সংস্কার ও শিক্ষার প্রতিভা: ইমাম মুহাম্মাদ আবদুহ
عبقري الإصلاح والتعليم: الإمام محمد عبده
জনগুলি
وقد اتبع أستاذه جمال الدين في حملات الإصلاح من طريق السياسة، وعلى أيدي الأمراء والملوك الذين توسما فيهما صدق الرغبة في استجابة الدعوة، فلما بلغا بهذه الحملات المتداركة غاية مطافها، عاد التلميذ يراجع أستاذه فيما هو أقوى وأجدى، وقال له - روى صاحب المنار:
أرى أن نترك السياسة ونذهب إلى مجهل من مجاهل الأرض لا يعرفنا فيه أحد، نختار من أهله عشرة غلمان أو أكثر من الأذكياء السليمي الفطرة، فنربيهم على منهجنا ونوجه وجوههم إلى مقصدنا، فإذا أتيح لكل واحد منهم تربية عشرة آخرين، لا تمضي بضع سنين أخرى إلا ولدينا مائة قائد من قواد الجهاد في سبيل الإصلاح، ومن أمثال هؤلاء يرجى الفلاح.
قال السيد لتلميذه في رواية صاحب المنار: «إنما أنت مثبط، نحن قد شرعنا في العمل ولا بد من المضي فيه، ما دمنا نرى منفذا.»
ولكنه اختلاف الفطرة والاستعداد بين هذين الإمامين العظيمين؛ أحدهما خلق للتعليم والتهذيب، والآخر خلق للدعوة والحركة في مجال العمل السياسي والثورة «الأممية»، وظل المعلم المهذب على رأيه وعلى فطرته في انتظار الفرصة الملائمة لأداء رسالته على حسب استعداده.
فلما عاد إلى مصر كان في مرجوه أن يسند إليه عمل من أعمال التدريس في معاهده العليا التي لا يعوقه فيها عائق من التقاليد الموروثة عن الانتفاع ببرامج الثقافة العصرية، وأقرب هذه المعاهد إليه وأشبهها بعمله وبالرسالة التي أجمع العزم على أدائها هو معهد دار العلوم، يجمع بين ثقافة الأزهر وثقافة العصر الحديث.
غير أن ولاة الأمر أوجسوا - على ما يظهر - من إسناد وظيفة التدريس في دار العلوم إلى رجل مثله في إيمانه بقوة التعليم، واقتداره على بث هذه القوة في نفوس الناشئة من معلمي المستقبل، ومنهم مئات يتولون تعليم أبناء القطر كله بعد سنوات، وينشرون في أنحائه بذور نهضة متشعبة الأطراف، هي أخطر على ولاة الأمر من الثورة العرابية التي أخمدوها وخيل إليهم أنهم استراحوا منها.
فأبعدوه عن وظائف التعليم واختاروا له وظيفة القضاء، وهي وظيفة لوحظ فيها علمه بالشريعة ونزاهته في الحكم، وكفايته لتوجيه المحاكم الجديدة إلى وجهتها الصالحة في أوائل نشأتها، ولكن لم تلاحظ فيها رغبته ولا كفايته للإصلاح من طريقة التربية والتعليم، وكان خليقا أن يقبلها لو أنه نظر إلى مستقبله ولم ينظر إلى مستقبل رسالته في الإصلاح؛ لأن درجات الارتقاء فيها ممهدة إلى أرفعها وأعلاها في مناصب الدولة، ولم يكن للمعلم في ذلك الحين مستقبل أرفع من مستقبل النظارة على مدرسة من المدارس الصغيرة؛ لأن نظارة المدارس الثانوية والمدارس العليا كانت موقوفة يومئذ على الإنجليز والأجانب، ولم يكن ناظر المدرسة الابتدائية يرتقي إلى درجته إلا وهو على باب الإحالة إلى المعاش. فلما حيل بينه وبين معاهد التعليم، أسف لذلك وأوشك أن يستعفي ولاة الأمور من وظيفته القضائية؛ لأنه - كما قال - جرب عمله في التعليم، وعلم أنه خلق له ولم يخلق «ليقول حكمت على هذا وحكمت لذاك ...» •••
