري أنه مطواع لقلبه لا لعقله.
بعض أصوات مبعثرة :
هذا صحيح. مرحى يا ستوكمان.
هوفستاد :
ولكن واجب المجتمع علي ألزمني أن أخرج عليه. وهناك اعتبار آخر يدفعني إلى مناهضته، وإلى منعه بقدر الإمكان، عن السير في الطريق الخطر الذي اخطته لنفسه ألا وهذا الاعتبار هو عيلته.
الدكتور :
الزم من فضلك موضوع مياه الشرب والصرف!
هوفستاد :
أكرر القول بأنه اعتبار مصلحة زوجته وأولاده الذين لم يعمل لهم حسابا.
مورتن :
أهو يعنينا يا أمي؟
كاترين :
صه.
أسلاكسن :
سآخذ الأصوات الآن على اقتراح حضرة العمدة.
الدكتور :
لا ضرورة إليه، ليس في عزمي الليلة أن أتناول كل تلك القاذورات المزدحمة في الحمامات. كلا، إن لدي للقول شيئا آخر يختلف عن ذلك كل الاختلاف.
بيتر (لنفسه ) :
ماذا يقصد يا ترى؟
سكران (عند باب الدخول) :
أنا أحد دافعي الضرائب ولذلك لي الحق أن أتكلم أنا أيضا. ورأيي الشامل ... الثابت غير المفهوم ...
عدة أصوات :
أقفل فمك أنت يا من عند الباب.
غيرهم :
إنه سكران، أخرجوه (يخرجونه) .
الدكتور :
أمسموح لي أن أتكلم؟
أسلاكسن (يدق جرسه) :
الكلمة للدكتور ستوكمان.
الدكتور :
كنت أشتهي لو جرؤ أحد منذ بضعة أيام أن يسكتني كما حدث الليلة. يومئذ كنت أستطيع أن أدافع عن حقوقي المقدسة كإنسان، دفاع الأسد، أما الآن فالأمر عندي سواء. لدي شيء أراه أجدر أن يقال لكم جدارة أعظم وأهم (يزدحم الناس صوبه ويرى مورتن كيل ظاهرا بينهم) .
الدكتور (مستمرا) :
لقد فكرت كثيرا وتأملت مليا، مدى بضعة الأيام الماضية، تأملت في عدة من أمور شتى حتى رأيت فؤادي في النهاية قد امتلأ ولم يعد يسع مزيدا.
بيتر (بسعال) :
إحم.
الدكتور :
ولكن راقت أفكاري في النهاية، وإذ ذاك تبين لي الواقع برمته في جلاء ووضوح، وهذا الذي من أجله ترونني واقفا هنا هذه الليلة. إن لدي وحيا عظيم القدر أطلعكم عليه، إخواني المواطنين، سأخبركم عن استكشاف أوسع مدى من القول التافه بأن مورد مائنا مسموم وأن حماماتنا الاستشفائية قائمة على أرض موبوءة.
عدة أصوات (زاعقين) :
لا تتكلم عن الحمامات، لا نسمع لك عنها شيئا. أقصر عن هذا.
الدكتور :
لقد قلت لكم الآن توا إن ما أريد أن أتكلم عنه هو الاستكشاف العظيم الذي اهتديت إليه قريبا، استكشاف أن كل منابع حياتنا الخلقية مسمومة، وأن مجتمعنا المدني برمته قائم على أساس موبوء بالأكاذيب.
أصوات مواطنين (بدهشة) :
ماذا يقول؟
بيتر :
مثل هذا التعريض ...
أسلاكسن (ويده على الجرس) :
أدعو حضرة الخطيب أن يخفف من لهجته.
الدكتور :
لقد أحببت هذا البلد الذي ولدت فيه، حب الإنسان داره التي قضى فيها أيام صباه، ولم أكن كبير السن يوم رحلت عنها، ولقد خلعت الغربة والشوق والذكرى عليه وعلى ساكنيه مطرفا آخر من البهاء (بعض تصفيق واستحسان ضعيف)
وهناك بقيت سنوات عدة، في جحر شنيع في الشمال النائي، فلما اتصلت ببعض الناس الذين يعيشون مبعثرين بين الصخور، كنت كثيرا ما أرى خيرا لأولئك المساكين الذين يعيشون في شبه مجاعة لو أرسل إليهم طبيب بيطري بدلا من رجل مثلي (تذمر بين الجمع) .
بيلنج (واضعا قلمه) :
علي اللعنة إذا كنت قد سمعت ...
هوفستاد :
هذه إهانة لجماعة محترمة.
الدكتور :
تمهل قليلا، لا أظن أحدا يتهمني بأني وأنا هناك قد نسيت بلدي، فلقد كنت أشبه شيء بالإوزة الراخمة في عشها وكان ما أفرخت لكم هو مشروع هذه الحمامات (استحسان واحتجاج)
ثم إذ كتب لي القدر عظيم السعادة بالعودة إلى الوطن، أؤكد لكم يا سادة خيل إلي أني قد بلغت غاية المنى، فلم يعد لي ما أشتهي، اللهم إلا شيء واحد، أشتهيه بحمية وبلا ملل وهيام، وذلك هو أن أوفق إلى خدمة مسقط رأسي ونفع مواطني.
بيتر (ناظرا إلى السقف) :
لقد اخترت لذلك طريقة عجيبة، إحم.
الدكتور :
وإذ عميت عيناي عن حقائق الواقع، أغرقت في السعادة. ولكن أمس صباحا - لا بل للتحقيق - أمس عصرا، تفتحت عيون عقلي تفتحا واسع المدى، وأول شيء أدركته هو عظيم ما انطوى عليه أولو الأمر من البلادة (ضجيج وصياح وضحك، وكاترين تسعل باستمرار) .
بيتر :
حضرة الرئيس!
أسلاكسن (داقا الجرس) :
بما لي من السلطة ...
الدكتور :
إنه لجميل أن تأخذ علي الطريق من أجل كلمة يا مستر أسلاكسن. ليس ما أعنيه سوى أنني تبينت ما لا يكاد يصدقه العقل من خطل القادة الذين يتولون شئون الحمامات وجمودهم. إني لأمقت من يتولون أمور الناس. لقد تحملت في حياتي من أمثالهم فوق حد الكفاية. إنهم أشبه بالتيوس المسومة في حقل حديث الزرع حيثما سارت أحدثت تلفا. يقفون في وجه الرجل الحر حيثما يمم. وأقصى أماني نفسي أن أراهم يبادون كما تباد الهوام السامة الأخرى (ضجيج) .
بيتر :
حضرة الرئيس! أنجيز مثل هذا الكلام؟
أسلاكسن (ويده على الجرس) :
يا دكتور!
الدكتور :
ليس في استطاعتي أن أدرك كيف أني لم أتبين إلى الآن حقيقة هؤلاء السادة على حين أن لدي كل يوم في هذه البلدة مثلا أي مثل لهم، أخي بيتر، البطيء الإدراك الجامد النفس كالبهم بتعصبه (ضحك وضجيج وصياح، وتأخذ كاترين في السعال بلا انقطاع، ويقرع أسلاكسن جرسه بعنف) .
الرجل السكران (وقد تسلل ودخل) :
أعني يتكلم؟ اسمي بيترسون، لا بأس، ولكن ليأخذني الشيطان إذا ...
أصوات مغضبة :
أخرجوا هذا السكران، أخرجوه (يخرجونه مرة أخرى) .
بيتر :
من كان هذا الرجل؟
مواطن أول :
لا أدري من هو يا حضرة العمدة.
مواطن ثان :
ليس من أهل البلدة.
مواطن ثالث :
أظن أنه بحار من بلدة ... (لا يسمع باقي الكلام) .
أسلاكسن :
الظاهر أنه شرب كثيرا من الجعة. استمر يا دكتور ولكني أرجو منك أن تعمل على تخفيف لهجة كلامك.
الدكتور :
حسن يا سادة، لن أتكلم بعد ذلك شيئا عن قادتنا. وإذا خيل إلى أحد منكم أنني عنيت - بما قلت الآن - الطعن في هؤلاء الناس هذه الليلة، فليعلم أنه مخطئ بعيد كل البعد عن القصد، لأني مملوء القلب بالاعتقاد المسعد المغذي للنفس أن هؤلاء الطفيليين تراث العهد القديم المحتضر، إنما يمهدون السبيل بأيديهم أحسن تمهيد لفناء أنفسهم وزوالها. وما هم بحاجة إلى نطاسي خبير لتعجيل آخرتهم، بيد أن ليس هؤلاء الناس بالذين يخشى منهم الخطر الداهم على المجتمع، ليسوا أنشط العاملين على تسميم موارد حياتنا الخلقية وتلويث الأرض التي نحن عليها بصنوف الأوبئة، ليس أولئك أعدى أعداء الحق والحرية بيننا.
صائحون من جميع الجهات :
من إذن؟ من هم؟ اذكرهم. سمهم.
الدكتور :
تمهلوا وثقوا أني سأسميهم. هذا هو الاستكشاف الذي وفقت إليه بالأمس (يرفع صوته)
أخطر أعداء الحق والحرية بيننا، هم الغالبية المتراصة، نعم، الغالبية المتراصة الملعونة، الغالبية الحرة، أولئك هم فاعرفوهم (ضجيج عال جدا، غالب الجمهور يصيح، ويضرب الأرض برجليه ويصفر ويتناول النظرات بعض كبار السن من بينهم وتلوح عليهم سيما الارتياح، وتنهض كاترين قلقة، وإيليف ومورتن يتقدمان مهددين. بعض تلاميذ يصيحون صياح الهررة والكلاب وغيرها. ويقرع أسلاكسن جرسه ويلتمس من الحاضرين أن يسكتوا، وهوفستاد وبيلنج يتكلمان في وقت واحد ولكن لا يسمع كلامهما، وأخيرا يعود الجمع إلى السكون) .
أسلاكسن :
بصفة كوني رئيسا أكلف الخطيب أن يسحب ما تعجل به لسانه من القول بلا روية.
الدكتور :
محال يا سيد أسلاكسن، إنها هي الغالبية في مجتمعنا التي أنكرت علي حريتي وعملت على منعي من أن أنطق بالحق.
أسلاكسن :
الحق دائما في جانب الغالبية.
بيلنج :
والصدق كذلك وربي.
