وقد تبينت رجاحتهم هذه في مواقف كثيرة قبل الإسلام وبعده، فاضطلعوا وحدهم ببناء ربع الكعبة بين الركنين الأسود واليماني، واشتركت قريش كلها في بناء بقية الأركان ...
وكان لبني مخزوم وحدهم في وقعة بدر ثلاثون فرسا من مائة فرس لقريش كلها، ومائتا بعير وأربعة أو خمسة آلاف مثقال من الذهب غير الأزواد والأمداد ...
فلا جرم يعظم على نفوسهم أن يغلبهم منافس على الشرف والعزة، وأن يحوزوا كل ما حازوه من الرجال والأموال ثم تشيل كفتهم مرجوحة في ميزان الفخار ...
ولا جرم يأخذون الأمر مأخذ الأنفة والخنزوانة بينهم وبين بني عبد مناف حين تظهر النبوة في هؤلاء ولا تظهر فيهم.
وقد أخذوها هذا المأخذ حيث قال أبو جهل: «تنازعنا نحن وبنو عبد مناف؛ أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تحاذينا على الركب وكنا كفرسي رهان، قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء ... فمتى ندرك هذه؟»
وإنما قال أبو جهل «بنو عبد مناف» ذهابا إلى الجد الذي يجمع هاشما وأمية وعبد الدار، كأنه يستعلي في كبريائه أن ينافس هاشما وحدها دون أن يصعد إلى أبيها الذي يجمع بينها وبين غيرها.
وكان الوليد بن المغيرة يزعم أنه هو أحق الناس بالنبوة والقرآن ويقول: «أينزل على محمد وأترك وأنا كبير قريش وسيدها؟» ففي ذلك يقول القرآن الكريم:
وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم (الزخرف: 31).
ونحن نعلم الآن أي عقبة كانت هذه الخنزوانة المخزومية في طريق الإسلام إذ نرجع إلى الآيات التي نزلت في رؤسائهم ووصفت ما كان من عنادهم وعتادهم، وما كانوا يقابلون دعوة الدين الجديد بدعواهم في آبائهم وأجدادهم، فلم ينزل في رؤساء قبيلة مثل ما نزل في رؤساء هذه القبيلة، ولم تتمثل منعة قوم كما تمثلت منعتهم في ردود القرآن على أقوالهم، وهي أقوى ردود عرفت في السور المكية الأولى، على ما جاء في الآيات الكثيرة من سورة «ن» وسورة «المدثر» وسورة «الكافرون» عدا إشارات أخرى في سورة «الحجر» و«عبس وتولى». •••
وكل أولئك فحواه شيء واحد، وهو أن بني مخزوم باءوا بأسباب المحافظة على القديم جميعا حين تصدى الإسلام لتبديل ذلك القديم، فهم أول من يصاب بهذه الدعوة الجديدة وآخر من يلبيها وله مندوحة عنها، ومن ثم كانت المصاولة بين الإسلام والجاهلية في وجه من وجوهها مصاولة بين محمد - عليه السلام - وبين خالد بن الوليد الذي انتهى إليه شرف الرئاسة المخزومية في ذلك الأوان.
অজানা পৃষ্ঠা