إن الذي خلق للتعليم يعلم حيث شاء، ويتعلم ما استطاع، وقد كان القاضي «محمد عبده» معلما في أحكامه، كما روى عنه الذين شهدوا جلساته وسمعوا كلماته التي كان يلقيها على المتهمين وعلى الحاضرين في الجلسة قبل النطق بحكم الإدانة، وكانت له لازمة اشتهرت عنه بين زوار المحاكم قبل تلاوة الحكم، وزعم بعضهم يومئذ أنها كانت خاصة بالأحكام المشددة، وتروى فيما نظن أنها من لوازم التأمل ومراجعة الفكر عند كثير من المعممين أو المطربشين، وهي زحزحة العمامة أو الطربوش إلى الأمام بحركة لدنية تنم على الاستغراق في التفكير، وكانت تلازم القاضي محمد عبده ثم ظلت ملازمة له بعد الانتقال من وظائف القضاء، كما سمعت من أصحابه وعشرائه، ولا نظنها كانت خاصة بالأحكام المشددة دون غيرها، إلا أن يكون تشديد الحكم مستدعيا للأناة والتأمل قبل النطق به مراجعة للفكر وإبراء للذمة، ولا نخالها - على أية حال - إلا علامة من علامات التفكير وإعادة النظر فيما يلقيه من النصائح ويمليه من الأحكام.
وقد نظر فيما يتعلمه لوظيفته، فعلم أنه بحاجة إلى التوسع في مبادئ القانون الجنائي الذي تعمل به المحاكم؛ لأن القانون المدني يجري على أحكام الشريعة في مسائل المواريث وحقوق المال والمعاملة، وعلم أن المراجع العربية لهذه القوانين لا تعطيه كفايته من الإحاطة الواجبة بتلك المبادئ في أصولها المأثورة عند فلاسفة التشريع الغربيين، فشرع في تعلم اللغة الفرنسية وثابر على تعلمها بعد انتقاله من وظائف القصاء، ولم يسبق له درس هذه اللغة في غير كتب الهجاء التي ألم بها وهو في الرابعة والأربعين من عمره، ثم شغلته عنها شواغل الثورة العرابية، فلما عاد إلى تعلمها لم يقنع بما وعاه منها للقراءة والفهم، ولم تقعده صعوبة الكلام بلفظها الصحيح عن متابعة الدرس في القاهرة وفي رحلاته إلى البلاد الأوروبية، فحرص على حضور دروس العطلة الصيفية بجامعة جنيف أثناء رحلته إلى سويسرا، وكان يعنى على الخصوص باستماع محاضرات العلماء في الآداب الأوروبية وفلسفة التاريخ، ولم يزل يقرأ ويستمع حتى جاوز في اللغة مرتبة الفهم والمطالعة إلى مرتبة الإفهام والكتابة.
قال الدكتور عثمان أمين في كتابه عن الأستاذ الإمام من سلسلة أعلام الإسلام: «لقد أجمع أصحاب الأستاذ الإمام وخاصته على أنه أتقن اللغة الفرنساوية تحدثا وقراءة وفهما، على الرغم من قرب عهده بتعلمها، وهذا ما شهد به أخيرا الأستاذ لطفي السيد (باشا) حين ذكر أن الشيخ محمد عبده هو الذي كان يجلو لإخوانه المصريين ما غمض من عبارات الفيلسوف الفرنساوي «تين» في كتابه المشهور عن الذهن، ونحن نعلم من جهة أخرى أن الأستاذ الإمام قد أملى في مرض موته فصلا بالفرنساوية نشره المسيو دي جرفيل في كتابه عن مصر الحديثة بعنوان «وصية سياسية للمرحوم المفتي الشيخ محمد عبده»، كما نعلم أن الشيخ قد ترجم عن الفرنساوية كتاب التربية للفيلسوف الإنجليزي هربرت سبنسر ترجمة تدل على تمكنه من تلك اللغة ...» •••
অজানা পৃষ্ঠা