فقطع الأمير عبد الله كلامه قائلا: «الأغاني، للموصلي؟»
قال سعيد: «كلا يا سيدي. إن مؤلفه أبو الفرج الأصفهاني، الأديب المشهور، وهو من بني أمية. إن الكتاب لم يخرج بعد للناس، ولكنني سمعت عنه شيئا كثيرا واطلعت على صفحات منه في بغداد، ولكن لا فائدة لنا من الحديث عنه؛ فقد علمت أن مولانا ولي العهد بعث بمن يشتري الكتاب من مؤلفه، وأوصاه أن يبذل له ما شاء من الدنانير.»
فالتفت الفقيه إلى سعيد وقال: «فإذا أراد مولانا الأمير عبد الله اقتناءه فمن الذي يمنعه؟!»
قال سعيد: «لا أدري، ولكني أعلم أن ولي العهد بعث بمن يشتريه، ثم إني عرفت ذلك سرا، وإنما أفضيت به هنا مصادفة وإذعانا لأمر الأمير.»
فتنحنح الأمير عبد الله ليخفي ما اضطرم في نفسه من الغيرة على تقدم أخيه عليه حتى في الأمور الأدبية، كاقتناء الكتب ونحوها، وأخذ يقلب صفحات كتاب «العقد الفريد» بين يديه. فابتدره سعيد، وهو يتظاهر بأن الكتاب يثير دهشته قائلا: «هل رأيت أجمل من هذا الخط يا سيدي؟» واستأذنه في تناول الكتاب ففتح الفصل الأول منه، وهو يبحث فيما يصحب السلطان فوضع يده على فقرة من ذلك الفصل وقال: «أظن أن مولاي فطن لهذه القاعدة من الخط، إنها خط أبي علي بن مقلة الكاتب المشهور في بغداد، وقد توفي من بضع سنين (328ه).»
فصاح الأمير عبد الله: «ابن مقلة؟ هذا خطه؟ بيده؟» قال سعيد: «كلا يا مولاي، ولكن الجارية التي نسخته من مولدات بغداد، وقد تعلمت الخط عن ابن مقلة نفسه.»
فجعل الأمير عبد الله يتفرس في الخط، وسعيد يوجه نظره إلى فقرة أخرى من ذلك الفصل، وفيها حكاية مجيء عمر بن الخطاب إلى الشام، وأخذ يظهر أنه يقرأ هذه القطعة إعجابا بخطها، فقرأ منها: «إن عمر بن الخطاب لما أتى إلى الشام، قدم على حمار، ومعه عبد الرحمن بن عوف على حمار، فتلقاهما معاوية في موكب ثقيل، فجاوز عمر حتى أخبر فرجع إليه، فلما قرب منه نزل إليه فأعرض عنه، فجعل يمشي إلى جانبه راجلا، فقال له عبد الرحمن بن عوف: «أتعبت الرجل!» فأقبل عليه عمر فقال: «يا معاوية، أنت صاحب الموكب آنفا مع ما بلغني من وقوف ذوي الحاجات ببابك؟» قال: «نعم يا أمير المؤمنين.» قال: «ولم ذاك؟» قال: «لأننا في بلد لا نمتنع فيه من جواسيس العدو، ولا بد لهم مما يرهبهم من هيبة السلطان، فإن أمرتني بذلك أقمت عليه وإن نهيتني عنه انتهيت.» فقال: «لئن كان الذي تقول حقا، فإنه رأي أريب، وإن كان باطلا فإنها خدعة أديب.»
1
ثم قرأ بعده ببضعة عشر سطرا، حكاية مجيء أبي موسى الأشعري على عمر بن الخطاب، وفيها من المبالغة بالزهد والرغبة عن الملذات ما فيها، فقرأ منها قول عمر: «يا ربيع، إنا لو نشاء لملأنا هذه الرحاب من صلائق وسبائك وصناب، ولكني رأيت الله تعالى نعى على قوم شهواتهم فقال:
أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها
অজানা পৃষ্ঠা