সংস্কার ও শিক্ষার প্রতিভা: ইমাম মুহাম্মাদ আবদুহ
عبقري الإصلاح والتعليم: الإمام محمد عبده
জনগুলি
هؤلاء الفلاسفة والعلماء الذين اكتشفوا كثيرا مما يفيد في راحة الإنسان ... أعجزهم أن يكتشفوا طبيعة الإنسان ويعرضوها عليه، حتى يعرفها ويعود إليها هؤلاء الذين صقلوا المعادن حتى كانت من الحديد اللامع المضيء، أفلا يتيسر لهم أن يجلوا ذلك الصدأ الذي غشي الفطرة الإنسانية، ويصقلوا تلك النفوس حتى يعود لها لمعانها الروحاني؟ ... حار الفيلسوف في أوروبا وأظهر عجزه مع قوة العلم، فأين الدواء؟ الرجوع إلى الدين، الدين هو الذي كشف الطبيعة الإنسانية وعرفها إلى أربابها في كل زمان، لكنهم يعودون فيجهلونها.
الفلسفة الأدبية
وربما كانت آراء محمد عبده - المفتي الأكبر - في الفنون الجميلة أقرب إلى تعريفنا بسعة الأفق التي امتاز بها هذا العقل الراجح من سائر آرائه في المسائل العقلية والاجتماعية، فإنه كان يكتب قبل ستين سنة ليحبب الفنون الجميلة إلى الناس في الوقت الذي كان الرأي الشائع فيه عن النحت والتصوير أنهما حرام مستنكر ... وكان المتعلمون العصريون أنفسهم يحتقرون هذه الفنون ولا ينظرون إليها نظرة جدية، أو يحسبونها حتى من الكمالات المحتملة، فضلا عن اللوازم المطلوبة، وقد خلا الشرق العربي من مدرسة واحدة لهذه الفنون، وقلت العناية بها في الصحف السيارة، ولم يظهر - بعد - لها أثر على اللوحة البيضاء يعود الناس أن يحتفلوا برؤيتها، فكان أكثر ما ينتظر من رجل الدين المتحرر أن يدفع عنها وزر التحريم، ويجعلها من المباحات السائغة لمن يزاولها، ولكن محمد عبده - المفتي - كان يكتب يومئذ لينوه بها ويفسر معنى الإقبال عليها بين الغربيين - لمن يجهله منا - بأنها عندهم كالشعر عندنا، وأنها لغة نفسية تفرق في تعبيراتها بين أدق المعاني الشعرية التي لا تظهر التفرقة بينها من أسمائها وأوصافها، وفي ذلك يقول من فصل كتبه في سنة 1903:
إذا كنت تدري السبب في حفظ سلفك للشعر وضبطه في دواوينه، والمبالغة في تحريره، خصوصا شعر الجاهلية، وما عني الأوائل رحمهم الله بجمعه وترتيبه، أمكنك أن تعرف السبب في محافظة القوم على هذه المصنوعات من الرسوم والتماثيل، فإن الرسم ضرب من الشعر الذي يرى ولا يسمع، والشعر ضرب من الرسم الذي يسمع ولا يرى ... إن هذه الرسوم والتماثيل قد حفظت من أحوال الأشخاص في الشئون المختلفة، ومن أحوال الجماعات في المواقع المتنوعة، ما تستحق به أن تسمى ديوان الهيئات والأحوال البشرية، يصورون الإنسان أو الحيوان، في حال الفرح والرضى، والطمأنينة والتسليم، وهذه المعاني المدرجة في هذه الألفاظ متقاربة لا يسهل عليك تمييز بعضها من بعض ، ولكنك تنظر في رسوم مختلفة، فتجد الفرق ظاهرا باهرا، يصورونه مثلا في حالة الجزع والفزع، والخوف والخشية، والجزع والفزع مختلفان في المعنى ولم أجمعهما هنا طمعا في جمع عينين في سطر واحد؛ بل لأنهما مختلفان حقيقة، ولكنك ربما تعتصر ذهنك لتحديد الفرق بينهما وبين الخوف والخشية، ولا يسهل عليك أن تعرف متى يكون الفزع ومتى يكون الجزع، وما الهيئة التي يكون عليها الشخص في هذه الحال أو تلك ... وأما إذا نظرت إلى الرسم وهو ذلك الشعر الساكت، فإنك تجد الحقيقة بارزة لك تتمتع بها نفسك كما يتلذذ بالنظر فيها حسك، إذا دعتك نفسك إلى تحقيق الاستعارة المصرحة في قولك: رأيت أسدا، تريد رجلا شجاعا، فانظر إلى صورة أبي الهول بجانب الهرم الكبير، تجد الأسد رجلا أو الرجل أسدا، فحفظ هذه الآثار حفظ للعلم في الحقيقة، وشكر لصاحب الصنعة على الإبداع فيها ...