الدكتور :
لا يكون الحق في جانب الغالبية بتاتا - أقول لكم بتاتا - تلك إحدى الأكاذيب الاجتماعية التي يجب على كل رجل مستقل حصيف أن يحاربها. ممن تتألف غالبية السكان في هذا القطر يا ترى؟ أمن الألباء أم من السفهاء؟ لا يخامرني الظن بأنكم تنكرون الواقع وهو أن السفهاء هم الآن أصحاب الغالبية الغامرة في الدنيا برمتها، ولكن يا إلهي! فهل منكم من يستطيع أن يقول إن من الحق أن يتولى السفهاء حكم العقلاء؟ (صياح وضجيج) .
أجل، أجل. يمكنكم أن تخفتوا صوتي بالصياح، ولكنكم لا تستطيعون أن تحيروا جوابا. الغالبية في جانبها القوة نعم وا أسفاه، أما الحق فلا. إني على الحق - أنا وبضعة أفراد متوزعين - القلة دائما على حق. (ضجيج وصياح) .
هوفستاد :
آها، إذن فقد أصبح الدكتور ستوكمان ارستقراطيا منذ أمس الأول.
الدكتور :
لقد سبق لي القول إنني لا أريد أن أنفق كلمة واحدة في الكلام عن الفئة الضئيلة، الضيقة الصدر، القصيرة النفس، التي تتولى الزمام. لا، لم تعد الحياة النابضة تشغل نفسها بأمرهم؛ إنما أنا أفكر في العدد القليل من الرجال المبعثرين بيننا الذين اشتفوا حقائق جديدة عفية؛ أولئك الرجال يقفون في الطليعة، على مدى أبعد من أن تلحقهم لديه الغالبية المتراصة. وهناك هم يقاتلون في سبيل الحقائق التي لم تتمخض دنيا العقل عنها إلا منذ عهد قريب جدا فلم يتيسر أن يكون لها من الأنصار عدد يذكر.
هوفستاد :
ها قد أصبح الدكتور الآن ثوريا.
الدكتور :
يا إلهي! بالطبع أنا كذلك يا سيد هوفستاد! في عزمي أن أثير ثورة على الأكذوبة السائرة؛ أكذوبة أن الغالبية هي وحدها صاحبة الحقيقة. وما نوع هذه الحقيقة التي تنصرها الغالبية عادة؛ إن هي إلا حقيقة قدم عهدها حتى أخذ بنيانها يتداعى. وإذا كانت هناك حقيقة من القدم عند هذا الحد فهي توشك أن تنقلب أكذوبة (ضحك ومواء وعواء)
أجل هذا هو الواقع صدقتم أم لم تصدقوا. ولكن الحقائق ليست كما يتوهم البعض طويلة العمر كنوح في السالفين. فالحقيقة المؤسسة على بنيان صحيح لا يطول عمرها، فيما تقول، أكثر في العادة من سبعة عشر عاما أو ثمانية عشر، وعلى الأكثر عشرين. وقلما زادت عن ذلك. ولكن الحقائق التي تبلغ من العمر هذا القدر تكون قد هزلت حتى بدت كلاها، ومع ذلك فهي لا تبدو لعين الغالبية إلا وهي في هذه الصورة، ويومئذ يتواصون بها في المجتمع ويرونها غذاء عقليا صالحا. لا يا سادة. ليس لمثل هذه المادة قيمة غذائية هذا ما أؤكده لكم، ومن حقي إذ أنا طبيب أن أعرف ذلك. هذه الحقائق التي تقول بها الغالبية هي أشبه شيء باللحم المملح من العام الماضي، مثل لحم الخنزير الزنخ العفن، وهي مصدر الأسقربوط النفسي الشائع في مجتمعاتنا.
أسلاكسن :
يخيل إلي أن الخطيبب قد شرد شرودا كبيرا عن موضوعه.
بيتر :
أنا على رأي حضرة الرئيس بتمامه.
الدكتور :
أزايلك الرشد يا بيتر؟ إني ملتزم جانب موضوعي تمام الالتزام، لأن موضوعي هو هذا: إن هذه الغالبية المتراصة السافلة، هي التي تسمم موارد حياتنا الخلقية وتعدي بوبائها الأرض التي نحن عليها.
هوفستاد :
وكل هذا لأن الغالبية العظيمة الواسعة العقل هي من الصواب بحيث لا تقر إلا الحقائق الممحصة، الحقائق المقررة.
الدكتور :
آه، يا سيد هوفستاد، خل عنك الكلام الفارغ عن الحقائق الممحصة. إن الحقائق التي تسلم الدهماء بها اليوم، هي الحقائق التي ناصرها المجاهدون في الطلائع أيام أجدادنا. أما نحن المجاهدين في الطلائع في هذه الأيام، فلم نعد نقرها، ولست أظن أن هناك حقيقة ممحصة مجربة غير ما أقول لك: وهو أنه لا يستطيع مجتمع أن يحيا حياة سليمة إذا هو لم يطعم إلا تلك الحقائق النخرة.
هوفستاد :
ولكن بدلا من وقوفك هكذا تلقي نظريات عامة، يحسن بك أن تذكر لنا ما هي هذه الحقائق النخرة، التي جعلناها غذاء لنا. (استحسان من جميع الجهات.)
الدكتور :
أوه، في إمكاني أن أعطيك ركاما من هذه الحثالات، ولكني سأقتصر في المبدأ على إحدى الحقائق المسلم بها، وهي في أساسها أكذوبة فظيعة، يتغذى بها السيد هوفستاد ورسول الشعب، وجميع أنصار هذه الجريدة.
هوفستاد :
وتلك الأكذوبة هي ...؟
الدكتور :
هي تلك العقيدة التي ورثتموها عن آبائكم، ونشرتموها بلا روية في الخافقين، عقيدة أن الجمهور، أن الدهماء الغوغاء، هي الجزء الجوهري من سكان كل بلد، وأنهم هم الذين يتألف منهم الشعب، وأن الناس العاديين الجهلة، العنصر الناقص التكوين في المجتمع، لهم من الحق في الحكم والتقدير، وفي الإدارة والحكومة، مثل ما للأفذاذ أولي الذاتية الفكرية العليا.
بيلنج :
علي لعنة الله إن كان قد سبق لي ...
هوفستاد (في نفس الوقت، صائحا) :
أيها الإخوان المواطنون تنبهوا إلى هذا الكلام جيدا.
بعض أصوات (مغضبة) :
أووهوو! ألسنا نحن الشعب؟! لا يحكمنا إلا السراة! هم فقط!
أحد العمال :
أخرجوا هذا الرجل من هنا، جزاء كلامه الفارغ.
غيره :
أخرجوه.
غيره (صائحا) :
انفخ في القرن، يا أيفنسون! (ينفخ في قرن بصوت عال جدا، بين أصوات صفير وضجيج من مغضبين.)
الدكتور (لما يهدأ الصياح قليلا) :
ارشدوا! ألا تطيقون صوت الحق مرة! لا أرتقب منكم بحال ما أن توافقوني برمتكم، ولكن لا بد لي أن أقول إني كنت أرتقب أن يسلم السيد هوفستاد بأني كنت على حق، عندما يستجمع قوى نفسه قليلا، إنه يدعي أنه حر العقيدة.
أصوات (متعجبة) :
حر العقيدة! هوفستاد حر العقيدة!
هوفستاد (صائحا) :
أثبت ذلك يا دكتور ستوكمان، متى قلت ذلك في مطبوع؟
الدكتور :
كلا، خسئت، أنت على حق، لم يكن عندك الشجاعة لذلك، لا بأس، لا أريد أن أزج بك في مأزق، ولنقل إني أنا ذو العقيدة الحرة إذن. سأثبت لكم بالبرهان العلمي أن جريدة «رسول الشعب» تجركم من أنوفكم بطريقة مخزية حين تقول لكم: إن عامة الناس، الدهماء الغوغاء، هم روح الشعب الحقيقية، ليس هذا الكلام - أؤكد لكم - إلا أكذوبة صحفية، ليس العامة إلا المادة الغفل ، التي يصاغ منها الشعب، (تأوهات وضحك وضجيج)
ها، أليس هذا هو الواقع؟ أليس هناك فرق عظيم بين نسيلة من الحيوان أحسنت تربيتها وأخرى أسيئت؟ خذوا مثلا دجاجة عادية من الدجاج المسوم بعيدا عن الأهراء. أي لحم تصيبون من مثل هذه الجلدة الهزيلة؟ لا تصيبون غير قليل، أؤكد لكم! وأي بيض تضعه؟ خير منه ما يضع الغراب. ثم خذوا دجاجة مرباة إسبانية أو يابانية، أو خذوا دراجا أو دجاجة رومية وانظروا الفرق، أو خذوا للمثل، الكلاب التي نعيش معها نحن بني الإنسان على شرعة المودة، فكروا أولا في كلب عادي أعني أحد تلك الكلاب البشعة، الخشنة الشعر، المنحطة التربية التي لا تفعل شيئا غير الجري في الشوارع وتوسيخ جدران المنازل. قارنوا أحد هذه الكلاب بكريم ربي أبواه مدى أجيال عدة في بيت سري من السراة، كان لها فيه خير طعام، وأجمل فرص الاستماع إلى الصوت الجميل والموسيقى، ألا ترون أن عقل الكريم يكون قد نما وتهذب حتى بلغ درجة تختلف عن عقل الكلب الحطيط؟ لا شك في ذلك. جراء مثل ذلك الكلب الكريم هي التي يعلمها العارضون فتأتي من أفعال المهارة ما لا يكاد يصدقه العقل؛ أشياء يستحيل على الكلب العادي أن يتعلمها ولو وقف على رأسه ... (ضجيج وأصوات تقليدية، عواء ومواء ... إلخ) .
أحد المواطنين (مناديا) :
أتريد أن نستنتج من ذلك الآن أننا كلاب؟
مواطن آخر :
لسنا حيوانات يا دكتور!
الدكتور :
بل وربي يا صاحبي كلنا كذلك، نعم إننا أرقى الحيوانات طرا، ولكن الكرام من بيننا قليل، إن هناك فرقا شاسعا بين حطيط الناس وكريمهم، وألطف ما في الأمر أن السيد هوفستاد يتفق معي في الرأي ما دام الكلام خاصا بذوات الأربع من الحيوانات.
هوفستاد :
نعم هذا حق صراح فيما يختص بها.
