استعذبت الخطيئة وتباهيت بدنسي، وأخرجت لساني للعرف والقانون والأخلاق وأبي ومعلم اللغة العربية، لكن الحياة خارج جدران السجن تجعلك المسئول الوحيد عن مصيرك، فتتمنى لو أعادوا وضع القيود حول معصمك.
في كل مرة وبعد أن تسكن رعشة النشوة في جسدي، ترتخي أعضائي وينشط ضميري معذبا، وبدلا من أن تمد لي يد العون ساعتها، تفر هاربا، إنك حتى لا تعينني على النسيان وتمنحني بعضا من المخدرات التي أدمنتها، وتضطرني لسرقة مال أبي. نعم، أدركت الآن فقط أن حلقات الشر يجب أن تكتمل. أنت تاجر جملة أيها الملعون.
كيف امتدت أظافري تمزق شرف أقرب الأصدقاء إلى قلبي؟! لم تكن زوجته جميلة وما كنت وقتها مشتاقا لأحضان أية أنثى، لكنني بذلت كل جهد ممكن للإجهاز عليها. لقد رقي صديقي إلى الوظيفة التي كنت أطمح لنيلها، إنه بالفعل غير جدير بها، وأنا على ثقة أنه قد اشتراها من بائعي الضمائر. لقد استعنت بك فخذلتني عندما اقترحت علي أن أقدم رشوة معتبرة لقاء اختياري للترقية. رفضت اقتراحك المكلف الثقيل الظل؛ فشراء المخدرات عندي أولى، وكنت أظن أنني بلغت من الفسق الحد الذي يجعلك لا تدخر وسعا لإشباع نزواتي دون ثمن، لكنك شحيح حتى في الشر!
كانت المخدرات تستنزف راتبي الضئيل، وكنت مستعدا أن أبيع أي شيء مهما غلا وعز واستحال تعويضه، كي أطردك من رأسي لبعض الوقت فأتناسى ما اقترفت من ذنوب. كنت أناصبك العداء تلك المرة فوجدتني أستعين بأسلحتك أنت على حربك. كنت غبيا إلى أقصى حد وهزمتني أنت شر هزيمة.
منعت عن أسرتي المبلغ الضئيل الذي كنت أعينهم به على مصاعب العيش، وتراجعت عن المساهمة في تكاليف زواج أختي الصغيرة، وقبلت الرشوة في وظيفتي بفجور. أصبحت في حاجة إلى المزيد من المخدرات فازددت فجرا.
خلف وكيل النيابة الإدارية كنت تقف وترمقني ساخرا، كنت تتشفى في فأر استقوى على ملك الغابة فناصبه العداء، ولكي تؤكد لي أنك وحدك المخلص، ولكي يزداد ريشك المزركش تألقا، همست في أذني بخطة محكمة استطعت بفضل دهائها أن ألصق الاتهام بغيري، وأفلحت، وأفلت من العقاب على ذنب اقترفته عامدا.
تزوجت، وما كان ينبغي لي أن أتزوج، فمثلي لا يثق برجل أو بامرأة. وأظنها كانت زوجة صالحة أرسلتها لي العناية الإلهية، كانت تسهر على راحتي كأم حنون، وتسدي لي النصح كخل وفي، وتحاول إسعادي قدر الممكن كزوجة مطيعة مخلصة، وكانت تحاصر أخطائي كشيخ بار. أما أنا فكنت أكره أبي وأساتذتي في المدرسة والجامعة ورجال الشرطة ونصائح كبار السن، كنت أكره أي سجن يسحق إرادتي مهما بدا جميلا، فبدأت أنفر منها وأحملها خطايا كل السجانين. وحينها أتيت أنت على عجل تقترح علي أن أطلقها، فلما رفضت ألححت علي أن أفعل، فطلقتها. وبدونها أضحت حياتي أكثر قبحا وفسادا، أما هي فقد تزوجت بثري أرمل، منحها من الود والمال ما لم تكن تحلم به لأنها كانت تراعي الله في أبنائه اليتامى. كانت تحول بيني وبينك أيها الشرير فأردت التخلص منها حتى لو كان في بعدها عني سعادتها. مثلك لا يجود بخير، والحقيقة أن زوجتي كانت عصية على إرادتك.
مرت سنوات العمر وأوشكت أن أبلغ نهاية الطريق، فنظرت خلفي أسترجع ما فات. ماذا يفيدك أيها الشيطان لو أن مملكة الجحيم اكتظت بالوافدين إليها؟ لن يجديك التفاخر شيئا لأنك هالك لا محالة وقد كتبت عليك اللعنة، ولو أننا برحمة من ربك نجونا لأضحى مصيرك أكثر بؤسا. تحاملت عليك كي أجد منفذا للنجاة.
صرخت ألعنك، فأتيت على عجل تسد علي طريق التراجع، نهرتك، ونزعت القناع عن وجهك، تراجعت مذعورا، لقد رأيت وجهي أنا وكأنني أنظر في مرآة. (تمت)
حديقة الموت
অজানা পৃষ্ঠা