وهذا تمام البصر بالكلام، قصد في العبارة، ووزن للكلام، وذوق في الخطاب، ولا تتعرف النفس المثقفة إلى الناس بآية هي أقرب من هذه الآية وأحق منها بالتصديق.
ومن السهل على من يملك هذا البيان في كلامه أن يتتبع شواهد البيان في كلام الآخرين.
ولعل الصديق قد ملك هذا البيان؛ لأنه طبع عليه وطبع على حبه فتتبعه في كلام البلغاء من الخطباء والشعراء.
فكان يروي الشعر ويحفظ الأمثال ويراجع النبي عليه السلام في الأبيات التي يبدل مواضع كلماتها ليخرجها عن وزنها، ومنه - لا ريب - قبست السيدة عائشة ذلك القبس من مأثورات الشعر والخطب - فيما كانت تتمثله وترويه، وإليه ترجع السليقة التي ظهرت في ذريته ومنهم ولداه عبد الله وعبد الرحمن وكانا ينظمان الأبيات بعد الأبيات.
وهو نفسه لم ينظم الشعر فيما أجمع عليه الثقات، ولكنه - وإن لم ينظم - قريب السليقة ممن قالوه ولو بالتذوق والحفظ والرواية.
ولهذه الثقافة مراجعها التي ترجع إليها أفضل ثقافات زمانه في الجزيرة العربية.
طبع سليم وملاحظة صادقة وخبرة بالدنيا من طريق المعاملة والسياحة، وإصغاء إلى الحسن من القول، والوثيق من الأخبار، وعلم بالأنساب والتواريخ مشهور بين المشهورين من أربابه، واستيعاب للقرآن كله ولفقه الدين كله، ودراية بما استوعب من معانيه عن فهم وعن سماع ممن نزل عليه القرآن الكريم، صلوات الله عليه.
قرأ يوما:
يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم [المائدة: 105].
فقال: إن الناس يضعون هذه الآية في غير موضعها، ألا وإني سمعت رسول الله
অজানা পৃষ্ঠা