الدكتور :
حسن جدا. ولكني ما أشرع أطبق القاعدة على ذوات الاثنتين من الحيوانات حتى ينكص السيد هوفستاد على أعقابه. لا يجرؤ إذ ذاك أن يطلق عنان فكره مستقلا أو يواصل آراءه حتى تنتهي إلى نتيجة منطقية. ولذلك يقلب النظرية على وجهها ويصيح في «رسول الشعب» معلنا أن الدجاجة السائمة والكلبة الشريدة هما أرقى ما في الحظيرة. بيد أن هذا هو المسلك الطبيعي الذي لا بد أن يسير فيه الإنسان ما دام في بدنه أثر من أرومة منحطة، ولم يعبد لنفسه دربا يرقاه إلى مراتب التفوق العقلي.
هوفستاد :
أنا لا أدعي الصلة بشيء من هذا التفوق. إني ابن ناس قرويين متضعين، وإني لفخور أن الأرومة التي نسلت منها تضرب جذورها إلى عمق بعيد في صميم الدهماء التي يسبها.
أصوات :
مرحى، هوفستاد! مرحى، مرحى!
الدكتور :
ليس نوع العامة الذي أعنيه مما لا يوجد إلا عند أسفل درجات السلم الاجتماعية، فإنهم يدبون ويتجمعون فيما حولنا، ونراهم حتى في أرقى المراتب الاجتماعية. ما عليكم إلا أن تنظروا إلى عمدتكم المبرز المحترم، فما أخي بيتر إلا رجل عامي من فرعه إلى قدمه ككل رجل من الدهماء يمشي في حذاءين (ضحك وصفير) .
بيتر :
إني أحتج على مثل هذه التعريضات الشخصية.
الدكتور (برباطة جأش) :
وليس هذا لأنه مثلي متناسل من أحد لصوص البحر الأقدمين في بلاد بوميرانيا أو جيرتها، كما هو الواقع.
بيتر :
هذا إفك خرافة، وأنا أنكرها.
الدكتور :
بل لأنه لا يفكر إلا كما يفكر رؤساؤه ولا يقول إلا بما يقولون. والذين يجرون هذا المجرى، هم على القول المعنوي، من صميم العامة. وهذا هو السبب في أن أخي المكرم بيتر، هو في الواقع أبعد ما يكون إنسان عن حقيقة التفوق، ومن ثم كان بعيدا عن الحرية في تفكيره.
بيتر :
يا حضرة الرئيس ...!
هوفستاد :
إذن فالرجال البارزون هم وحدهم أحرار الرأي في هذا القطر؟ إنك لتعلمنا الليلة شيئا جديدا (ضحك) .
الدكتور :
نعم. هذا جانب من استكشافي. وهناك جانب آخر هو أن سعة العقل عبارة تكاد تكون مرادفة للفضيلة. وهذا هو السبب في أنه لا وجه للعذر في أن تكتب جريدة «رسول الشعب» كل يوم وتعلن أن الجمهور والدهماء والغالبية المتراصة هي وحدها صاحبة العقول السمحة الواسعة مجال الفكر، وصاحبة الفضيلة معا، وإن الرذيلة والفساد وكل نوع من أنواع النقص العقلي هي نتيجة التثقف، كما أن كل القاذورات الناشئة من حماماتنا نتيجة المدابغ القائمة في موليدال (ضجيج ومقاطعة، ولكن الدكتور ستوكمان يظل رابط الجأش فيبتسم ويستمر في كلامه مدفوعا ببغيته)
ومع ذلك فإن جريدة «رسول الشعب» نفسها لا تنقطع عن القول بضرورة ترقية العامة إلى مستوى حياة أرقى مما هي عليه. ولكن يا عجبي لهذا التناقض إذا أخذنا بما تقول به هذه الجريدة، لم يكن معنى هذه الترقية التي تريدها للعامة إلا تركها على الفور في طريق الفساد والشر. ولكن من حسن الحظ أن القول بأن الثقافة مفسدة ليس إلا أكذوبة قديمة؟ آمن بها آباؤنا وورثناها نحن عنهم، لا يا سادة إنما الجهل والفقر وقبح أحوال المعيشة هو الكفيل بأعمال الشيطان! البيت الذي لا يهوى ويكنس كل يوم - بل ترى كاترين زوجتي ضرورة مسح البلاط أيضا، وإن كانت هذه مسألة للجدل - مثل ذلك البيت، أقول لكم، يفقد أهله في مدى سنتين أو ثلاث سنين، ما يكون لديهم من قوة التفكير أو السير الأدبي. قلة الأوكسيجين تضعف الضمير. ويخيل إلي أن كثيرا من البيوت في هذه البلدة يعوزها الأوكسيجين إعوازا بالغا. وذلك حكما بما أوجسه من أن الغالبية المتراصة من فقدان الوعي بحيث تريد أن تبني مستقبل البلدة على أوحال الغش والأكاذيب.
أسلاكسن :
لا نسمح بإلقاء مثل هذه التهم الخطيرة في وجه مجتمع من المواطنين.
مواطن أول :
أقترح أن يأمر الرئيس الخطيب بالجلوس.
أصوات (مغضبة) :
مرحى! مرحى! في محله! مره بالجلوس.
الدكتور (فاقدا رباطة جأشه) :
إذن فعلي أن أذهب وأعلن هذا الحق في كل طريق، سأكتبه في جرائد بلدان أخرى، وسيعلم القطر برمته ما هو جار هنا!
هوفستاد :
يكاد يكون واضحا أن الدكتور ستوكمان لا يبغي إلا خراب بلدتنا.
الدكتور :
نعم إن لمسقط رأسي من الحب عندي ما أوثر معه خرابه بدلا من أن أشيد سعادته على أكذوبة.
أسلاكسن :
هذا كلام شديد (ضجيج ومواء، تسعل كاترين ولكن بغير جدوى ولا يعود زوجها يستمع لها) .
هوفستاد (صائحا فوق الرءوس ) :
لا شك في أن الرجل الذي يريد أن يخرب المجتمع برمته هو عدو للشعب.
الدكتور (بتحمس متزايد) :
ماذا في هدم مجتمع من الخطورة إذا كان هذا المجتمع يعيش على الأكاذيب، الواجب أن يهدم حجرا على حجر.
نعم. كل من يعيشون بالأكاذيب جديرون أن يبادوا كما تباد حشرات الأرض. سينتهي بكم الأمر إلى إيصال العدوى إلى القطر برمته، وستجلبون بعملكم على القطر سوءا يستدعي أن يهدم كله، وإذا بلغت الأمور هذا المبلغ، فلا يسعني إلا أن أقول من صميم القلب دعوا القطر كله يفنى، ودعوا أولئك الناس جمعيهم يبيدون.
أصوات من الجمهور :
هذا كلام يدل على أنه عدو للشعب.
بيلنج :
ها! لقد صاح صائح الشعب، وحق كل ما هو مقدس.
الجمهور برمته (صائحا) :
نعم، نعم. إنه عدو للشعب، إنه يكره وطنه. يكره أهله أنفسهم.
أسلاكسن :
بصفة كوني مواطنا وفردا من الأفراد، أشعر بقلق عظيم في نفسي إثر ما قدر لنا أن نستمع له. لقد تبدى الدكتور ستوكمان في لون ما كنت أتوهم أن أراه فيه، وأراني مضطرا مع مزيد الأسف، إلى إقرار الرأي الذي سمعته الآن من أقوال إخواني المواطنين الموقرين، ولذلك أقترح أن نعبر عن هذا الرأي في صورة قرار تصدره الهيئة، وأقترح أن يكون القرار بالنص الآتي:
يعلن المجتمعون هنا أنهم يعتبرون الدكتور ستوكمان مفتش صحة الحمامات عدوا للشعب. (عاصفة من الاستحسان والتصفيق، ويحيط عدة من الناس بالدكتور ويصفرون في وجهه وتكون كاترين وبترا قد نهضتا، ومورتن وإيليف يتضاربان مع بعض التلاميذ الحاضرين من أجل هذا الصفير، ويفرقهم بعض كبار التلاميذ.)
الدكتور (للأفراد الذين يصفرون في وجهه) :
أوه، إنكم مجانين، أقول لكم ...
أسلاكسن (داقا جرسه) :
لا نستطيع أن نستمع لك الآن يا دكتور. نحن على وشك أن نأخذ قرارا رسميا، ولكن سيكون هذا القرار، رعيا لكرامتك، سرا بالكتابة لا علنا بالشفاه. أعندك ورق يا سيد بيلنج؟
بيلنج :
عندي النوعان، الأزرق والأبيض.
أسلاكسن (ذاهبا إليه) :
هذا يكفي الغرض على أتمه. سنسرع في عملنا بهذه الطريقة. قسمه قطعا صغيرة. أجل هكذا (إلى الجمهور)
الأزرق معناه لا، والأبيض معناه نعم، وسأمر أنا نفسي وأجمع الأوراق (يترك بيتر ستوكمان محل الاجتماع ويذهب أسلاكسن وواحد أو اثنان مطوفين في القاعة يتناولون قطع الورق المجموعة في قبعاتهم) .
مواطن أول :
قل لي! ماذا أصاب الدكتور؟ ما معنى هذا كله؟
هوفستاد :
عجبا، ألا ترى أنه صلب متهور؟
مواطن ثان (إلى بيلنج) :
بيلنج، إنك تذهب إلى بيتهم كثيرا ألم تلاحظ أنه يشرب الخمر؟
بيلنج :
علي اللعنة إذا كنت أعرف ماذا أقول، كلما ذهبت وجدت على المائدة خمرا.
مواطن ثالث :
يخيل إلي أنه يفقد صوابه في بعض الأحيان.
مواطن أول :
ترى هل يعرف في أسرته شيء من الجنون؟
بيلنج :
لا أعجب أن يكون ذلك.
مواطن رابع :
لا، لا يخرج الأمر عن حفيظة في قلبه على بعضهم لأمر ما؛ فهو يريد أن ينتقم لنفسه منه.
بيلنج :
أجل، الواقع أنه اقترح زيادة مرتبه منذ عهد قريب ولم ينل هذه الزيادة.
المواطنون (معا) :
آه، إذن فمن السهل أن ندرك السبب.
الرجل السكران (وقد دخل مرة ثالثة بين الجمهور) :
أريد ورقة زرقاء، أريد ... وأريد ورقة بيضاء أيضا.
