أليس قال جل ثناؤه في الصيام: { ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } [البقرة:185]. فوضع عن المرضى الصيام، لأنهم لا يقدرون عليه، ووضعه عن المسافر وإن كان يقدر عليه، يخبرهم أنه إنما يفعل ذلك لأنه يريد بهم اليسر، ولا يريد بهم العسر، ووضع عنه الصلاة قائما إذا لم يقدر على القيام، وأباح له أن يصلي جالسا، وإن لم يقدر على الصلاة جالسا، صلى مضطجعا أو مستقبلا، فإن لم يقدر على ذلك بشيء من جوارحه فلاشيء عليه. فعل ذلك رحمة ونعمة ونظرا لعباده.
ومن لم يكن له مال فلا زكاة عليه، وإن كان ذا مال - فحال عليه الحول -، وهو مائتا درهم فعليه خمسة دراهم، فإن نقص من مائتي درهم شيء، قل أو كثر فلاشيء عليه فيها، وكل أمر لا يستطيقه العبد فهو عنه موضوع، وكلف مما يستطيع اليسير. يريد لله جل ثناؤه بذلك التخفيف عن عباده تصديقا لقوله: { يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا } [النساء:28]. وقال جل ثناؤه: { وما جعل عليكم في الدين من حرج } [الحج:78]. يقول: من ضيق.
وقال تبارك وتعالى: { ولا تكسب كل نفس إلا عليها } [الأنعام:164]. فلم يؤت أحد من قبل الله تبارك وتعالى في دينه، وإنما يؤتى العبد من نفسه بسوء نظره، وإيثار هواه وشهوته، ومن قبل الشيطان عدوه، يوسوس في صدره ويزين له سوء عمله، ويتبعه فيضله ويرديه، ويهديه إلى عذاب السعير.
وقال الله جل ثناؤه يحذر عباده الشيطان: { يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة } [الأعراف:27]. وقال تبارك وتعالى: { الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء } [البقرة:268]. وقال سبحانه: { إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير } [فاطر:6]. أعاذنا الله وإياكم من ذلك .
পৃষ্ঠা ২৫৩