সংস্কার ও শিক্ষার প্রতিভা: ইমাম মুহাম্মাদ আবদুহ
عبقري الإصلاح والتعليم: الإمام محمد عبده
জনগুলি
الفصل الثاني عشر
المحسن المعلم
إن الإحسان إلى ذوي الحاجات فضيلة من أشرف فضائل العظمة الإنسانية وأقربها إلى الصفات الإلهية؛ لأنها قوة في العظيم تعمل عملها في إعانة الضعيف ولا تعمل عملها في إذلاله وإرغامه، على ديدن العظمة التي قد توصف بأنها قوة فرد عظيم، ولكنها لا تنسب إلى الإنسانية ولا تسمو إلى مقاربة الصفات الإلهية.
وقد كان الإحسان إلى المعوزين والضعفاء أول صفة من صفات الأستاذ الإمام، يعرفها من يعاشرونه في معيشته، ولا تقتصر معرفتهم به على المعرفة بأعماله العامة، ولكننا - على حبنا للأستاذ الإمام من أجل هذه الفضيلة بعينها - نكاد نستصغرها في كتابة سيرته؛ لأن إطعام هذا الجائع وإغاثة هذا الملهوف، وتلبية الرجاء من ذلك الطالب، وإسداء المال الميسور إلى ذلك الفقير؛ كل أولئك خير وبر وكرم، ولكنه - في النهاية - بر من واحد إلى آحاد، لا يكاد يذكر إلى جانب ذلك الخير العميم الذي نرى من أعمال الرجل في جملتها أنه يغدقه على الدنيا بكل ما أوتي من قدرة وهمة ومضاء، وأنه يدأب نهاره وليله ولا يكاد يفرغ لنفسه ساعة من النهار والليل وهو يفكر في ذلك الخير، ويعمل لذلك الخير، ويسعد ويشقى في سبيل ذلك الخير، ولا يقنعه منه أن يختص به محتاجا إلى المعونة أو شاكيا من الظلم، إلا أن يكون خيرا للأمم، وخيرا للعاملين، وخيرا لتوفير السعادة الإنسانية التي لا يخطر بباله وهو يدأب لها أنه يستثني منها أحدا من بني آدم وحواء.
وخصلة أخرى يحسب الناظر إلى إحسان هذا الرجل أنها خليقة أن تغض من فضله في هذه الفضيلة العالية، وتلك هي صدورها منه كما تصدر الدوافع الضرورية التي تملك على الإنسان مشيئته ولا تكاد تبقي له مشيئة يملكها بها أو يقاومها فيها، فإن دوافع الإحسان في نفس هذا العظيم الكريم أشبه شيء بدافع الحنان في نفس الأب الرحيم، وأي فضل للأب الرحيم في عطفه على طفله الجائع أو طفله الباكي أو طفله السقيم؟
إن فضل هذه الفضيلة يستصغر في هذه المسيرة ليبلغ غاية الكبر الذي تبلغه سجية إنسانية، فقل إن شئت إنه لا فضل لمحمد عبده في إحسانه إلا كفضل الأب في الإحسان إلى البنين، ولكنك إذن تشهد بالفضل الذي لا فضل بعده للرجل الذي تملكه رحمته بجميع الناس كما تملك الأب رحمته ببنيه.
كان محمد عبده يحسن إلى صاحب الحاجة وهو في منفاه فقير لا مورد له غير مرتبه من عمله، وكان يحسن إلى أصحاب الحاجة وهم من ذرية أعدائه المفترين عليه، وكان يحسن إلى المنقطعين عن الكسب وهو مريض محتاج إلى ماله القليل لتدبير علاجه ومعيشته في مقامه وسفره، وكان يحسن إليهم وهو في مرض الموت، ويموت وفي ودائع سره صدقات للمستعينين به لم يكن يطلع عليها أحدا من أقرب المقربين إليه.
روى السيد رشيد رضا مما علمه من أخباره يوم كان منفيا ببيروت أن صاحبا له توفي والده وليس عنده ما ينفقه في تشييعه، فأعطاه كل ما في حوزته من مال، وهو مرتبه الذي قبضه يومئذ من المدرسة السلطانية، ولولا أن رجلا في مصر أحسن إليه مثل ذلك الإحسان قبل نفيه وفى له بدينه وحوله إليه على مصرف بيروت، لاضطر إلى القرض لينفق بقية الشهر على نفسه وأهله.
ولم تكن صحيفة الجوائب المصرية من الصحف التي تتطوع لنشر مآثر المفتي، وإن لم تكن كذلك من الصحف التي سخرت للحملة عليه، ولكن صاحبها خليل مطران كان يلقى علماء الأزهر كما يظهر من حديثه مع شيخه ومن الردود في صحيفته، وكان يعرف شواغلهم وشواغل الأستاذ الإمام، وهو الذي روى بعض مآثره في مقال تأبينه، فقال عن بره بأعدائه الثائرين عليه: «إن أنجال المشايخ في الأزهر كانوا يتناولون مرتبات آبائهم بالوراثة، فرأى الأستاذ في ذلك غبنا للعلماء؛ لأن هذه المرتبات إنما هي وقف عليهم، فأعاده الأستاذ إليهم وعوض أنجال المشايخ عنها بما كان يجمعه بسعيه في رأس كل شهر من أمواله وأموال محبيه، ولقد شوهد وهو ساع هذا السعي عقب اعتزاله الأزهر وقيام الشيوخ في وجهه محاربين.»
وقد كانت له معونة شهرية لطائفة من الأدباء يأوون إليه، ومنهم حافظ وإمام والكاظمي والشنقيطي العالم اللغوي المشهور، وهو الذي قال يرثي نفسه ويذكر معونة الإمام له في غربته المنقطعة دون القادرين على المعونة في عصره:
অজানা পৃষ্ঠা