فازداد الفقيه رغبة في الاستطلاع، فقال: «وما ذلك؟ قل.»
قال سعيد: «ساءني أني سمعت ولي العهد، ولكن أخشى أن أكون مخطئا.»
فقال الفقيه: «لا، لا، قل ما سمعته.»
قال سعيد: أظنني سمعته يقول حين رآك وقعت مغشيا عليك ووقف منذر بن سعيد وخطب ما خطبه، سمعت ولي العهد يقول: «هذا صاحبها والأولى بها، وليس الكسيباني، فلا أدري ماذا يعني؟»
فقال الفقيه: «ألا تدري وأنت تستطلع الغيب؟! أظنك تخشى غضبي! قل ولا تخش شيئا.»
قال سعيد: «أظنه يعني منصة القضاء.»
قال الفقيه: «قد أصبت، وسينال هذا المنصب المنذر، بورك له فيه.»
فقال سعيد وهو يضحك: «لك أسوة بالأمير عبد الله العالم الزاهد. ألم تكن الخلافة أولى به؟!»
فأحس الفقيه ابن عبد البر من تلك الساعة بنقمة على الحكم، رغم ما كان غارقا فيه من نعمة، فإن فشله وفوز زميله منذر بن سعيد هاج حسده وأعماه عن الحقيقة، وزاده غرورا بنفسه، فعزا إخفاقه إلى تصادم الطوالع، وكان لقول سعيد تأثير كبير على اعتقاده، فتوهم أنه مظلوم وأن الحكم هو السبب في ظلمه، فأحس بالنقمة عليه. ولم يكن سعيد غافلا عما جال في ذهن الفقيه وهو الذي أثار كامن حقده وهاج عاطفة الحسد فيه على المنذر، والنقمة على الحكم، فلما لمح إلى أفضلية عبد الله في الظفر بالخلافة على أخيه الحكم، نظر إلى الفقيه فاستشف من ملامحه استعدادا للاقتناع، ولكن الخوف منعه من التصريح، فابتدره قائلا بصوت ضعيف لئلا يسمعه أحد سواه: «لعلي تجاوزت في قولي إلى أبعد مما يسمح به، ولكنني قلت ذلك مدفوعا بالانتصار للحق. وأنا وراق أبيع الكتب وأعرف ما يقتنيه ولي العهد منها، لكن ما شأني به!» قال ذلك وأظهر أنه يريد أن يفترق عنه.
فتوسم الفقيه ابن عبد البر من ذلك التلميح شيئا يهمه الاطلاع عليه، فعمد إلى استدراج سعيد كي يكشف له عن ذلك السر، فقال: «مهما يكن من اطلاعك على ذلك فإني أعلم منك به، وأنا كما تعلم قد عاشرت الحكم طويلا.»
অজানা পৃষ্ঠা