فدخل سعيد ووجهه يتدفق هيبة وذكاء، فتلقاه الأمير عبد الله مرحبا.
وكانت عابدة أكثرهم سرورا، فإنها لم تتمالك عند دخول سعيد عن الابتسام، ونظرت إليه فابتسم لها، وجلس وهو يحيي الأمير عبد الله، ثم الفقيه ابن عبد البر.
فقال الأمير عبد الله: «مرحبا بصاحبنا سعيد. لقد أبطأت في الحضور!»
قال سعيد: «لقد كنت مشتغلا بتدبير شئون منزلي، حتى أتفرغ لخدمة مولاي الأمير.» ثم أشار إلى عابدة وقال: «كيف رأيت عابدة اليوم؟»
قال الأمير عبد الله: «إنها تأتينا كل يوم بطرب جديد. بارك الله فيها.» ثم نادى ساهرا الحاجب وأمره أن يهتم بتهيئة الطعام.
وبعد برهة أعدت المائدة فقاموا إليها، واغتنم الفقيه غفلة من الأمير عبد الله وقص على سعيد أمر الكتاب الذي جاءه من أخيه الحكم، وإجابته عليه، فلما جلسوا إلى المائدة قال سعيد: «هذه أول مرة أتناول فيها الطعام مع الأمير عبد الله ابن أمير المؤمنين عبد الرحمن الناصر، وهو شرف عظيم، والفضل في وصولي إليه يرجع إلى هذه الفتاة الأديبة.» وأشار إلى عابدة.
فأجابت عابدة، وعيناها تلمعان: «بل الفضل لك يا مولاي في وجودي هنا، فلولاك لم أنل هذه النعمة بمنادمة الأمير.»
فقطع الأمير عبد الله كلامهما قائلا: «والحق يقال إنكما صاحبا فضل علي؛ فإني أعد هذا الاجتماع طالع سعد جديد لم أصادف مثله من قبل.»
وكان الفقيه ابن عبد البر صامتا، فالتفت إلى الأمير عبد الله وبيده صدر دجاجة، يهيئه لوضعه في فمه، وقال: «أنتم جميعا أصحاب فضل إلا ابن عبد البر المسكين، وهو أول من فتح باب التعارف.» قال ذلك ووضع اللحم في فمه، ونظر إلى سعيد من طرف خفي وغمزه، فأجابه بإشارة لطيفة.
فضحك الأمير عبد الله وقد سري عنه، وقال مازحا: «ليس الفضل لأحد منا؛ وإنما الفضل لابن عبد ربه صاحب العقد الفريد؛ فإن كتابه دلنا على هذا الكنز الثمين.» وأومأ إلى عابدة بيد وإلى سعيد باليد الأخرى.
অজানা পৃষ্ঠা