أصوات :
أهذا هو السكران مرة أخرى؟ أخرجوه.
مورتن كيل (ذاهبا إلى الدكتور ستوكمان) :
ها، أرأيت كيف أدت بك هذه الألاعيب القردية؟
الدكتور :
لقد أديت واجبي.
مورتن كيل :
ما هذا الذي قلته عن المدابغ القائمة في موليدال؟
الدكتور :
لقد سمعتها بوضوح تام. قلت إنها مصدر جميع القاذورات.
مورتن كيل :
ومدبغتي من بينها؟
الدكتور :
مدبغتك لسوء الحظ أشدها أذى.
مورتن كيل :
وهل في نيتك أن تنشر ذلك في الجرائد؟
الدكتور :
لن أخفي شيئا؟
مورتن كيل :
قد يعود عليك من ذلك ضرر بالغ يا ستوكمان (يخرج) .
رجل ضخم (ذاهبا إلى القبطان هورستر بغير اعتداد بالسيدات) :
أنت يا قبطان هورستر تعير منزلك لأعداء الشعب؟
هورستر :
أظن أن لي الحق في أن أصنع بملكي ما أريد يا سيد ويك (Vik) .
الرجل الضخم :
إذن فلن يكون لك اعتراض على أن أصنع بملكي ما صنعت أنت.
هورستر :
ماذا تعني بذلك يا سيدي؟
الرجل الضخم :
ستسمع مني جواب ذلك في الصباح (يدور على عقبه وينصرف) .
بترا :
أليس هذا الرجل صاحب السفينة، يا قبطان هورستر؟
هورستر :
أجل، هذا هو السيد ويك صاحب السفينة.
أسلاكسن (ومعه أوراق التصويت في يديه. يصعد المنصة ويدق جرسه) :
أيها السادة اسمحوا لي بإعلان النتيجة، بأصوات جميع الحاضرين هنا ما عدا واحدا.
أحد الشبان :
هذا صوت الرجل السكران ...
أسلاكسن :
بأصوات جميع الحاضرين هنا ما عدا رجلا سكران يعلن هذا الاجتماع قراره بأن الدكتور توماس ستوكمان عدو للشعب (صياح وتصفيق)
مرحى ثلاث مرات لمجتمعنا القديم الشريف (تصفيق مجدد)
مرحى ثلاث مرات لعمدتنا النشيط الذي أخمد لولائه العميق صوت عواطف القرابة. (هتاف)
انفض الاجتماع (ينزل) .
بيلنج :
مرحى ثلاث مرات للرئيس!
الجمهور برمته :
مرحى ثلاث مرات لأسلاكسن.
الدكتور :
قبعتي ومعطفي يا بترا، يا حضرة القبطان، هل عندك في السفينة مكان لراحلين إلى أرض الدنيا الجديدة.
هورستر :
لك ولذويك نفسح المكان يا دكتور.
الدكتور (حين تساعده بترا على ارتداء معطفه) :
حسن. تعالي يا كاترين. تعالوا يا أولاد.
كاترين (بصوت منخفض) :
توماس عزيزي، دعنا نذهب من الطريق الخلفي.
الدكتور :
لا ألجأ إلى الطرق الخلفية يا كاترين (رافعا صوته)
ستسمعون أكثر مما سمعتم عن عدو الشعب هذا، قبل أن ينفض تراب نعليه عليكم! لست عفوا كبعض الأشخاص فلا أقول: إني أعفو عنكم، لأنكم لا تعرفون ما أنتم فاعلون.
أسلاكسن (صائحا) :
في هذه المقارنة تجديف يا دكتور ستوكمان.
بيلنج :
إنها تجديف وربي! ومن الكفر أن يستمع لها رجل تقي ...
صوت خشن :
يتهددنا الآن هو! يتهددنا!
أصوات أخرى :
هلم بنا نذهب ونكسر نوافذ بيته، ونغطه في الخليج.
صوت آخر :
انفخ في البوق يا أيفنسون. بيب. بيب (نفخ في بوق، صفير، وصراخ عال، يخرج الدكتور ستوكمان من القاعة، ومعه عيلته وذلك بأن يفسح لهم هورستر الطريق) .
الجمهور كله (صارخا وراءهم وهم ذاهبون) :
عدو الشعب، عدو الشعب!
بيلنج (وهو يجمع أوراقه) :
علي اللعنة إذا أنا ذهبت لأشرب التودي مع ستوكمان وعيلته الليلة. (يتجمع الجمهور عند باب الخروج ويستمر الضجيج في الخارج، ويسمع صراخهم قائلين: عدو الشعب!)
الفصل الخامس
(
المنظر:
غرفة مطالعة الدكتور ستوكمان، ترى خزانات الكتب والعينات الجراحية الطبية بجوار الحيطان، وفي المؤخرة باب يؤدي إلى غرفة الجلوس، وفي الحائط الأيمن نافذتان زجاجهما كله مكسور، وقد وضع مكتب الدكتور مثقلا بالكتب والأوراق في وسط الغرفة، والغرفة تبدو عادمة النظام، الوقت صباح، والدكتور لابس بذلة البيت (روب دي شامبر) وخفين (شبشب) وعلى رأسه قبعة التدخين، وتراه مكبا يعبث بمظلة تحت إحدى الخزانات، وبعد قليل يخرج قطعة من الحجر.)
الدكتور (مناديا من باب غرفة الجلوس المفتوح) :
كاترين! وجدت حجرا آخر.
كاترين (من غرفة الجلوس) :
هوه، ستجد عدة أحجار أخر، فيما أرجح.
الدكتور (يضع الحجر فوق كومة أحجار على المنضد) :
سأدخر هذه الأحجار كما تدخر الآثار، سينظر إليها إيليف ومورتن كل يوم، وإذا كبرا ورثاها فيما يرثان من المخلفات، (يعبث تحت إحدى خزانات الكتب)
ألم تذهب - تلك - للشيطان، ما اسمها؟ تلك الفتاة أنت عارفة ... لإحضار الزجاج بعد.
كاترين (داخلة) :
بلى، ولكنه قال إنه لا يدري هل يستطيع الحضور اليوم.
الدكتور :
سترين أنه لا يجرؤ أن يجيء.
كاترين :
أجل، هذا بعينه ما قدرته راندين، إنه لا يجرؤ على الحضور خوفا من جيرانه (تنادي في غرفة الجلوس)
ماذا تريدين يا راندين؟ أعطينيه (تذهب داخلة في غرفة الجلوس وتعود على الفور)
هذا خطاب لك يا توماس.
الدكتور :
دعيني أراه (يفتحه ويقرأه)
ها هو ذا، بالطبع.
كاترين :
ممن هو؟
الدكتور :
من صاحب الملك. إنذار بالإخلاء.
كاترين :
أهذا ممكن، مثل هذا الرجل اللطيف ...
الدكتور (ناظرا في الخطاب) :
لا يجرؤ أن يفعل غير هذا، هذا ما يقوله. إنه لا يحب ما يفعل، ولكنه لا يجرؤ أن يفعل غير ذلك، حذرا من إخوانه في الوطن؛ مراعاة للرأي العام. إنه في مركز ذي صلات، ولا يملك أن يغضب بعض ذوي النفوذ.
كاترين :
ها أنت ذا ترى يا توماس ...
الدكتور :
نعم، نعم أرى حق الرؤية، الجميع في البلدة برمتها جبناء ليس فيهم رجل واحد يقوى على عمل شيء خشية غيره. (يلقي الخطاب على المكتب )
ولكن هذا لا يهمنا يا كاترين نحن مبحرون عن هذه الأرض إلى الدنيا الجديدة و...
كاترين :
ولكن يا توماس، أأنت واثق أننا على صواب في هذا الرأي؟
الدكتور :
أتعنين أنه يجب علي أن أبقى هنا، حيث شهروا بي ووسموني بأني عدو للشعب، وكسروا نوافذ داري، وإليك فانظري هنا يا كاترين ... إنهم أحدثوا مزقا كبيرا في بنطلوني الأسود أيضا.
كاترين :
ويحي! أهذا أحسن بنطلون عندك؟
الدكتور :
لا يصح لك أن تلبسي أحسن بنطلون عندك عندما تخرجين للقتال في سبيل الحرية والحق، ليس ذا لأنه يهمني الحرص على البنطلون - كما تعلمين - فإن من السهل أن تخيطيه لي وتعيديه سيرته الأولى، وإنما كون القطيع العام يجرؤ أن يبغي علي هذا البغي، كأنما هم نظرائي، هذا ما لا أستطيع تحمله، ولو كان في ذلك حياتي.
كاترين :
لا شك أنهم أساءوا إليك إساءة سمجة يا توماس، ولكن أهذا سبب يكفي لتركنا وطننا تركا باتا؟
الدكتور :
أترين أننا إذا ذهبنا إلى بلدة أخرى لم نجد العامة بها وقحاء كما هم هنا؟ ثقي أنه لا فرق بينهم مما يؤثر به فريق على فريق، أو - لا بأس، دعي الكلاب تنبح - ليس هذا أسوأ ما في الأمر. أسوأه أنه لا يوجد رجل في هذا القطر من طرفه إلى طرفه الآخر إلا وهو عبد لحزبه، وإن أكن أعتقد أن الحال في هذا الصدد ليس خيرا من هذا في بلاد الغرب الحرة. فأكبر الظن أن الغالبية المتراصة هناك، والرأي العام الحر، وكل ما يتضمن ذلك الكشكول القديم من الزور والأكاذيب، على مثل ما هي عليه هنا من الذيوع والانتشار. ولكن الأمور هناك تجري على نطاق واسع. قد يقتلونك هناك، ولكنهم لا يعملون على موتك بالتعذيب البطيء. هناك لا يعتصرون روح الرجل الحر في المقطرة كما يفعلون هنا. وقد يستطيع الرجل أن يعيش في عزلة إذا هو أراد ذلك. (يتمشى ذهابا وجيئة)
لو أنني أعرف غابة عذراء أو جزيرة صغيرة في البحر الجنوبي معروضة للبيع بثمن رخيص ...
كاترين :
ولكن فكر في الأولاد يا توماس!
