وتضطرب الروايات هنا أبعد اضطراب وأصعبه أن تهتدي منه إلى مخرج متفق عليه.
فمن قائل: إن السرايا وجدت بني يربوع يصلون وسمعت الأذان، ومن قائل: لم نر صلاة ولم نسمع بأذان.
ومن قائل: إن الأسرى قتلوا؛ لأن الليلة كانت باردة ونادى مناد من قبل خالد أن «دافئوا أسراكم»، ففهم الحراس أنه يريد القتل؛ لأنهم من بني كنانة والمدفأة بلهجتهم كناية عنه.
ومن قائل: إن مالكا قتل بعد محادثة حامية جرت بينه وبين خالد ... ثم تضطرب الروايات في نقل حديثهما، فلا يدري له نص صحيح. فقيل: إن مالكا صرح بأنه لا يعطي الزكاة وإنما يقيم الصلاة، فقال خالد: أما علمت أن الصلاة والزكاة معا لا تقبل واحدة دون الأخرى؟ فقال مالك: قد كان صاحبك يقول ذلك، فاتخذ خالد قوله دليلا على تبرئه من النبي وقال له: أو ما تراه لك صاحبا، ثم حمى الجدل بينهما حتى أمر بقتله، ونسجت الخرافة بعد ذلك نسيجها الذي لا يتماسك لوهيه، فزعموا أن خالدا أمر برأسه فجعل مع حجرين وطبخ على الثلاثة قدرا فأكل منه، وأن شعر مالك جعلت النار تعمل فيه إلى أن نضج اللحم ولم يفرغ الشعر! وهي خرافة تروى؛ لتدلنا على شيء واحد: وهو وجود المحنقين الراغبين في التشهير بخالد وتبشيع أعماله وإيغار الصدور عليه.
وقيل: إن مالكا لمح في عيني خالد الإعجاب بامرأته فصاح به: هذه التي قتلتني، فقال له خالد: بل الله قتلك برجوعك عن الإسلام.
ويذهب بعضهم إلى أكثر من هذا، فيزعمون أن هوى خالد لها سابق لحرب الردة ، وفي ذلك يقول أبو نمير السعدي:
قضى خالد بغيا عليه بعرسه
وكان له فيها هوى قبل ذلك
وقيل: إن خالدا توعد مالكا بالقتل، فقال له مالك: أو بذلك أمرك صاحبك؟ قال خالد: وهذه بعد تلك؟ ثم تكلم أبو قتادة الأنصاري وعبد الله بن عمر في أمره فكره خالد كلامهما، وعاد مالك يقول له: يا خالد: ابعثنا إلى أبي بكر فيكون هو الذي يحكم فينا، فقال خالد: لا أقالني الله إن أقلتك، وتقدم إلى ضرار بن الأزور أن يضرب عنقه ... ويزيدون على ذلك، أن خالدا دعا أبا قتادة الأنصاري وعبد الله بن عمر إلى حضور عقد الزواج بليلى بعد مقتل زوجها فأبيا وأشارا عليه أن يكتب إلى أبي بكر، فلم يستمع إليهما.
وغضب أبو قتادة، فأقسم لا يجمعه بعد اليوم وخالدا لواء واحد، وقفل إلى المدينة غير مستأذن من قائده، فلقي الخليفة ولقي عمر بن الخطاب، فكانت غضبة عمر أشد وأعنف، وطلب إلى الخليفة أن يعزله وأن يقيده قائلا: إن سيفه فيه رهق، فلم يجبه الخليفة وقال له: يا عمر، تأول فأخطأ، ارفع لسانك عن خالد، فإني لا أشيم سيفا سله الله على الكافرين ...
অজানা পৃষ্ঠা