فقالت: «دعني وحدي وأغلق الباب فليس في الدنيا ما يعزيني.»
قال: «انهضي يا حبيبتي فإن الحزن يضنيك ولا خير فيه، وهبي أنها لا تستطيع تعزيتك فالذهاب إليها فرض لأننا في حماها»، وما زال بها حتى أنهضها. وفيما هي تتحفز للقيام دخل رجل فاستقبله يزيد قائلا: «أهلا بأبي الجراح»، فبغتت أسماء لرؤيته فابتدرها يزيد قائلا: «إنه مولى مولاتنا أم حبيبة وأظنه جاء في طلبك»، فقال أبو الجراح: «إن مولاتنا تدعوك إليها وقد علمت بما أصابك وبنزولك عند آل حزم، فبعثتني وجارية حبشية لنأتي بك إليها.»
فعجبت أسماء لهذه الحفاوة وشكرت تلك العناية ونهضت فلبست ثوبها وسرحت شعرها وعقصته وأرسلته إلى الوراء وأرخت الخمار على رأسها وتزملت بالرداء الأسود، وخرجت والجارية معها ودخلت من باب موصل بين الدارين حتى بلغت دار عثمان، فرأت فيها ما يليق ببيوت الخلفاء من الطنافس والأستار ونحوها، ولقيت في باحتها كثيرا من الجواري والغلمان فمشت حتى أتت حجرة نائلة.
فلما سمعت نائلة وقع أقدامها تحفزت للقائها، فلما دنت أسماء تنسمت رائحة الطيب، وسمعت وسوسة أساور نائلة ودمالجها وعقودها وهي تتهيأ للوقوف، فدخلت واستقبلتها نائلة وقد أعجبت بجمالها وهيئتها، فهمت بها وضمتها إلى صدرها وهي تقول: «أهلا بضيفتنا، أهلا بابنتنا العزيزة.»
فلما سمعت أسماء ذلك غلب عليها البكاء ولكنها تجلدت وقبلت يدها وجلست إلى جانبها، وخرجت الجارية وبقيتا في الغرفة وحدهما وأسماء لا تتكلم.
فهمت نائلة بمداعبتها فقالت: «أهلا بابنتنا الجديدة، ومرحبا بها.»
فشرقت أسماء بدموعها وقالت: «دعيني يا مولاتي أبكي أما حنونا فقدتها وارفقي بحالي.»
فأثر هذا الكلام في نائلة تأثيرا عظيما وترقرقت الدموع في عينيها وقالت: «إني شريكتك في أحزانك يا حبيبتي، أما ترضينني بدلا من أمك؟»
فأجابت: «إن في هذا أكبر تعزية لي على مصابي.» وتأوهت نائلة لتأوهها وقالت: «اصبري يا بنيتي على مصابك ، فالحزن لا يجديك.» ثم أمرت بالمائدة فمد السماط فاعتذرت أسماء عن الطعام، فألحت نائلة عليها فتناولت منه شيئا، ثم أخذت نائلة تحادثها في شئون شتى حتى هدأ روعها، وجعلت تتأملها وتعجب لجمالها فإذا هي لا تشبه أباها في شيء وكانت قد رأته عندما جاء معها.
وكانت أسماء في أثناء ذلك مطرقة غارقة في بحار الهواجس، فقالت نائلة: «ما بالك صامتة؟ تكلمي يا أسماء واشغلي نفسك عن الحزن لعلك تتعزين.»
অজানা পৃষ্ঠা