كتاب فيه معرفة الله عز وجل من العدل والتوحيد وتصديق الوعد والوعيد وإثبات النبوة والإمامة في النبي وآله عليهم السلام
رواية الإمام المرتضى لدين الله عن أبيه الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين صلوات الله عليهم أجمعين
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين ابن رسول الله صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين وسلامه:
পৃষ্ঠা ৫৯
التوحيد ونفي التشبيه
أول ما يجب على العبد أن يعلم أن الله واحد أحد، صمد فرد، ليس له شبيه ولا نظير، ولا عديل، ولا تدركه الأبصار في الدنيا ولا في الآخرة، وذلك أن ما وقع عليه البصر فمحدود ضعيف، محوي محاط به، له كل وبعض، وفوق وتحت، ويمين وشمال، وأمام وخلف، وأن الله لا يوصف بشيء من ذلك، وهكذا قال لا شريك له: { لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير } [الأنعام:103]، وقال: { قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد } [الإخلاص:14]، والكفو فهو المثل والنظير والشبيه، والله سبحانه ليس كمثله شيء، وقال: { وهو معكم أين ما كنتم } [الحديد:4]، وقال: { ونحن أقرب إليه من حبل الوريد } [ق:16]، وقال: { ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا } [المجادلة:7]، وقال: { وما كنا غائبين } [الأعراف:7]، يعني في جميع ذلك أن علمه محيط بهم، لا أنه داخل في شيء من الأشياء كدخول الشيء في الشيء، ولا خارج من الأشياء بائن عنها فيغبى عليه شيء من أمورهم، بل هو العالم بنفسه، وأنه عز وجل شيء لا كالأشياء؛ إذ الأشياء من خلقه وصنعه، وقال عز وجل: { قل أي شيء أكبر شهادة قل الله } [الأنعام:19]، فذكر سبحانه أنه شيء؛ لإثبات الوجود ونفي العدم، والعدم لا شيء.
পৃষ্ঠা ৬০
العدل
ثم يعلم أنه عز وجل عدل في جميع أفعاله، ناظر لخلقه، رحيم بعباده، لا يكلفهم ما لا يطيقون، ولا يسألهم ما لا يجدون، و{ لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما } [النساء:40]، وأنه لم يخلق الكفر ولا الجور ولا الظلم، ولا يأمر بها، ولا يرضى لعباده الكفر، ولا يظلم العباد، ولا يأمر بالفحشاء، وذلك أنه من فعل شيئا من ذلك، أو أراده أو رضي به، فليس بحكيم ولا رحيم، وإن الله لرؤوف رحيم، جواد كريم متفضل، وأنه لم يحل بينهم وبين الإيمان، بل أمرهم بالطاعة، ونهاهم عن المعصية، وأبان لهم طريق الطاعة والمعصية، وهداهم النجدين، ومكنهم من العملين، ثم قال: { فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } [الكهف:29]، وقال: { فما لهم لا يؤمنون } [الانشقاق:20]، وقال: { وماذا عليهم لو ءامنوا بالله واليوم الآخر } [النساء:39]، أو يأمرهم بالكفر؛ ثم يقول: { وكيف تكفرون } [آل عمران:101]؟ أو يصرفهم عن الإيمان، ثم يقول: { فأنى تصرفون } [يونس:32]؟ أو يقضي عليهم بقتل الأنبياء صلى الله عليهم؛ ثم يقول: { فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين } [البقرة:91]؟
পৃষ্ঠা ৬১
أفعال العباد
والله عز وجل بريء من أفعال العباد، وذلك قوله تبارك وتعالى: { إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون } [النحل:90]، وقال سبحانه: { وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها ءاباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون } [الأعراف:28]، ثم قال: { سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا ءاباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون } [الأنعام:148]، فأكذبهم الله في قولهم، ونفى عن نفسه ما نسبوه إليه بظلمهم. وقال سبحانه: { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } [الذاريات:56]، فذكر أنه خلقهم للعبادة لا للمعصية، وكذلك نسب إليهم فعلهم حيث يقول: { وكل شيء فعلوه في الزبر } [القمر:52]، يقول: فعلوه، ولم يقل: فعله، بل نسبه إليهم؛ إذ هم فعلوه.