الدكتور (يقف ساكنا) :
إنك امرأة عجيبة يا كاترين. أتؤثرين أن يشب الأولاد في مجتمع كهذا المجتمع؟ لقد رأيت بعينيك ليلة الأمس أن نصف سكان هذه البلدة قد فقدوا عقولهم. وإذا لم يكن النصف الآخر قد فقدوا عقولهم، فذلك لأنهم من العجماوات، ليس لهم من العقل شيء يفقد.
كاترين :
ولكن يا عزيزي توماس إن الأمور الخالية من الروية التي قلتها بالأمس، كان لها كما تدري يد فيما جرى.
الدكتور :
جرى! كيف؟ ألم يكن ما قلته صدقا صريحا؟ ألم يقبلوا كل فكرة على وجهها؟ ألم يصنعوا من الحق والباطل خبيصة معصدة؟ ألم يقولوا عما أعرف أنه حق، إنه أكاذيب؟ وأبلغ ما في الأمر من الحق كون أولئك الذين يسمون أنفسهم أحرارا، أولئك الرجال البالغين، يسيرون في البلدة جموعا وهم يتصورون أنهم أهل العقول الراجحة السمحة، أسمعت بمثل ذلك يا كاترين؟
كاترين :
أجل أجل. ما أشد حمقهم في ذلك! حقا ولكن ... (بترا تدخل آتية من غرفة الجلوس)
عدت من المدرسة في هذا الوقت المبكر؟
بترا :
أجل، أعطوني إنذارا بالعزل.
كاترين :
بالعزل؟!
الدكتور :
أنت أيضا؟
بترا :
أعطتني السيدة باسك الإنذار. ولذلك رأيت أن أترك المكان على الفور.
الدكتور :
لقد أحسنت أنت أيضا.
كاترين :
من كان يظن أن السيدة باسك أمرأة من هذا الطراز!
بترا :
لا يا أمي ليست السيدة باسك من ذلك الطراز بتاتا، فلقد رأيت بعيني كيف أنها كانت متألمة لما جرى. ولكنها كما قالت لم تجرؤ أن تفعل غير ذلك. ولذلك طردتني.
الدكتور (ضاحكا وماسحا يديه إحداهما بالأخرى) :
لم تجرؤ أن تفعل غير ذلك! هي أيضا، أوه، هذا شيء لذيذ!
كاترين :
نعم، بعد تلك المشاهد المخيفة التي وقعت ليلة أمس.
بترا :
لم يقتصر الأمر على ذلك إليك يا والدي، استمع.
الدكتور :
ماذا؟
بترا :
أطلعتني السيدة باسك على ما لا يقل عن ثلاث رسائل وصلت إليها هذا الصباح.
الدكتور :
غفل لا توقيع عليها فيما أظن.
بترا :
نعم.
الدكتور :
نعم، لأنهم لم يجرءوا أن يخاطروا بإمضاءاتهم يا كاترين.
بترا :
ومنها خطابان فحواهما أن رجلا كان ضيفا علينا، سمعوه ليلة الأمس يعلن في الناس أن آرائي في كثير من المسائل طليقة من كل قيد.
الدكتور :
وأنت لم تنكري ذلك طبعا؟
بترا :
أنت تدري أن هذا محال، آراء السيدة باسك طليقة هي أيضا إلى حد ما، عندما نكون على انفراد، أما الآن وقد ذاع هذا الرأي عني فإنها لم تجرؤ أن تستبقيني بعد ذلك.
كاترين :
وهذا من واحد كان ضيفا من ضيوفنا أمس، هذا يريك ما تناله من الجزاء على كرمك يا توماس.
الدكتور :
لن نعيش بعد اليوم في هذا الجحر القذر. اجمعي أشياء المنزل بأسرع ما تستطيعين يا كاترين، كلما عجلنا بالرحيل كان أحسن لنا.
كاترين :
اسمع، يخيل إلى أني أسمع أحدا في البهو، انظري من هو يا بترا.
بترا (فاتحة الباب) :
أوه، هذا أنت يا قبطان هورستر تفضل بالدخول.
هورستر (داخلا) :
سعد صباحكم، رأيت أن آتي وأرى كيف حالكم في هذا الصباح؟
الدكتور (هازا يده) :
شكرا، هذا كرم منك.
كاترين :
وشكرا لك أيضا على مساعدتك إيانا في اختراق الجمهور يا قبطان هورستر.
بترا :
كيف أمكنك أن تعود إلى منزلك بعد ذلك؟
هورستر :
لم يكن في ذلك صعوبة، إني قوي نوعا ما كما تعلمين، وأولئك الناس ينبحون ولا يعضون.
الدكتور :
أجل، أليس جبن هؤلاء الخنازير مدهشا؟ انظر سأريك شيئا، هناك كل الأحجار التي ألقوها في نوافذ بيتي، انظر وتمعن فيها. أراهن برقبتي على أنه لا يوجد في هذه الكومة حجران في حجم وجيه، أما سائر الأحجار فليست إلا حصى، هنات صغيرة حقيرة ومع ذلك فقد وقفوا في الخارج ينبحون ويتوعدون بالأذى، أما الفعل فإنك لا ترى منه شيئا كثيرا في هذا البلد.
هورستر :
من حسن حظك هذه المرة يا دكتور.
الدكتور :
فعلا، ولكنه يثير غضب الإنسان على كل حال لأنه إذا حدث ذات يوم ما يستدعي جهادا قوميا جديا، رأيت الرأي العام في جانب الفرار، وترى الغالبية المتراصة قد أدارت ظهورها وأذنابها كقطيع من الأغنام، يا قبطان هورستر، هذا ما تأسى له النفس . يشغل بالي كثيرا أن ... كلا، خسئت! من المضحك أن أهتم بذلك. لقد سموني عدو الشعب، إذن فلأكن عدوا للشعب حقا.
كاترين :
لن تكون كذلك يا توماس.
الدكتور :
لا تقسمي على ذلك يا كاترين. قد يكون لإطلاق تسمية قبيحة على الإنسان من الأثر فيه ما يكون لوخز الإبرة في الرئة، وهذا النعت الكريه لا يمكن أن أبرأ منه، إنه لاصق هنا في نقرة أحشائي يفري مني كالحامض الأكال. ولن تستطيع أية مغنيسيا أن تزيله.
بترا :
هون عليك، أجدر بك أن تضحك منهم يا دكتور.
هورستر :
سيغيرون رأيهم يوما ما يا دكتور.
كاترين :
نعم يا توماس، هذا أمر مؤكد، كتأكدي من أنك واقف هنا.
الدكتور :
ربما حصل ذلك بعد فوات الأوان. وقد يكون في ذلك فائدة لهم. سيخوضون في أقذارهم يومئذ ويذمون اليوم الذي دفعوا فيه بوطني مثلي إلى المنفى، متى تسافر يا قبطان هورستر؟
هورستر (يهمهم) :
هممم، هذا في الواقع ما جئت أتكلم معك في شأنه.
الدكتور :
لم؟ هل حدث للسفينة ...؟
هورستر :
كلا، وإنما الذي حدث أني لن أسافر فيها.
بترا :
أتعني أنك عزلت من قيادتها؟
هورستر (باسما) :
نعم، هذا ما قد حدث فعلا.
كاترين :
إليك يا توماس، أترى؟!
الدكتور :
وهذا من أجل الحق، آه، لو أنني عرفت إمكان حصول ذلك.
هورستر :
لا تأس لهذا، إني واثق أني سأجد عملا عند أحد أصحاب السفن في جهة أخرى.
الدكتور :
وهذا هو ويك، الرجل الغني المستقل عن كل إنسان وكل شيء! قبح الرجل!
هورستر :
إنه في الواقع رجل خير، وقد قال لي هو نفسه إنه كان يسره أن يستبقيني لو أنه يقوى أن ...
الدكتور :
ولكنه لا يجرؤ، لا، لا، بالطبع!
هورستر :
قال: ليس هينا على رجل حزبي أن ...
الدكتور :
لقد نطق الرجل بالصواب، الحزب أشبه بمفرمة اللحم تهرس كل أنواع الرءوس معا؛ السمين منها والهزيل، وتجعلها كلها خبيصة واحدة.
كاترين :
وي! وي! يا عزيزي توماس.
بترا (إلى هورستر) :
لو أنك لم تصحبنا إلى المنزل لما انتهى الأمر إلى ذلك.
هورستر :
لست آسفا على ذلك.
بترا (تقدم يدها إليه تحية) :
شكرا لك على هذا!
هورستر (للدكتور) :
ولذا فإن الذي أتيت إليكم من أجله هو هذا: إذا كنتم قد عزمتم على الرحيل فقد فكرت في خطة أخرى.
الدكتور :
حسن جدا، لو أننا نستطيع أن نرحل على الفور.
كاترين :
س، س. أليس الباب يقرع؟
بترا :
إنه عمي ولا شك.
الدكتور :
آها، (بصوت عال)
ادخل!
كاترين :
يا عزيزي توماس عدني وعدا قاطعا. (يدخل بيتر من البهو.)
بيتر :
أوه، أنت مشغول، لذلك فإني ...
الدكتور :
لا، لا، ادخل.
بيتر :
ولكني أردت أن أتكلم معك على انفراد.
كاترين :
سنذهب نحن أثناء ذلك إلى غرفة الجلوس.
هورستر :
وسأعود إليكم بعد فترة.
الدكتور :
لا، لا، ادخل هناك معهما يا قبطان هورستر، أريد أن أقف أكثر على ...
هورستر :
لا بأس، سأنتظر إذن (يلحق بكاترين وبترا خارجا إلى غرفة الجلوس) .
الدكتور :
لا بد أنك تشعر بتيارات هوائية في هذا المكان الليلة، البس القبعة.
بيتر :
شكرا لك، إذا استطعت. (يلبس القبعة)
أظن أني أصبت بردا ليلة الأمس. لقد شعرت بقشعريرة وأنا واقف هناك.
الدكتور :
حقا؟ لقد كانت فيما وجدت دفيئة جدا.
بيتر :
إني لآسف أني لم أستطع أن أمنع مظاهر التطرف التي بدت ليلة أمس.
الدكتور :
هل عندك شيء آخر ذو أهمية خاصة تتحدث عنه خلاف ذلك.
بيتر (يخرج خطابا كبيرا من جيبه) :
عندي لك هذه الوثيقة من لجنة الحمامات.
