وشغل سعيد بمشاهدة الذين كانوا في تلك الحدائق من الغلمان الوصفاء عليهم الملابس الملونة تزيدهم جمالا، وقد تقلدوا السيوف المزينة، وكبار الخصيان وذوي الأسنان، ولم يلتفت أحد منهم إلى الهودج وأصحابه؛ لأنهم كثيرا ما كانوا يرون الجواري تحمل به إلى هناك.
وكان سعيد يبحث بنظره بين هؤلاء لعله يجد ياسرا صاحبه، ثم فطن إلى أنه لا بد أن يراه ليسلم إليه عابدة، لتكون في عهدته حتى يطلبها الخليفة، فنادى الرسول فوقف، فقال له: «أين ياسر رئيس الخصيان؟»
فأشار يبده نحو قصر المؤنس وقال: «نحن ذاهبون إليه.»
فمشي سعيد معه حتى إذا اقترب من ذلك القصر رأى الرسول يترجل بسرعة، فأدرك أنه يفعل ذلك لأنه رأى أحدا من ذوي المراكز الكبيرة قادما، فالتفت فإذا هو ياسر قادم وحوله الغلمان كأنه ملك بين الأتباع والأعوان، فأسرع الرسول إليه وقبل يده ووقف متأدبا، فسأله عن خبره، فدفع إليه كتاب الأمير عبد الله وأشار إلى سعيد، فالتفت ياسر إليه، وحين وقع نظره عليه عرفه وتقدم نحوه، فأسرع سعيد إليه وحياه، فابتسم ياسر له وتفاهما. ثم أشار ياسر إلى الغلام أن يأخذ عابدة إلى غرفة خاصة، وأن يحسن وفادتها حتى يأمره باستقدامها ففعل.
ومشى سعيد إلى جانبه بين أعمدة قائمة هناك، وفوقها عريش قد تسلقت عليه الأعشاب، فلما خلوا قال ياسر: «إني مسرور بقدومك.»
فقال سعيد: «لولا علمي أن قدومي يسرك لم آت. كيف أنت وكيف مولانا؟»
قال ياسر: «مولانا كما تعهده لا يهمه إلا الإنفاق، وأنتم تعيبون عليه مسايرته لغير العرب، ونحن لا نراه يحسن مسايرتنا، فلا العرب راضون ولا غيرهم، وأنت تعلم منزلتي وبلائي في خدمته. ومع ذلك فإني أراه يفضل تماما عني، ولا يخفى عليك من هو تمام هذا؛ فقد قدمته أنا حتى بلغ هذه المنزلة. دعنا من ذلك، ما الذي جئت من أجله اليوم؟»
قال سعيد: «لا تغير الموضوع. أنت تستغرب حال تمام معك، وتعجب كيف يريد أن يحط من قدرك، ألا تعلم السبب؟»
قال ياسر: «لا.»
قال سعيد: «السبب أنك أحسنت إليه، ولعلك أحسنت إلى شخص آخر فسانده عليك.»
অজানা পৃষ্ঠা