ويعرض بعد ذلك حكم الشريعة في تلك الفنون فيقول: «ربما تعرض لك مسألة عند قراءة هذا الكلام وهي: ما حكم هذه الصور في الشريعة الإسلامية، إذا كان القصد منها ما ذكر من تصوير هيئات البشر في انفعالاتهم النفسية أو أوضاعهم الجثمانية؛ هل هذا حرام أو جائز؟ أو مكروه أو مندوب أو واجب؟ فأقول لك: إن الراسم قد رسم والفائدة محققة لا نزاع فيها، ومعنى العبادة وتعظيم التمثال أو الصورة، قد محي من الأذهان، فإما أن تفهم الحكم من نفسك بعد ظهور الواقعة، وإما أن ترفع سؤالا إلى المفتي وهو يجيبك مشافهة، فإذا أوردت عليه حديث: «إن أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون.» أو ما في معناه مما ورد في الصحيح، فالذي يغلب على ظني أنه سيقول لك: «إن الحديث جاء في أيام الوثنية، وكانت الصور تتخذ في العهد لسببين: الأول اللهو، والثاني التبرك بمثال من ترسم صورته من الصالحين، والأول مما يبغضه الدين، والثاني مما جاء الإسلام لمحوه، والمصور في الحالين شاغل عن الله أو ممهد للإشراك به، فإذا زال هذان العارضان وقصدت الفائدة، كان تصوير الأشخاص بمنزلة تصوير النبات والشجر في المصنوعات، وقد صنع ذلك في حواشي المصاحف وأوائل السور، ولم يمنعه أحد من العلماء، مع أن الفائدة في نقش المصاحف موضع نزاع، وأما فائدة الصور فمما لا نزاع فيه على الوجه الذي ذكر ... ولا يمكنك أن تجيب المفتي بأن الصورة على كل حال مظنة العبادة، فإني أظن أنه يقول لك: إن لسانك أيضا مظنة الكذب، فهل يجب ربطه مع أنه يجوز أن يصدق كما يجوز أن يكذب؟ ... وبالجملة يغلب على ظني أن الشريعة الإسلامية أبعد من أن تحرم وسيلة من أفضل وسائل العلم بعد تحقيق أنه لا خطر فيها على الدين، لا من وجهة العقيدة ولا من وجهة العمل، على أن المسلمين لا يتساءلون إلا فيما تظهر فائدته ليحرموا أنفسهم منها، وإلا فما بالهم لا يتساءون عن زيارة قبور الأولياء أو ما سماهم بعضهم من الأولياء وهم ممن لا تعرف لهم سيرة، ولم يطلع لهم أحد على سريرة؟ ... وهم يخشونها كخشية الله أو أشد، ويطلبون منها ما يخشون ألا يجيبهم الله فيه، ويظنون أنهم أسرع إلى إجابتهم من عنايته سبحانه وتعالى ... لا شك أنهم لا يمكنهم الجمع بين هذه العقائد وعقيدة التوحيد، ولكن يمكنهم الجمع بين التوحيد ورسم صور الإنسان والحيوان، لتحقيق المعاني العلمية وتمثيل الصور الذهنية ...»
والمفتي هنا يشير إلى «المفتي» بصيغة الضمير للغائب، ولا يجزم بفتواه جزم التوكيد؛ لأنه كان يكتب تلك الرسائل من أوروبا ويوقعها بتوقيعه المستعار كما تعود في كتابة رسائل الرحلات.