الدكتور :
وثيقة عزلي؟
بيتر :
أجل، ابتداء من اليوم (يضع الخطاب على المنضد)
يؤلمنا أن نفعل ذلك. ولكن إذا نحن تكلمنا بصراحة، لم نجرؤ أن نفعل غير ذلك حذر الرأي العام.
الدكتور (باسما) :
لم تجرءوا، يظهر أني سمعت هذه الكلمة اليوم مرارا.
بيتر :
لا بد لي أن أرجو منك أن تتبين حالتك بوضوح. لا يصح لك أن تعتمد في المستقبل على شغلك الحر في البلدة.
الدكتور :
ليذهب الشيطان بالشغل الحر، ولكن كيف تأكدت من ذلك؟
بيتر :
إن جماعة أرباب المساكن كتبوا نشرة بأسماء جميع السكان لتمريرها من بيت لبيت. وقد أهابوا في النشرة بكل صحيح الوجدان من المواطنين أن لا يستشيرك أو يلجأ إليك، وأؤكد لك ليس بين أصحاب العيلات فرد واحد يرفض التوقيع على النشرة بالإذعان؛ إنهم لا يجرءون.
الدكتور :
فعلا، فعلا. لا شك في ذلك، ثم ماذا؟
بيتر :
إذا كان لي أن أنصحك فإني أرى أن تهجر البلدة مدة قليلة.
الدكتور :
نعم، لقد بدا صواب ترك البلدة فعلا.
بيتر :
حسن. وإذا مضى عليك ستة أشهر تكون فيها قد فكرت في الأمور مرة أخرى وتدبرتها بالعقل الناضج، فأقنع نفسك بكتابة بضع كلمات أسف، تقر فيها بخطئك.
الدكتور :
وبهذا أسترد وظيفتي، تعني ذلك؟
بيتر :
ربما، ليس هذا مستحيلا قطعا.
الدكتور :
ولكن ما قولك في الرأي العام يومئذ؟ حقا إنكم لا تجرءون يومئذ أن تعيدوني إلى وظيفتي رعيا للشعور العام.
بيتر :
الرأي العام شيء قلب حول بدرجة عظيمة. وأصارحك القول إنه يهمنا جدا أن يكون لدينا مثل هذا التصريح منك كتابة.
الدكتور :
إذن فهذا ما أنت وراءه؛ اسمح لي أن أتعبك قليلا في تذكر ما سبق لي أن قلته لك منذ عهد قريب عن الحيل الثعلبية التي من هذا القبيل.
بيتر :
كان مركزك يختلف يومئذ عما أنت فيه اليوم تمام الاختلاف. ولقد كنت يومئذ على حق في تصور أن البلدة كلها وراء ظهرك.
الدكتور :
والآن أجد جميع البلدة فوق ظهري (منتفضا إباء)
لا أفعل ذلك ولو كان الشيطان وامرأته فوق ظهري، محال، محال. أؤكد لك.
بيتر :
ليس لرجل مثلك ذي عيلة أن يسلك هذا المسلك، ليس لك حق أن تفعل ذلك يا توماس.
الدكتور :
ليس لي حق! ليس في الدنيا من شيء لا حق للإنسان الحر أن يفعله إلا أمر واحد، أتعرف ما هو؟
بيتر :
كلا ...
الدكتور :
بالطبع أنت لا تعرفه ولكني سأذكره لك. ليس للرجل الشريف أن يلوث نفسه بالقذر؛ ليس له الحق في أن يسير في هذه الحياة سيرا يلزمه أن يبصق في وجه نفسه.
بيتر :
يطن هذا النوع من الكلام طنين الاستحسان العظيم، نعم، وإذا لم يكن هناك إلا هذا تعليلا لعنادك ... ولكن الواقع أنه يوجد.
الدكتور :
ماذا تعني؟
بيتر :
أنت مدرك معناي تمام الإدراك، ولكني كأخ لك، وكرجل حصيف أنصحك أن لا تعول كثيرا على الآمال، أو تركن إلى المطامح فإنها قد تكذبك وتخيب قصدك.
الدكتور :
ليت شعري فيم كل هذا؟
بيتر :
أتريدني حقا على أن أظن أنك تجهل وصية السيد مورتن كيل.
الدكتور :
إني أعرف أن القدر القليل الذي يملكه مقدر أن يعطى إلى ملجأ العجزة والمعوزين من العمال. وماذا في هذا مما يهمني؟!
بيتر :
أولا، ليس المال الذي نحن في صدده قليلا، السيد مورتن كيل رجل يعد غنيا.
الدكتور :
ليس عندي خبر عن ذلك.
بيتر (يهمهم) :
هممم، ألم يكن عندك حقا، إذن فلعلك لا تدري أيضا أن قسطا عظيما من ثروته مكتوب لأولادك، وأن لك ولامرأتك ربح رأس المال طول حياتكما. ألم يسبق له أن ذكر لك هذا؟
الدكتور :
لا وشرفي، الأمر على العكس، إنه لم ينقطع عن أن يصعد دخان التأفف من أنه مثقل بالضرائب، ولكن أأنت واثق من ذلك يا بيتر تمام الثقة؟
بيتر :
أعرف الأمر من مصدر لا شك عندي في صدقه.
الدكتور :
إذن فالشكر لله. لقد ضمنت معيشة كاترين والأولاد كذلك. لا بد لي أن أطلعها على ذلك من فوري (ينادي)
كاترين، كاترين ...
بيتر (يمانعه) :
هش، لا تقل لها الآن شيئا.
كاترين (فاتحة الباب) :
ما الخبر؟
الدكتور :
لا شيء. لا شيء، لا بأس، عودي (تقفل كاترين الباب ويمشي الدكتور في الغرفة في اضطراب)
ضمان العيش، قدر هذا الحال، عيشنا جميعا مضمون، وذلك طول الحياة، ما أشد سعادة الإنسان بمعرفة أن عيشه مضمون له!
بيتر :
أجل، ولكن هذا بالتحقيق ما لست فيه، في إمكان السيد مورتن كيل أن يغير وصيته أي يوم يريد!
الدكتور :
ولكنه لن يفعل ذلك، يا عزيزي بيتر، إن أليغر مرتاح تمام الارتياح، لحملتي عليك وعلى إخوانك الراشدين.
بيتر (يؤخذ وينظر إليه متمعنا) :
آه، هذا يلقي نورا ويكشف لي كثيرا من الأمور.
الدكتور :
أية أمور؟
بيتر :
أرى الآن أن المسألة برمتها مؤامرة بينك وبينه. هذه الحملات العنيفة الحمقاء التي طالعت بها قادة البلد تحت ستار الحق ...
الدكتور :
ما لها؟
بيتر :
أرى أنها لم تكن إلا العوض المشروط في مقابل ما تضمنته وصية ذلك الرجل الضغين.
الدكتور (وهو يكاد يكون مقطوع الأنفاس) :
بيتر، أنت أقبح عامي لقيته في حياتي برمتها.
بيتر :
لقد انتهى كل شيء بيننا الآن، إن عزلك لا مرد له ... في يدنا اليوم سلاح ضدك. (يخرج) .
الدكتور :
قبحا لك! قبحا لك! (ينادي)
كاترين، امسحي البلاط وراءه، دعي - ما اسمها - خسئت، البنت التي على أنفها هباب دائما.
كاترين (في غرفة الاستقبال) :
هس توماس، أمسك.
بترا (آتية إلى الباب) :
أبي، جدي هنا، يتساءل هل يستطيع أن يلقاك على انفراد؟
الدكتور :
نعم (ذاهبا إلى الباب)
ادخل يا سيد كيل (يدخل مورتن كيل، ويقفل الدكتور باب الغرفة وراءه)
ماذا أستطيع فعله لك؟ ألا تجلس؟
كيل :
لا أريد الجلوس (يلتفت حوله)
أراك على راحة تامة اليوم هنا، يا توماس.
الدكتور :
نعم، أليس كذلك؟
كيل :
تمام الراحة، قدر وافر من الهواء النقي، فيما أعتقد. عندكم اليوم كثير من ذلك الأوكسيجين الذي كنت تتكلم عنه ليلة أمس. لا بد أن يكون ضميرك اليوم رائقا جدا ولا مراء.
الدكتور :
بلا شك.
كيل :
هذا ما أعتقد (يقرع صدره)
أتعرف ما الذي هنا؟
الدكتور :
ضمير رائق أيضا فيما أؤمل.
كيل :
ها، لا، شيء أفضل من هذا (يخرج من جيب صدره دفترا سميكا ويفتحه ويظهر منه ربطة من الورق) .
الدكتور (ناظرا إليه بدهشة) :
سهوم في الحمامات؟
كيل :
لم يكن من الصعب الحصول عليها اليوم.
الدكتور :
وقد كنت تشتري ...؟
كيل :
أكثر ما كنت أستطيع دفع ثمنه ...
الدكتور :
ولكن يا عزيزي كيل، فكر في حالة الحمامات.
كيل :
إذا أنت سلكت في الأمر مسلك رجل رشيد فإن في استطاعتك ردها سيرتها الأولى.
الدكتور :
لقد رأيت بعينك أنني بذلت كل جهدي ولكن إنهم جميعا مجانين في هذه البلدة.
كيل :
قلت أمس إن أكبر الشر في ذلك التلويث متأت من مدبغتي، فإذا كان الأمر كذلك، فلا بد أن جدي وأبي وأنا منذ عهد بعيد كنا نسم البلدة، كأننا ثلاثة ملائكة موكلين بالهلاك. أتظن أني سأصبر على هذه التهمة؟
الدكتور :
أشفق لسوء الحظ أن هذا ما لا بد لك منه.
كيل :
لا يا سيدي. شكرا لك، إني أغار على اسمي وسمعتي. يقولون إنهم يسمونني «أليغر» وهي نوع من الخنزير، ولكني لا أريد أن أعطيهم الحق في تسميتي بذلك، إني أريد أن أعيش رجلا نظيف اليد، وأن أموت كذلك.
الدكتور :
وكيف تستطيع ذلك؟
كيل :
عليك أن تنظفني يا توماس.
الدكتور :
أنا!
كيل :
أتعرف بأي قدر من المال اشتريت هذه السهوم، كلا. إنك لا تستطيع بالطبع أن تعرف، ولكني سأخبرك. إنه المال الذي تصيبه كاترين وبترا والولدان حين أقضي نحبي؛ لأني استطعت كما تعرف أن أدخر بعض الشيء.