وقال عز وجل في فعله هو: { الله خالق كل شيء } [الرعد:16، الزمر:62]، يقول: هو خالق كل شيء يكون منه، ولم يقل: إنه خلق فعلهم، بل قال: { وتخلقون إفكا } [العنكبوت:17]، يقول: تصنعون وتقولون إفكا، كما قال: { تتخذون منه سكرا } [النحل:67]، يقول: أنتم تجعلونه.
পৃষ্ঠা ৬২
وتبيين الكفر والإيمان من الله عز وجل، وفعلهما من الآدميين، ولولا أنه عز وجل بين لخلقه الكفر والإيمان؛ ما إذا عرفوا الحق من الباطل، ولا المعتدل من المائل، ولكن عرفهم بذلك، كما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه في بعض مواعظه: ((خلقنا ولم نك شيئا، وأخرجنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئا، فغذانا بلطفه، وأحيانا برزقه، وأطعمنا وسقانا، وكفانا وآوانا، ووضع عنا الأقلام، وأزال عنا الآثام، فلم يكلفنا معرفة الحلال والحرام، حتى إذا أكمل لنا العقول، وسهل لنا السبيل، نصب لنا العلم والدليل، من سماء ورفعها، وأرض وضعها، وشمس أطلعها، ورتوق فتقها، وعجائب خلقها، فعرفنا الخير من الشر، والنفع من الضر، والحسن من القبيح، والفاسد من الصحيح، والكذب من الصدق، والباطل من الحق، أرسل إلينا الرسل، وأنزل علينا الكتب، وبين لنا الحلال والحرام، والحدود والأحكام، فلما وصلت دعوته إلينا، وقامت حجته علينا؛ أمرنا ونهانا، وأنذرنا وحذرنا، ووعدنا وأوعدنا، فجعل لأهل طاعته الثواب، وعلى أهل معصيته العقاب، جزاء وافق أعمالهم، ونكالا بسوء فعالهم، { من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد } [فصلت:46])).
وتصديق ذلك في كتاب الله عز وجل، حيث يقول: { وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق } [الأعراف:43]، وقال النبي صلى الله عليه وعلى أهل بيته: ((صنفان من أمتي لا تنالهم شفاعتي، قد لعنوا على لسان سبعين نبيا: القدرية والمرجئة. قيل: وما القدرية يا رسول الله ؟ وما المرجئة ؟ فقال: أما القدرية فهم الذي يعملون المعاصي ويقولون: إنها من الله قضى بها وقدرها علينا. وأما المرجئة فهم الذين يقولون: الإيمان قول بلا عمل.)) ثم قال صلى الله عليه وآله: ((القدرية مجوس هذه الأمة)).
পৃষ্ঠা ৬৩
الوعد والوعيد
ثم يجب عليه أن يعلم أن وعده ووعيده حق، من أطاعه أدخله الجنة، ومن عصاه أدخله النار أبد الأبد، لا ما يقول الجاهلون من خروج المعذبين من العذاب المهين إلى دار المتقين، ومحل المؤمنين، وفي ذلك ما يقول رب العالمين: { خالدين فيها أبدا{ ، ويقول: { وما هم بخارجين منها } [المائدة:37]، ففي كل ذلك يخبر أنه من خل النار فهو مقيم فيها غير خارج منها، فنعوذ بالله من الجهل والعمى، ونسأله العون والهدى، فإنه ولي كل النعماء، ودافع كل الأسواء.
পৃষ্ঠা ৬৪
الإيمان برسالة محمد صلى الله عليه وآله وسلم
ثم يجب عليه أن يعلم أن محمدا بن عبدالله بن عبد المطلب، عبد الله ورسوله، وخيرته من خلقه، وصفوته من جميع بريته، خاتم النبيين لا نبي بعده، قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ثم قبضه الله إليه حميدا مفقودا. فصلوات الله عليه وعلى أهل بيته الطيبين وسلم.
