لم يذق الشاب الطعام الذي أحضره الشيخ سليم، فما إن جلس إلى المائدة حتى غلبه النوم. أذن بالفجر، فنهض الشاب مرتجفا وحدق في عين الشيخ ينتظر قراره. طلب منه الشيخ أن يبقى في المنزل حتى عودته، على ألا يصدر عنه أي صوت، وانطلق إلى المسجد.
عندما عاد الشيخ سليم إلى منزله وجد الشاب قد افترش الأرض وراح يغط في نوم عميق، بهدوء أيقظه: لماذا تنام على الأرض؟! يا بني، لا تحملني من الذنوب ما لا أطيق.
نهض الشاب من على الأرض وظل واقفا في مكانه، فأشار الشيخ له بأن يجلس على الأريكة، ثم توجه إلى المطبخ. بعد قليل عاد يحمل صينية عليها بعض الطعام وبراد الشاي وعدة أكواب ووضعها على المائدة، ودعا الشاب ليشاركه ما أحضر. حاول الشاب الاعتذار، وأصر الشيخ: هذا ليس موعد إفطاري لكنني عجلت به من أجلك. أنت مجهد وفي حاجة للطعام والنوم.
جلس الشاب إلى المائدة، وأخذ رشفة أو رشفتين من الشاي، وشرع يقص على الشيخ سليم قصته، وما إن انتهى حتى التزم الصمت وتطلع إلى وجه الشيخ آملا.
قال الشيخ سليم: سيقتفون أثرك في الأيام القادمة، وذيوع خبر وجودك بالمنزل معي سوف يلفت نظرهم بالتأكيد. زواري لا ينقطعون عن المكان ليلا أو نهارا ولن تفلح أية محاولة لإخفائك عن عيونهم.
في موعده اليومي بعد صلاة العشاء، حمل الشيخ سليم كيسه المعتاد وانطلق نحو الكوبري الجديد، لكنه اليوم كان يسير وئيدا يتلفت يمنة ويسارا بين الفينة والأخرى. أمام عشة خميس الأعرج توقف ثم نظر خلفه، وفي لمح البصر كان الشاب إلى جواره. خرج خميس من العشة مهللا كعادته، ثم أمسك لسانه عندما لمح شخصا لا يعرفه. خاطبه الشيخ: هذا يوسف الذي حدثتك عنه. سوف يبقى داخل العشة لا يبرحها ما أمكن، فإن تصادف ورآه أحد، فقل إنه قريب لي هارب من ثأر يطارده، وقد لجأ إلي إلى أن يجد مخرجا، وهو يقيم عندك لأن مسكني هو أول مكان سوف يقصده طالبو الثأر للبحث عنه. وعندما ينتقل يوسف للإقامة معي سوف يكون لنا قول آخر.
وأردف: يوسف أمانة بين يديك يا خميس.
رد خميس: اقتلني إن قصرت.
ثم التفت الشيخ نحو يوسف: خميس محل ثقتي الكاملة، فلا تقلق، لقد حدثته عنك ويمكنك أن تصارحه بما تريد دون خوف. وعليك من الآن أن تحلق شاربك وشعر رأسك وترتدي جلبابا آخر غير جلبابك.
بعد أسبوعين كان الشيخ سليم في طريقه لأداء واجب العزاء في وفاة محمد المهدي، وإلى جانبه يسير يوسف في جلبابه الأبيض وطاقيته البيضاء. تساءل الناس عن الغريب، وكان خميس قد أعد نفسه للرد: قريب للشيخ أتى من الصعيد باحثا عن عمل، فاستبقاه الشيخ إلى جواره يعينه على فلاحة الأرض ويؤنس وحدته.
অজানা পৃষ্ঠা