الدكتور (ذهابا) :
وأنت ذهبت فأخذت مال كاترين من أجل هذا.
كيل :
أجل. جميع المال موظف في الحمامات. والآن أريد أن أعرف هل أنت أحمق حمقا صريحا يا توماس؟ فإذا أصررت على رأيك أن تلك الحيوانات وغيرها من الهنات القذرة التي من هذا القبيل، ناشئة من مدبغتي، فكأنما أنت تسلخ من جلد كاترين وبترا والولدين سلخة كبيرة، ولا يفعل أحد هذا الفعل إلا إذا كان مجنونا.
الدكتور (متمشيا) :
حقا، ولكني مجنون، أنا مجنون!
كيل :
لا يمكن أن تكون عند هذه الدرجة البالغة من الجنون، وأنت في صدد أولادك وامرأتك.
الدكتور (يقف ساكنا أمامه) :
ولماذا لم تستشرني في الأمر قبل أن تذهب وتشتري كل هذه الأوراق الوسخة.
كيل :
ما أبرم لا ينقض.
الدكتور (يتمشى وهو ثائر النفس) :
لو أنني لم أكن متأكدا من الأمر! ولكني مقتنع تمام الاقتناع أني على صواب.
كيل (وازنا الدفتر في يده) :
إذا تمسكت برأيك الأحمق، فلن يكون لكل هذا الورق أدنى قيمة، كما تدري (يضع الدفتر في جيبه) .
الدكتور :
ولكن ... خسئت، قد يكون في طاقة العلم استنباط دواء واق، أو ترياق من نوع ما ...
كيل :
لقتل تلك الحيوانات تعني؟
الدكتور :
أجل ليجعلها غير مضرة.
كيل :
ألا يمكن أن تجرب سم الفأر؟
الدكتور :
لا تتكلم كلاما فارغا. كلهم يقولون إن المسألة كلها أوهام إذن فلتكن كذلك، وليتصرفوا فيها على هواهم. ألم يسمني أولئك الكلاب الجهلة الضيقة العقل، عدو الشعب؟ ثم ألم يكونوا على وشك أن يمزقوا ثيابي عن ظهري أيضا؟
كيل :
ويكسروا نوافذ بيتك كلها.
الدكتور :
وبجوار ذلك يقف واجبي حيال عيلتي. لا بد أن أتكلم في الأمر مع كاترين. إنها سديدة الرأي في هذه المسائل.
كيل :
هذا في محله. اهتد دائما بنصيحة المرأة الرشيدة.
الدكتور (متقدما نحوه) :
كلما فكرت في أنك تقدم على هذا العمل الأحمق إذ تخاطر بأموال كاترين بهذه الطريقة، وتضعني في هذه الحيرة المؤلمة الشنيعة! عندما أنظر إلى المسألة يخيل إلي أني أرى الشيطان بعينه.
كيل :
إذن فخير لي أن أنصرف. ولكن لا بد أن يصلني منك رد قبل الساعة الثانية، إما نعم أو لا، فإن كان لا ذهبت السهوم إلى جهات الإحسان ويكون ذهابها في هذا اليوم نفسه.
الدكتور :
وماذا تأخذ كاترين؟
كيل :
ولا فلسا واحدا (ينفتح الباب المؤدي إلى البهو ويبدو هوفستاد وأسلاكسن)
انظر إلى هذين الاثنين.
الدكتور (محملقا فيهما) :
يا للشيطان! ألكما وجه تجيئان به إلى بيتي؟!
هوفستاد :
نعم.
أسلاكسن :
لدينا شيء نقوله لك.
كيل (همسا) :
نعم أو لا قبل الساعة الثانية.
أسلاكسن (ناظرا إلى هوفستاد) :
آها! (مورتن كيل يخرج) .
الدكتور :
نعم! ماذا تريدان مني، أوجزا.
هوفستاد :
إني أرى وجه غضبك علينا لموقفنا في الاجتماع ليلة أمس.
الدكتور :
موقفكما! تسميانه موقفا. نعم لقد كان موقفا ساخرا، إني أسميه موقفا خاسرا نسويا، مزريا إلى حد يستوجب اللعنة.
هوفستاد :
سمه ما شئت. لم نكن نستطيع أن نفعل غير ذلك.
الدكتور :
لم تجرؤا أن تفعلا غير ذلك، أليس هذا هو الواقع؟
هوفستاد :
إذا أردت أن تعبر عنه بهذا التعبير ...
أسلاكسن :
ولكن لماذا لم تعطنا خبرا عن هذا من قبل؟ إشارة تلميح بسيطة إلى السيد هوفستاد أو إلي.
الدكتور :
إشارة تلميح إلى ماذا؟
أسلاكسن :
إلى ما هو وراء كل هذه المسألة.
الدكتور :
لست أفهم ما تعني بتاتا.
أسلاكسن (يحني رأسه إحناء الواثق) :
بل إنك تفهمه يا دكتور ستوكمان.
هوفستاد :
لم تعد هناك فائدة من كتمان الأمر.
الدكتور (ناظرا مرة إلى أحدهما وأخرى إلى الآخر) :
يا للشيطان ماذا تعنيان كلاكما؟
أسلاكسن :
أتسمح لي أن أسألك أليس حموك مطوفا في البلد يشتري كل سهوم الحمامات؟
الدكتور :
بلى، لقد كان يشتري اليوم سهوما من سهوم الحمامات ولكن ...
أسلاكسن :
كان أحكم لو أنه كلف غيره شراءها، شخصا قرابته منك أبعد من قرابته.
هوفستاد :
وكان يجب أن لا يظهر اسمك في المسألة. ما كانت هناك ضرورة لأن يعرف الناس أنك أنت صاحب الحملة الموجهة إلى الحمامات. كان يحسن بك أن تستشيرني يا دكتور.
الدكتور (ناظرا أمامه، ثم كأنما أشرق عليه نور فيقول في ذهول) :
أمثل هذه الأمور مما يمكن إدراكه؟ أمثل هذه الأمور ممكنة الحدوث؟
أسلاكسن (بابتسامة) :
يظهر أنها كذلك، ولكن يحسن أن يستعمل الإنسان فيها شيئا من اللباقة.
هوفستاد :
ويحسن جدا أن يكون في مثل هذه الأمور أشخاص متعددون؛ لأن التبعة التي تقع على عاتق كل واحد منهم تخف عندما يكون معه غيره!
الدكتور (وقد استجمع نفسه) :
الخلاصة يا سادة، ماذا تريدون؟
أسلاكسن :
لعله يحسن أن السيد هوفستاد ...
هوفستاد :
كلا، خبره أنت يا أسلاكسن.
أسلاكسن :
نعم، الواقع أننا نرى - وقد عرفنا القصد الذي وراء المسألة برمتها - أن نجرؤ فنضع جريدة «رسول الشعب» في خدمتك.
الدكتور :
أتجرءون أن تفعلوا ذلك الآن؟ وماذا تصنعون بالرأي العام؟ ألا تخشون أن تسقط الصواعق على رءوسنا؟
هوفستاد :
سنحاول أن نردها عنا.
أسلاكسن :
ويجب أن تكون مستعدا لأن تولي وجهك شطر ناحية أخرى يا دكتور، فمتى تبينت أن طعنتك أصابت الكبد ...
الدكتور :
تعني أنه عندما أكون أنا وحماي قد وضعنا يدنا على سهوم الحمامات بأبخس ثمن ...
هوفستاد :
أفهم أن ما دعاك إلى المطالبة بجعل رقابة الحمامات في يدك، أسباب في جوهرها علمية بحتة.
الدكتور :
بالطبع؛ لم يكن إلا لأسباب علمية إقناعي الخنزير العجوز أن يقف إلى جانبي في هذه المسألة، على أن نعود فنجري شيئا من أعمال السمكرة في أنابيب المياه، ونقوم بشيء من أعمال الحفر في الشاطئ، وينتهي الأمر دون أن نتكلف عند ذلك قرشا، أترون هذا يكفي؟
هوفستاد :
أظن ذلك، إذا وقفت الجريدة من ورائك تشد أزرك.
أسلاكسن :
الصحافة في البلد الحر قوة عظيمة يا دكتور.
الدكتور :
نعم، في الواقع، وكذلك الرأي العام، وأنت يا سيد أسلاكسن فيما أرى تتحمل مواجهة جماعة أرباب المساكن؟
أسلاكسن :
جماعة أرباب المساكن، وجمعية الاعتدال في تعاطي المسكر، اعتمد علي في ذلك.
الدكتور :
ولكن يا سادة، في الواقع أنا خجل أن أسأل، أي مقابل ترون أن ...
هوفستاد :
كنا نفضل أن نساعدك بلا مقابل بتاتا. صدقني يا دكتور، ولكن جريدة «رسول الشعب» في حالة متداعية. فهي غير سائرة كما يجب. ولا أطيق أن أقطع الجريدة عن الظهور في هذه الأيام التي تتطلب فيها الحالة السياسية جهدا كبيرا.
الدكتور :
نعم، نعم، قطعها يكون في الواقع مؤلما لنفس رجل مثلك، محب للشعب (يهب في وجهه)
أما أنا فعدو للشعب، تذكر ذلك، (يتمشى في الغرفة)
أين وضعت عصاي؟ أين، للشيطان، عصاي؟
هوفستاد :
ما هذا ...
أسلاكسن :
حقا إنك لا تعني أن ...
الدكتور (يقف ساكنا) :
وإذا أنا لم أعطكم فلسا واحدا مما أستفيده من هذه المسألة؟ ليس من السهل الحصول على نقود منا نحن الأغنياء، تذكروا ذلك من فضلكم!
هوفستاد :
وأنت من فضلك تذكر أن مسألة الحمامات ممكن عرضها في صورتين مختلفتين.
الدكتور :
نعم، وأنت عين الرجل الذي يستطيع ذلك. فإذا أنا لم أبادر بإنجاد رسول الشعب فإنك لا شك تلمح وجه السوء من المسألة وتطاردني، هذا ما أتصوره، وتقتفي أثري، وتحاول أن تخنقني كما يخنق الكلب أرنبا.
هوفستاد :
هكذا حال الدنيا وشرعتها، توجب على كل حيوان أن يجاهد في سبيل عيشه.
أسلاكسن :
ويحصل على طعامه من حيث قدر.