পৃষ্ঠা ৬৫
إمامة علي عليه السلام
ثم يجب عليه أن يعلم أن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب أمير المؤمنين، وسيد المسلمين، ووصي رسول رب العالمين، ووزيره وقاضي دينه، وأحق الناس بمقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأفضل الخلق بعده، وأعلمهم بما جاء به محمد، وأقومهم بأمر الله في خلقه، وفيه ما يقول الله تبارك وتعالى: { إنما وليكم الله ورسوله والذين ءامنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون } [المائدة:55]، فكان مؤتي الزكاة وهو راكع علي بن أبي طالب دون جميع المسلمين. وفيه يقول الله سبحانه: { والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم } [الواقعة:10-12]، فكان السابق إلى ربه غير مسبوق، وفيه يقول الله عز وجل: { أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون } [يونس: 35]، فكان الهادي إلى الحق غير مهدي، والداعي إلى الصراط السوي، والسالك طريق الرسول الزكي، ومن سبق إلى الله، وكان الهادي إلى غامض أحكام كتاب الله؛ فهو أحق بالإمامة؛ لأن أسبقهم أهداهم، وأهداهم أتقاهم، وأتقاهم خيرهم، وخيرهم بكل خير أولاهم، وما جاء له من الذكر الجميل في واضح التنزيل؛ فكثير غير قليل.
পৃষ্ঠা ৬৬
وفيه أنزل الله على رسوله بغدير خم: { ياأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس } [المائدة:67]، فوقف صلى الله عليه وآله وسلم وقطع سيره، ولم يستجز أن يتقدم خطوة حتى ينفذ ما عزم عليه في علي، فنزل تحت الدوحة مكانه، وجمع الناس، ثم قال: ((أيها الناس، ألست أولى بكم من أنفسكم ؟ قالوا: بلى يا رسول الله. فقال: اللهم اشهد، ثم قال: اللهم اشهد، فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله.))، والناس كلهم مجتمعون يسمعون كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو رافع بيد علي حتى أبصر بياض آباطهما وهو ينادي بهذا القول.
وفيه يقول صلى الله عليه وآله وسلم: ((علي مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي))، ويقول: ((علي مع الحق، والحق معه.)) ، ويقول: ((أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد المدينة فليأتها من بابها.)) ، وقال: ((الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خير منهما.)) ، وقال: ((أنت أخي يا علي في الدنيا والآخرة.)) ، وقال: ((علي أقضى الخلق وأعلمهم.)) .
পৃষ্ঠা ৬৭
إمامة الحسنين عليهما السلام
ثم يجب عليه أن يعلم أن الحسن والحسين ابنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحبيباه، وأنهما إماما عدل، واجبة طاعتهما، مفترضة ولايتهما، وفيهما وفي جدهما وأبيهما وأمهما يقول الله تبارك وتعالى: { إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا } [الإنسان:5]، إلى قوله: { فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا } [الإنسان:29]، وفيهما ما يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((كل بني أنثى ينتمون إلى أبيهم، إلا ابني فاطمة فأنا أبوهما وعصبتهما.)). فهما ابناه وولداه بفرض الله وحكمه، وفي ذلك ما يقول الله سبحانه في إبراهيم الخليل صلى الله عليه: { ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين } [الأنعام:84-85]، فذكر أن عيسى من ذرية إبراهيم، كما موسى وهارون من ذريته، وإنما جعله ولده وذريته بولادة مريم، وكان سواء عنده في معنى الولادة والقرابة، ولادة الابن وولادة البنت؛ إذ قد أجرى عيسى وموسى مجرى واحدا من إبراهيم صلى الله عليه. وفيهما وفي أبيهما وأمهما ما يقول الله تبارك وتعالى لرسوله صلى الله عليه وآله؛ إذ أمره بالمباهلة للنصارى؛ فقال له: { فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين } [آل عمران:61]، فحضر صلى الله عليه وآله بعلي وفاطمة والحسن والحسين صلى الله عليهم أجمعين.
পৃষ্ঠা ৬৮
إمامة أهل البيت عليهم السلام، وصفات الإمام
ثم يجب عليه أن يعلم أن الإمامة لا تجوز إلا في ولد الحسن والحسين؛ بتفضيل الله لهما، وجعله ذلك فيهما، وفي ذريتهما، حيث يقول تبارك وتعالى: { وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين } [البقرة:124].
