88

41

من الوثنية والتوكل على الجماد. •••

وربما التبس الأمر من نوادر عمر في التقشف واجتناب المتع والمناعم، فحسبت فرائض يوجبها، ويجري فيها على طريقة أولئك النساك المتخشعين الذين كان ينهاهم أن يميتوا الدين، ويهزأ بهم كلما تنطعوا وأوجبوا ما لا يجب على المؤمنين.

فلا يلتبسن الأمر هذا الملتبس، فهو واضح بين التفرقة من سيرته ومن الأحاديث التي صحبت تلك النوادر، ففسرتها ودلت على الغرض منها. فعمر كان مسلما، وكان خليفة للمسلمين، وفرق بين محاسبة المسلم نفسه وهو مسئول عنها دون غيرها، وبين محاسبة الخليفة نفسه حتى يقع الشك في عمله، وينزه يده وأيدي أهله عما ليس لهم بحق من سلطان الحكم أو المال، ثم يفي لذكرى صاحبه الذي خلفه على المسلمين، فلا يعيش في مكانه خيرا من عيشته، ولا يمنح نفسه وذويه ما لم يمنحه النبي لآله وذويه.

وعمر الذي كان يقنع بالخشن الغليظ من المأكل والملبس، ويأبى أن يذوق في المجاعة مطعما، لا يسع جميع المسلمين، إنما هو الخليفة الذي يحاسب نفسه قبل أن تحاسبه الرعية، وقد وجد منهم من لامه لأنه طرح كساءه وفيه فضل ملبس. فاتقاء هذا الحساب وما وراءه من حساب الله، هو الذي توخاه خليفة النبي في معيشته ومعيشة أهله، مما يشبه تقشف النساك.

وعلى هذا كله كان أعلم الناس أن الطيبات حلال، وأن النهي عن الحلال تنطع في الدين يأباه الإسلام.

كتب إليه أبو عبيدة أنه لا يريد الإقامة بأنطاكية لطيب هوائها ووفرة خيراتها مخافة أن يخلد الجند إلى الراحة، فلا ينتفع بهم بعدها في قتال، فأنكر عليه ذلك وأجابه: «إن الله - عز وجل - لم يحرم الطيبات على المتقين الذين يعملون الصالحات، فقال تعالى في كتابه العزيز:

يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم .

وكان يجب عليك أن تريح المسلمين من تعبهم، وتدعهم يرغدون في مطعمهم، ويريحون الأبدان النصبة

42

অজানা পৃষ্ঠা