الدكتور (متمشيا في الغرفة) :
إذن فاذهبوا وابحثوا عن طعامكم في مجاري المراحيض، لأني سأريكم أنني الحيوان الأقوى، (يجد مظلته فيرفعها فوق رأسه ويهزها)
آه، الآن.
هوفستاد :
لا تعني بالطبع أن تستعمل العنف معنا.
أسلاكسن :
احذر ما أنت صانع بهذه المظلة .
الدكتور :
اخرج من النافذة، يا سيد هوفستاد.
هوفستاد (عند الباب) :
أأنت مجنون؟
الدكتور :
من النافذة! يا سيد أسلاكسن، اقفز أقول لك. لا بد لك من ذلك عاجلا أو آجلا.
أسلاكسن (جاريا وراء منضد الكتابة) :
الاعتدال يا دكتور إني رجل ضعيف لا قدرة لي على تحمل ... النجدة! النجدة! (تدخل كاترين وبترا وهورستر من غرفة الجلوس.)
كاترين :
يا إلهي! توماس ما هذا؟!
الدكتور (هازا المظلة) :
اقفز إلى الخارج، هلم اقفز، إلى المجاري.
هوفستاد :
هذا اعتداء على رجل لم يسئ! أدعوك للشهادة يا قبطان هورستر. (يخرج مسرعا من البهو) .
أسلاكسن (يتردد) :
لو أنني أعرف الطريق في هذا البيت. (يسترق نفسه ويخرج من غرفة الجلوس.)
كاترين (مانعة زوجها) :
اضبط نفسك يا توماس.
الدكتور (ملقيا المظلة) :
أما وحقي لقد فرا في النهاية.
كاترين :
ماذا كانا يريدان منك؟
الدكتور :
سأخبرك فيما بعد، عندي شيء آخر أفكر الآن فيه (يذهب إلى منضد الكتابة ويكتب شيئا على بطاقة زيارة)
انظري إلى هذا يا كاترين، ماذا كتبت على البطاقة.
كاترين :
كتبت «كلا» بالثلث ثلاث مرات، ما معنى هذا؟
الدكتور :
سأخبرك عن ذلك أيضا فيما بعد (يمد يده بالبطاقة إلى بترا)
إليك يا بترا؛ قولي لذات الوجه المهيب، تجري بهذا إلى أليغر بأسرع ما يمكنها. أسرعي (تأخذ بترا البطاقة وتخرج إلى البهو)
نعم، أظن أني حظيت بزيارة من كل فرد من رسل الشيطان اليوم، ولكني سأرهف قلمي حتى يشعروا بسنه، سأغمسه في السم والمرارة. وسأقرع رءوسهم بدواتي!
كاترين :
نعم، ولكنا راحلون يا توماس عن هذا البلد. (تعود بترا.)
الدكتور :
ها ...
بترا :
لقد انطلقت بها.
الدكتور :
حسن، راحلون؟ هل قلت ذلك؟ كلا، الموت ولا أن نرحل! سنبقى حيث نحن يا كاترين.
بترا :
نبقى هنا؟
كاترين :
هنا في هذه البلدة؟
الدكتور :
نعم هنا؟ هنا ساحة القتال، هذا هو المكان الذي ستجري فيه الموقعة. هذا هو المكان الذي سأحرز فيه النصر. عندما تخيطي بنطلوني سأخرج لأبحث عن بيت آخر، لا بد لنا من سقف فوق رءوسنا يقينا الشتاء.
هورستر :
هذا ميسور في بيتي .
الدكتور :
حقا؟
هورستر :
نعم، على أحسن حال. المكان متسع جدا وأنا قلما نزلت به.
كاترين :
ما أكرم نفسك يا قبطان هورستر!
بترا :
شكرا لك.
الدكتور (قابضا على يد هورستر) :
شكرا، شكرا. هذي متعبة تجاوزناها، يمكنني الآن أن أنصرف إلى العمل على الفور. أمامك عمل لا نهاية له هنا يا كاترين، ولكن من حسن الحظ أن الوقت كله ملكي لأني عزلت من وظيفتي في الحمامات، كما تعلمين.
كاترين (بتنهد) :
نعم، هذا ما توقعته.
الدكتور :
وهم يريدون أن يحولوا مرضاي عني، ليفعلوا! يبقى لي جماعة الفقراء على كل حال، أولئك الذين لا يدفعون شيئا، وهم مع ذلك في أشد الاحتياج إلي، ولكنهم سينصتون إلي وربي، سأخطبهم في وقته وغير وقته كما ورد في بعض الأسفار.
كاترين :
ولكن يا عزيزي توماس، لقد كان يخيل إلي أن الحوادث عرفتك قدر ما تفيء عليك الخطابة.
الدكتور :
أنت عجيبة في الحقيقة يا كاترين! أتريدين مني أن أترك نفسي مهزوما مدحورا من الميدان بسوط الرأي العام، والغالبية المتراصة وكل تلك الأكاذيب الشيطانية؟ لا، لا. شكرا لك، إن ما أريد أن أفعله أمر بسيط وبين، لا عوج فيه. لا أريد إلا أن أفرغ في رءوس أولئك الكلاب وأثبت أن الذين يسمون أنفسهم أحرارا ليسوا إلا أنكى أعداء الحرية، إن المبادئ الحزبية ليست إلا وسائل خنق لكل حق فطير قوي، وإن ما يسمونه مستلزمات الضرورة تقلب الفضيلة والعدالة على وجهها، وإنهم في نهاية الأمر سيجعلون الحياة هنا لا تطاق، ألا ترى يا قبطان هورستر أن في إمكاني جعل الناس يفهمون هذا؟
هورستر :
محتمل. ولكني لا أعرف شيئا كثيرا عن هذه المسائل.
الدكتور :
لا بأس، تنبه، سأشرح لك، رؤساء الأحزاب هم الواجب أن يبادوا، ليس رئيس الحزب إلا كالذئب، اسمع كالذئب الضاري، يحتاج إلى عدد ما من الفرائس الصغيرة ليلتهمها كل عام، لكي يستطيع أن يعيش. انظر إلى هوفستاد وأسلاكسن، كم من الفرائس الصغيرة أبادا، أو على الأقل شوها وبترا حتى لم يعودوا يصلحون لشيء إلا ليكونوا من أرباب البيوت الصغيرة أو المشتركين في جريدة «رسول الشعب». (يجلس على حافة المكتب)
قربي مني يا كاترين، انظري كيف تشرق الشمس في هذا اليوم باهية وإلى هذا النسيم الجميل، نسيم الربيع الذي أحتسيه.
كاترين :
نعم، لو أننا نستطيع أن نعيش على ضوء الشمس ونسيم الربيع يا توماس.
الدكتور :
آه. سيكون عليك أن تدبري وتقتصدي قليلا، عندئذ نستطيع أن نسير بسلام، هذا لا يهمني إلا قليلا جدا. إن الذي يحزنني أكثر من سواه هو أنني لا أعرف أحدا من سماحة العقل وسمو الحجى بحيث يستطيع أن يتناول العمل من بعدي.
بترا :
لا تفكر في ذلك يا أبي. إن أمامك متسعا من الوقت. مرحبا، لقد حضر الصبيان مبكرين (يدخل إيليف ومورتن من غرفة الجلوس) .
كاترين :
أعندكما اليوم عطلة؟
مورتن :
كلا، كنا نتشاجر مع الأولاد بين أوقات الدروس.
إيليف :
ليس هذا حقيقيا، الأولاد هم الذين كانوا يتشاجرون معنا.
مورتن :
فقال السيد رولاند عندئذ إنه يحسن بنا أن نبقى في المنزل يوما أو يومين.
الدكتور (قاصفا أصابعه بعضها على بعض وناهضا) :
ألهمتها، ألهمتها وربي؛ لن تضعا قدميكما في المدرسة بعد اليوم.
الولدان :
لن نذهب إلى المدرسة!
كاترين :
ولكن يا توماس ...
الدكتور :
أبدا، أبدا، سأعلمكما أنا نفسي أي أنكما لن تتعلما شيئا مقدسا.
مورتن :
مرحى!
الدكتور :
ولكني سأصوغ منكما رجلين على سماحة في العقل وسمو في الحجى، عليك أن تساعديني في ذلك يا بترا.
بترا :
أجل يا أبي، ثق أنني معك.
الدكتور :
وستكون مدرستي في البهو الذي أهانوني فيه وسموني عدوا للشعب، ولكننا قليلون جدا. يجب أن يكون عندي في البداية اثنا عشر صبيا.
كاترين :
محال ولا شك أن تجدهم في هذه البلدة.
الدكتور :
سنجدهم (إلى الولدين)
ألا تعرفان جماعة من عفاريت الشوارع، من كل سافل رث الثوب؟
مورتن :
بلى يا أبي، أعرف منهم عديدا.
الدكتور :
شيء عظيم، أحضر لي بعضا منهم، سأقوم بعمل تجارب على الكلاب، ولو مرة. فقد توجد فيهم رءوس ممتازة.
مورتن :
وماذا يكون عملنا يوم تكون قد خلفت منا رجالا ذوي سماحة في العقول وسمو في الحجى؟
الدكتور :
يومئذ ستزجران جميع الذئاب عن هذه البلاد يا ولدي، (ينظر إيليف بشيء من الشك في ذلك ومورتن يقفز ويصيح)
مرحى!
كاترين :
عسى أن لا يكون الذئاب هم الذين يزجرونك عن هذه البلاد يا توماس!
الدكتور :
أزايلك الصواب يا كاترين؟ يزجرونني الآن وأنا أقوى رجل في البلد؟
كاترين :
أقوى رجل، الآن؟
الدكتور :
نعم وسأذهب إلى مدى القول بأني أقوى رجل في الدنيا برمتها.
مورتن :
أنا أقولها!
الدكتور (خافضا صوته) :
هس، لا يجوز أن تقول عن ذلك شيئا بعد، ولكني وفقت إلى استكشاف عظيم.
كاترين :
استكشاف آخر؟
الدكتور :
أجل (يجمعهم كلهم حوله ويقول لهم في السر قولة واثق)
هو هذا فثقوا، إن أقوى رجل في العالم هو الذي يقف في الدنيا وحيدا.
1
كاترين (باسمة وهازة رأسها إعجابا) :
توماس، توماس!
بترا (بروح التشجيع حين تقبض على أيدي أبيها) :
والدي!
অজানা পৃষ্ঠা