পৃষ্ঠা ৬৯
فكانت النبوة والإمامة والوصية والملك في ولد إبراهيم صلى الله عليه، إلى أن بعث الله محمدا صلى الله عليه وعلى آله فأفضت النبوة إليه، وختم الله الأنبياء به، وجعله خاتم النبيين وسيد المرسلين، وقال: { رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت } [هود:73]، وقال: { وجعلها كلمة باقية في عقبه } [الزخرف:28]، وقال: { أم يحسدون الناس على ما ءاتاهم الله من فضله فقد ءاتينا ءال إبراهيم الكتاب والحكمة وءاتيناهم ملكا عظيما } [النساء:54]، وقال موسى صلى الله عليه لقومه: { ياقوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وءاتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين } [المائدة:20]، وقال: { ولقد ءاتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين } [الجاثية:16]، وقال: { إن الله اصطفى ءادم ونوحا وءال إبراهيم وءال عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم } [آل عمران:3334]، فكانت النبوة في إبراهيم ثم أفضت إلى إسماعيل، ثم إلى إسحاق، ثم إلى ابنه يعقوب، ثم إلى ابنه يوسف، ثم في بني إسرائيل - وهو يعقوب - الأول فالأول، حتى كان آخرهم عيسى صلى الله عليهم أجمعين، ثم حول الله النبوة إلى محمد خاتم النبيين، فقال سبحانه: { محمد رسول الله } [الفتح:29]، ثم قال: { وما ءاتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } [الحشر:7]، وقال النبي صلى الله عليه وآله: ((إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي أبدا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض.)) ، وقال سبحانه: { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا } [الأحزاب:33]، فبين الأمر سبحانه فيهم وأوضحه، { لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما } [النساء:165]، ومحمد من ولد إسماعيل بن إبراهيم، وكذلك ذريته.
ثم قال سبحانه: { ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا{ ، فورثة الكتاب: محمد، وعلي، والحسن، والحسين، ومن أولدوه من الأخيار. ثم قال في ولدهم: { فمنهم ظالم لنفسه } [فاطر:32] ، ففيهم إذ كانوا بشرا ما في الناس.
وقال: { ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار } [هود:113]، كما قال في ولد إبراهيم وإسحاق صلى الله عليهما: { ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين } [الصافات:113].
وكان فيما بين الله عز وجل لخليله إبراهيم صلى الله عليه؛ إذ قال إبراهيم: { ومن ذريتي{ فقال له ربه: { لا ينال عهدي الظالمين{ ، ثم قال: { ألا لعنة الله على الظالمين } [هود:18]، وقال: { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } [المائدة:44]، و{ الظالمون } [المائدة:45]، و{ الفاسقون } [المائدة:47].
পৃষ্ঠা ৭০
وأن الإمام من بعد الحسن والحسين من ذريتهما من سار بسيرتهما، وكان مثلهما، واحتذى بحذوهما، فكان ورعا تقيا، صحيحا نقيا، وفي أمر الله سبحانه مجاهدا، وفي حطام الدنيا زاهدا، وكان فهما لما يحتاج إليه، عالما بتفسير ما يرد عليه، شجاعا كميا، بذولا سخيا، رؤوفا بالرعية، متعطفا متحننا حليما، مساويا لهم بنفسه، مشاورا لهم في أمره، غير مستأثر عليهم، ولا حاكم بغير حكم الله فيهم، قائما شاهرا لنفسه، رافعا لرايته مجتهدا، مفرقا للدعاة في البلاد، غير مقصر في تأليف العباد، مخيفا للظالمين، مؤمنا للمؤمنين، لا يأمن الفاسقين ولا يأمنونه، بل يطلبهم ويطلبونه، قد باينهم وباينوه، وناصبهم وناصبوه، فهم له خائفون، وعلى إهلاكه جاهدون، يبغيهم الغوائل، ويدعو إلى جهادهم القبائل ، متشردا عنهم، خائفا منهم، لا يردعه عن أمور الله ولا يمنعه عن الاجتهاد عليهم كثرة الإرجاف، شمري مشمر، مجتهد غير مقصر.
