قال سعيد: «إنها جارية مطيعة، ما الذي يأمر به أمير المؤمنين؟ هل يلذ له الحديث أو الغناء؟»
قال الناصر: «إن الحديث يلذ لنا، هل تحدثنا بشيء لا نعرفه؟»
قال سعيد: «إنها تحفظ الشعر والأدب والأخبار من كل نوع، فما على أمير المؤمنين إلا أن يعين الموضوع الذي يختاره.»
فأطرق الناصر هنيهة ثم قال: «أخبرتني أنها من مولدات بغداد؟»
قال سعيد: «نعم.»
قال الناصر: «إن لبغداد نوادر غريبة. نحن نحب أن نسمع عن أصحابنا البغداديين، وإن كانوا لا يحبون أن يسمعوا عنا.» وضحك.
فأدرك سعيد تعريضه وقال: «طبعا هم لا يحبون سماع ما يسوءهم؛ لأن أخبار مولانا أمير المؤمنين، وما بلغ من سلطان وسطوة وما أتاه من الفتح والنصر؛ كل ذلك يسوء أهل بغداد سماعه لأنه يثير غضبهم وحسدهم، وهم الآن في منتهى الاضطراب، وقد ذهبت هيبة الخلافة منهم واستولى الأتراك على الدولة ووضعوا أيديهم على الحكومة، وأصبح الخليفة عندهم اسما بلا مسمى. أين هم من أمير المؤمنين صاحب السيادة، جامع كلمة المسلمين والمنكل بالكافرين! لم يمر بالمسلمين أيام كأيامه، ولا رأى الإسلام عزا مثل عزه.»
وكان الناصر يسمع إطراء سعيد وهو مسرور، فلما أكثر من الإطراء قطع حديثه قائلا: «نعم، ولكن للبغداديين عصرا لا مثيل له؛ عصر الرشيد والمأمون، ولا يسعنا إنكار ما لهذين من الفضل في نقل كتب العلم، ونحن الآن إنما نجني ثمار ما غرساه، وإني أحب أن أسمع أخبارهما، وكثيرا ما أطلب إلى المحدثين أن يقصوا علي حديثهما.»
فقال سعيد: «فأمير المؤمنين إذن في غنى عن سماع شيء من أخبار تلك الدولة؟»
قال الناصر: «بل أنا أحب ذلك، ويعجبني منه ما كان يعقد من مجالس الأدب والشعر، وما كان يدور من الأبحاث الجميلة.»
অজানা পৃষ্ঠা