فلما سمعت عابدة ذكر سعيد صعد الدم إلى وجهها، فظن الأمير عبد الله أن ذلك نتيجة الخجل، ولم يعلم ما يختلج في قلبها من الهيام بسعيد، فقال: «لا يلبث سعيد أن يأتي، وقد شعرت بالحاجة إليه في هذه الساعة، حين دخلت مكتبتي وجدت الكتب فيها مبعثرة، وسأكلفه بترتيبها. إنه رجل حكيم، وقد وقع من نفسي موقعا حسنا، ويكفي من فضله أنه كان السبب في معرفتك.»
فازداد تورد وجنتيها، وعمدت إلى التخلص، فقالت: «لعل هذا السبب الأخير أقل حسناته بالنسبة إلى مولاي الأمير، وأما بالنسبة إلى هذه الجارية فهو فضل كبير.»
ففرح الأمير عبد الله من رقة أسلوبها، وتحقق أنها راضية بالإقامة في قصره، فقال: «لا، بل الفضل له علي في ذلك، وأرجو أن أستطيع مكافأته على هذا الصنيع.»
فتنهدت عابدة وقالت وهي تصلح العود في حجرها: «إن سعيدا يستحق ثقة مولاي الأمير، وإذا اختبره وجده حكيما عاقلا صاحب رأي وهمة يتفانى في خدمته.»
فقطع الأمير عبد الله كلامها بلطف وقال: «لا نريده إلا سالما معافى، ولنا فيه خير مساعد يرتب مكتبتنا، ويهدينا إلى ما نطلبه من الكتب النفيسة.»
قالت عابدة: «نعم، ولكنه يفيد في كل أمر يستشار فيه.» قالت ذلك وهي تتشاغل بإصلاح وتر معوج، وأظهرت عند الفراغ من هذه الجملة أن العود قد تم إصلاحه، وعزفت عليه لحنا من الألحان المطربة، وغنت فطرب الأمير عبد الله، وتقدم إليها ببعض الفاكهة والحلوى، وأخذ في تقريظ الصوت الذي سمعه وإطراء أدائها له، وهي تتواضع وتجيد في العزف والغناء، والأمير عبد الله متكئ على وسادة لا يزداد إلا إعجابا بالفتاة وطربا، وقد قرر أن يكتفي بها عن سائر مطامع الخلافة.
وبينما هما في ذلك، إذ دخل الحاجب ووقف بحيث يعلم الأمير عبد الله أنه يريد أن يخاطبه، فالتفت إليه وأشار بيده يسأله عن غرضه فقال: «إن بالباب رسولا من مولانا ولي العهد يحمل كتابا إلى مولاي الأمير.»
قال الأمير عبد الله: «ولي العهد؟» وقد ساءه الرجوع إلى شيء من أمره.
فقال الحاجب: «نعم يا سيدي.»
فقال الأمير عبد الله: «أين الكتاب؟»
অজানা পৃষ্ঠা