فمن كان كذلك من ذرية الحسن والحسين فهو الإمام المفترضة طاعته، الواجبة على الأمة نصرته، مثل من قام من ذريتهما من الأئمة الطاهرين، الصابرين لله المحتسبين، مثل زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه إمام المتقين، والقائم بحجة رب العالمين، ومثل ابنه يحيى المحتذي بفعله، ومثل محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، الذي جاء فيه الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله، أنه خرج ذات يوم إلى باب المدينة، فوقف في موضع ومعه جماعة من أصحابه، فقال لهم: ((ألا إنه سيقتل في هذا الموضع رجل من ولدي، اسمه كاسمي، واسم أبيه كاسم أبي، يسيل دمه من هاهنا إلى أحجار الزيت، وهو النفس الزكية، على قاتله ثلث عذاب أهل النار.)).
পৃষ্ঠা ৭১
ومثل أخويه إبراهيم ويحيى ابني عبدالله، ومثل الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وهو صاحب فخ، ومثل محمد والقاسم ابني إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، فمن كان كذلك من ذرية الحسن والحسين فهو إمام لجميع المسلمين، لا يسعهم عصيانه، ولا يحل لهم خذلانه، بل يجب عليهم موالاته وطاعته، ويعذب الله من خذله، ويثيب من نصره، ويتولى من يتولاه، ويعادي من عاداه.
ومما روى الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، قال: أخبرني أبي، قال: قال جدي رسول الله صلى الله عليه وآله، قال: ((إنه سيخرج منا رجل يقال له زيد، فينتهب ملك السلطان، فيقتل، ثم يصعد بروحه إلى السماء الدنيا، فيقول له النبيون: جزى الله نبيك عنا أفضل الجزاء كما شهد لنا بالبلاغ، وأقول أنا: أقررت عيني يا بني، وأديت عني، ثم يذهب بروحه من سماء إلى سماء حتى ينتهي به إلى الله عز وجل، ويجيء أصحابه يوم القيامة يتخللون أعناق الناس بأيديهم أمثال الطوامير، فيقال: هؤلاء خلف الخلف، ودعاة الحق إلى رب العالمين.)).
وفيه، عن محمد بن الحنفية، أنه قال: ((سيصلب منا رجل يقال له زيد في هذا الموضع - يعني موضعا بالكوفة يقال له الكناس -، لم يسبقه الأولون ولا الآخرون فضلا)).
وفيه عنه محمد بن علي بن الحسين باقر العلم، أن قوما وفدوا إليه فقالوا: يا ابن رسول الله، إن أخاك زيدا فينا، وهو يسألنا البيعة، أفنبايعه ؟ فقال لهم محمد: بايعوه، فإنه اليوم أفضلنا.
وعنه أيضا أنه اجتمع زيد ومحمد في مجلس فتحدثوا، ثم قام زيد فمضى، فأتبعه محمد بصره، ثم قال: لقد أنجبت أمك يا زيد.
পৃষ্ঠা ৭২
وفيه ما قال جعفر بن محمد الصادق رحمة الله عليه، لما أراد زيد الخروج إلى الكوفة من المدينة؛ قال له جعفر: أنا معك يا عم. فقال له زيد: أو ما علمت يا ابن أخي أن قائمنا لقاعدنا وقاعدنا لقائمنا، فإذا خرجت أنا وأنت فمن يخلفنا في حرمنا، فتخلف جعفر بأمر عمه زيد.
وعن جعفر أيضا لما أراد يحيى بن زيد اللحوق إلى أبيه، قال له ابن عمه جعفر: أقرئه عني السلام، وقل له: فإني أسأل الله أن ينصرك ويبقيك، ولا يرينا فيك مكروها، وإن كنت أزعم أني عليك إمام فأنا مشرك.
وعنه أيضا لما جاءه خبر قتل أبي قرة الصقيل بين يدي زيد بن علي، تلا هذه الآية: { ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله } [النساء:100]، رحم الله أبا قرة.
وعنه أيضا لما جاءه خبر قتل حمزة بين يدي زيد بن علي تلا هذه الآية: { رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا } [الأحزاب:32].
وعنه لما جاءه قتل عمه زيد وأصحابه، قال: ذهب والله زيد بن علي كما ذهب علي بن أبي طالب والحسن والحسين وأصحابهم شهداء إلى الجنة، التابع لهم مؤمن، والشاك فيهم ضال، والراد عليهم كافر.