هذا رأيه في الفنون الجميلة التي لم يشتغل بها ولم يشتغل بها فنان خبير بها في عصره، فلا عجب أن يكون رأيه في فنه الجميل الذي كان هو إمام المشتغلين به - وهو فن البلاغة - رأي الرائد الذي يذوق أسراره في أشكاله ومعانيه تذوقا سبق به النقاد من خلفائه، ولا يزال منه من يقتفي آثاره ولا يدرك مداه.
كان محمد عبده الناقد البليغ يوقن أن اللغة مادة البلاغة وجمال التعبير، وكان من شواغله الكثيرة شاغل واحد لم تشغله عنه مهمة من مهام أعماله المتعددة التي تنوء بالعمل منها كواهل المنقطعين له والمتوفرين عليه، وذلك الشاغل الواحد هو إحياء اللغة مادة وعلما ودراسة وكتابة، فكان يعين جماعة إحياء الكتب العربية بعلمه ووقته وماله ونفوذه، وكان ينشر نماذج البلاغة السلفية ويشرحها بقلمه، أو ينوه بها في دروسه وتفسيراته من قبيل نهج البلاغة، ومقامات البديع، ودلائل الإعجاز، وأسرار البلاغة. ومن أهم المراجع اللغوية التي بذل الجهد في استحضارها وتشجيع الواقفين على طبعها كتاب المخصص لابن سيده، وهو نوع من المعجمات المبوبة على حسب المعاني والأغراض، أنفع من أكثر المعجمات التي لا عناية لها بغير جمع المفردات.
ومذهب محمد عبده الناقد في تحصيل مادة اللغة أنها تحصيل ملكة وليست بتحصيل قواعد ومصطلحات؛ لأن دقائق الفصاحة والبلاغة وبراعة التعبير تحيي الفهم، وترك الاشتغال بها «موت للحياة العقلية» ... وكان يقول: إن الكلام البليغ سهل على الفطرة، ولكنه «صعب على كل عقل تعلم البناني على السعد»، ولا قدرة للأديب على القصد في التعبير بغير توفير مادته من اللغة، ولا خير في المبالغة؛ «فإنما يأتي بالمبالغة من كان مجازفا في رأيه، والعقل السليم لا يتعدى الصدق» ... ورأيه في الشعر البليغ مع جودة اللغة أنه لا يكون شعرا إلا إذا كانت ألفاظه آخذة بجزء من روح الشاعر، وإلا فهو نظم لا بلاغة فيه. وقد كانت توجيهاته لتلاميذه من الشعراء فاتحة اشتغال شعراء عصره بالتعبير عن الحياة الإنسانية - عامة وخاصة - ولولاه لما ظهر كثير من القصائد في الموضوعات العامة، ومنها قصائد كثيرة لحافظ إبراهيم، وعبد المحسن الكاظمي، ومحمد إمام العبد، وربما أملى على الشاعر ما يقوله حضا لبعض المحسنين بأسمائهم على معونة المنكوبين، كما فعل من قصيدة «حريق ميت غمر» التي نظمها حافظ إبراهيم. •••
ويصدق على الشيخ محمد عبده الأديب أنه استعاد أطوار الأدب في كتابته من نهاية عصر التقليد إلى الطور الأوسط من عصر التجديد الحديث؛ ففي كتاباته الأولى كان يلتزم السجع على عادة المتأخرين، مع اجتناب اللغو الذي كانوا يخلطونه بمقالاتهم ولا يتحرون فيه معنى مفهوما يقصدون إليه، ثم تخلص من قيود السجع وترسل في أسلوبه، مع تحري الفصاحة في الكلمة وتصحيح الخطأ المشهور من أخطاء النحو والصرف التي كانت تتخلل الكتابة في عصره ولا تزال تتخللها في كتابة المتحرزين من هذه الأخطاء، لغلبتها الطويلة منذ أزمنة بعيدة على المفردات والتراكيب، وقد سلم أسلوب الأستاذ الإمام منها إلا القليل الذي لا يصعب رده إلى القاعدة ببعض التجوز والتأويل، ولو من قبيل تجويز الخطأ المشهور. وقد نظم الشعر في الحوادث التاريخية وفي بعض المناسبات الخاصة، وعده من النظم الذي يراد للتدوين أو التذكير، ولا يرتضيه شعرا على مذهبه في فن الشعر بين ألوان الفن الجميل.
অজানা পৃষ্ঠা