إنما الكتاب تقدير «لعبقرية محمد» بالمقدار الذي يدين به كل إنسان، ولا يدين به المسلم وكفى، وبالحق الذي يثبت له الحب في قلب كل إنسان، وليس في قلب كل مسلم وكفى.
فمحمد هنا عظيم؛ لأنه قدوة المقتدين في المناقب التي يتمناها المخلصون لجميع الناس ...
عظيم؛ لأنه على خلق عظيم ...
وإيتاء العظمة حقها لازم في كل آونة، وبين كل قبيل ... ولكنه في هذا الزمن وفي عالمنا هذا ألزم منه في أزمنة أخرى، لسببين متقاربين لا لسبب واحد: أحدهما: أن العالم اليوم أحوج مما كان إلى المصلحين النافعين لشعوبهم وللشعوب كافة ... ولن يتاح لمصلح أن يهدي قومه وهو مغموط الحق، معرض للجفوة والكنود.
والسبب الآخر أن الناس قد اجترءوا على العظمة في زماننا بقدر حاجتهم إلى هدايتها ... فإن شيوع الحقوق العامة قد أغرى أناسا من صغار النفوس بإنكار الحقوق الخاصة، حقوق العلية النادرين الذين ينصفهم التمييز، وتظلمهم المساواة ... والمساواة هي شرعة السواد الغالبة في العصر الحديث. •••
ولقد جار هذا الفهم الخاطئ للمساواة على حقوق العظماء السابقين، كما جار على حقوق العظماء من الأحياء والمعاصرين، ثم أغرى الناس بالجور بعد الجور غرورهم بطرائف العصر الحديث، واعتقادهم أنه قد أتى بالجديد الناسخ للقديم في كل شيء ... حتى في ملكات النفوس والأذهان، وهي مزية خالدة لا ينسخ فيها الجديد القديم.
يرون أن البخار يلغي الشراع، وربما كان الاختراع السابق أدل على القدرة، وأبين عن الفضل من الاختراع الذي تلاه، ولم يكن ليتلوه لولا ما تقدم عليه ...
وينظرون إلى أقطاب الدنيا كأن الأصل في النظر إليهم أن يتجنوا عليهم ويثلبوا كرامتهم، ولا يثوبوا إلى الاعتراف لهم بالفضل إلا مكرهين ... بعد أن تفرغ عندهم وسائل التجني والثلب والافتراء.
هذه الآفة حطة تهبط بالخلق الإنساني إلى الحضيض، وتهبط بالرجاء في إصلاح العيوب الخلقية والنفسية إلى ما دون الحضيض ...
فماذا يساوي إنسان لا يساوي الإنسان العظيم شيئا لديه؟ ... وأي معرفة بحق من الحقوق يناط بها الرجاء إذا كان حق العظمة بين الناس غير معروف؟ ... وإذا ضاع العظيم بين أناس، فكيف لا يضيع بينهم الصغير؟ ... •••
অজানা পৃষ্ঠা