وإنما فرق بين زيد وجعفر قوم كانوا بايعوا زيد بن علي، فلما بلغهم أن سلطان الكوفة يطلب من بايع زيدا ويعاقبهم، خافوا على أنفسهم فخرجوا من بيعة زيد ورفضوه مخافة من هذا السلطان، ثم لم يدروا بم يحتجون على من لامهم وعاب عليهم فعلهم، فقالوا بالوصية حينئذ، فقالوا: كانت الوصية من علي بن الحسين إلى ابنه محمد، ومن محمد إلى جعفر، ليموهوا به على الناس، فضلوا وأضلوا كثيرا، وضلوا عن سواء السبيل، اتبعوا أهواء أنفسهم، وآثروا الدنيا على الآخرة، وتبعهم على قولهم من أحب البقاء وكره الجهاد في سبيل الله.
পৃষ্ঠা ৭৩
ثم جاء قوم من بعد أولئك فوجدوا كلاما مرسوما في كتب ودفاتر، فأخذوا بذلك على غير تمييز ولا برهان، بل كابروا عقولهم، ونسبوا فعلهم هذا إلى الأخيار منهم؛ من ولد رسول الله عليه وعليهم السلام، كما نسبت الحشوية ما روت من أباطيلها وزور أقاويلها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ليثبت لهم باطلهم على من اتخذوه مأكلة لهم، وجعلوهم خدما وخولا، كما قال الله عز وجل في أشباههم: { فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق ودرسوا ما فيه } [الأعراف:169].
وكذلك هؤلاء الذين رفضوا زيد بن علي وتركوه، ثم لم يرضوا بما أتوا من الكبائر؛ حتى نسبوا ذلك إلى المصطفين من آل الرسول؛ فلما كان فعلهم على ما ذكرنا، سماهم حينئذ زيد روافض، ورفع يديه فقال: ))اللهم اجعل لعنتك ولعنة آبائي وأجدادي ولعنتي على هؤلاء الذين رفضوني، وخرجوا من بيعتي، كما رفض أهل حروراء علي بن أبي طالب عليه السلام حتى حاربوه.))
فهذا كان خبر من رفض زيد بن علي وخرج من بيعته.
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله، أنه قال لعلي بن أبي طالب: ((يا علي، إنه سيخرج قوم في آخر الزمان، لهم نبز يعرفون به، يقال لهم: الرافضة، فإن أدركتهم فاقتلهم، فإنهم مشركون، فهم لعمري شر الخلق والخليقة.)).
وأما الوصية فكل من قال بإمامة أمير المؤمنين ووصيته، فهو يقول بالوصية، على أن الله عز وجل أوصى بخلقه على لسان النبي إلى علي بن أبي طالب والحسن والحسين، وإلى الأخيار من ذرية الحسن والحسين، أولهم علي بن الحسين وآخرهم المهدي، ثم الآئمة فيما بينهما.
পৃষ্ঠা ৭৪
وذلك أن تثبيت الإمامة عند أهل الحق في هؤلاء الأئمة من الله عز وجل على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله، فمن ثبت الله فيه الإمامة، واختاره واصطفاه، وبين فيه صفات الإمام؛ فهو إمام عندهم مستوجب للإمامة، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم، إذ يقول: ((من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر من ذريتي فهو خليفة الله في أرضه، وخليفة كتابه، وخليفة رسوله.)) قال: من ذريتي، فولد الحسن والحسين من ذرية النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ثم قال: ((عليكم بأهل بيتي، فإنهم لن يخرجوكم من باب هدى، ولن يدخلوكم في باب ردى.))، وقال: ((مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق وهوى.))، وقال: ((النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض، فإذا ذهبت النجوم من السماء أتى أهل السماء ما يوعدون، وإذا ذهب أهل بيتي من الأرض أتى أهل الأرض ما يوعدون)) يعني في جميع ذلك: الصالحين من ولده، وقال صلى الله عليه وعلى أهل بيته: ((من سمع واعيتنا أهل البيت فلم ينصره لم يقبل الله له توبة حتى تلفحه جهنم.)) ثم قال: ((من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية.)).
পৃষ্ঠা ৭৫
النهي عن إمامة الظالمين
পৃষ্ঠা ৭৬
والله عز وجل قد جعل الأمر والنهي في خيار آل محمد عليه وعلى آله السلام، وزواه عن ظالميهم وظالمي غيرهم، ومكن أهل الحق منهم وأجازه لهم، وذلك قوله تبارك وتعالى: { الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وءاتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور } [الحج:41]، ثم قال: { وعد الله الذين ءامنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون } [النور:55]، وقال سبحانه لرسله: { فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ولنسكننكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد } [إبراهيم:13-14]، وقوله لإبراهيم صلى الله عليه: { لا ينال عهدي الظالمين } [البقرة:124]، وعلى هذا النحو قال تبارك وتعالى: { قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء } [آل عمران:26]، يعني الأنبياء ومن تبعهم من الأئمة الصادقين، كقوله: { اتقوا الله وكونوا مع الصادقين } [التوبة:119]، وكقول إبراهيم عليه السلام: { فمن تبعني فإنه مني } [إبراهيم:36]، ثم قال: { وتنزع الملك ممن تشاء } [آل عمران:26]، فقد نزع الملك من الفراعنة والجبابرة، وإنما الملك هو الأمر والنهي، لا المال والسعة والجدة، كما قال عز وجل عندما قالوا: { أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء } [البقرة:247]، فقد بين عز وجل في هذه الآية أن الملك هو الأمر والنهي، لا سعة المال، ثم قال: { وتعز من تشاء } [آل عمران:26]، فقد أعز الأنبياء ومن تبعهم من الأئمة الصادقين وأوليائهم الصالحين، وذلك قوله سبحانه: { ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين } [المنافقون:8]، والمؤمن لا يملك من متاع الدنيا شيئا، فسماه الله عزيزا؛ إذ فعله ذلك يوصله إلى دار العز أبد الأبد، ثم قال: { وتذل من تشاء } [آل عمران:26]، فقد أذل الفراعنة ومن تبعهم من الظالمين؛ لأنهم معتدون غير محقين.
فكل من كان في يده أمر ونهي، وكان فعله مخالفا للكتاب والسنة فهو فرعون من الفراعنة، وكل عالم متمرد فهو إبليس من الأبالسة، وكل من عصى الرحمن من سائر الناس فهو شيطان من الشياطين، وذلك قوله: { شياطين الإنس والجن } [الأنعام:112]، ثم قال: { من الجنة والناس } [الناس:6].
والظالم وإن اتسع في هذه الدنيا من مال غيره، وأكثر من مظالم الناس، ووقع عند الجاهل أنه عزيز، فهو عند الله عز وجل وعند أوليائه ذليل ؛ لأن فعله ذلك يورده إلى دار الذل أبد الأبد، كما قال الله عز وجل: { متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد } [آل عمران:197]، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الأمراء الظالمين: ((طعمة قليلة وندامة طويلة.)).
পৃষ্ঠা ৭৭
أعوان الظلمة
وفعل هؤلاء الظالمين وأمرهم وسلطنتهم إنما تقوم بأعوانهم الذين يتبعونهم، ويعينونهم على ظلمهم، وإذا تفرق الأعوان منهم وأسلموهم لم تقم لهم دولة، ولا تثبت لهم راية، فمتى كثرت جماعتهم تقووا بهم على باطلهم، واستضعفوا المستضعفين من خلق الله، وأمهل لهم ربهم وتركهم، ولم يحل بينهم وبين من يظلمونهم؛ إذ كل ظالم، القوي والمستضعف، وذلك قوله عز وجل: { وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون } [الأنعام:129]، وقال: { ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا } [مريم:83]، يقول: خليناهم عليهم، كما قال: { بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد } [الإسراء:50]، وكما قال النبي صلى الله عليه وآله: ((لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر، أو ليسلطن الله عليكم شراركم فيسومونكم سوء العذاب، ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم، حتى إذا بلغ الكتاب أجله كان الله المنتصر لنفسه، فيقول: ما منعكم إذ رأيتموني أعصى أن لا تغضبوا في.)).
فمن هذه الجهة ترك الظالمين ولم يأخذهم؛ لأن الرعية في ظلمهم وتظالمهم فيما بينهم أصناف:
পৃষ্ঠা ৭৮