আবদুর রহমান আল কাওয়াকিবি
عبد الرحمن الكواكبي
জনগুলি
سؤالان لا يتردد المؤرخ بينهما، بعد ما تقدم، أيهما أحق بالتوجيه وأيهما أدعى إلى الاستغراب؟ فإن حوادث العصر وحوادث السيرة الكواكبية تشيران كلتاهما إلى الأخرى متقابلتين كما يتقابل العدلان المتلازمان.
ولد الكواكبي حول منتصف القرن التاسع عشر، وتوفى بعد ختامه بسنتين، فحياته على وجه التقريب هي النصف الثاني من القرن التاسع عشر في ملتقاه بطلائع القرن العشرين، وهذه حقبة من حقب التاريخ الحديث يلوح عليها كأنها نشطت من عقال، فكل شيء فيها ينفر من الجمود والركود، ويتحفز للحركة والوثوب إلى التغيير.
كان هذا النصف الأخير من القرن التاسع عشر، في القارة الأوروبية، امتدادا لعصر الكشوف العلمية والنزعة الفكرية إلى التمرد على القديم، وكان حقبة عامرة بأسباب القلق والاندفاع إلى المجهول حيثما وجد الطريق، تمخضت عن أخطر مذاهب الفكر والأخلاق وأدعاها إلى الثورة والانقلاب، ولا نطيل في شرح المذاهب الخاصة بتلك الحقبة أو التي تعد من ولائدها ونتائجها، فإننا نطوي الكف على خمسة منها، فلا نستكثر بعدها أن يحدث في بقية القرن التاسع عشر كل ما حدث فيها من عظائم الأمور وعوامل الحركة والانقلاب.
في بقية القرن التاسع عشر شاع مذهب داروين عن التطور وتنازع البقاء، ومذهب كارل ماركس عن رأس المال، ومذهب نيتشه عن «السوبرمان» أو الإنسان الأعلى، ومذهب المدرسة الطبيعية عن حرية الفن والأدب، ومذهب الديمقراطية عن الحكومة الشعبية، وكل مذهب منها لا يستقر حيث ظهر على حال من أحوال الجمود والرضى عن التسليم والاستسلام.
ووصلت فتوح العلم إلى السوق والطريق؛ بل وصلت إلى الجهلاء الأميين أهول وأضخم من صورتها التي وصلت بها إلى العلماء الدارسين.
سمعوا الجراموفون «الحاكي» فقالوا: إن الإنسان ينطق الجماد.
وسمعوا عن البرق بأسلاكه وغير أسلاكه فجدد لهم خبر المردة المسخرين في نقل الأسرار بين السماء والأرض، وبين المشرقين والمغربين.
وسمعوا صوت الهاتف بعد أن شهدوا الصورة التي يرسمها لهم شعاع الشمس فكادوا يلحقونها بالخوارق والمعجزات.
وكبرت في أيامهم مخترعات الأمس، فأصبحت المطبعة والباخرة والبندقية أشباحا تطاول المردة، بعد أن كانت في الحقبة الغابرة ألاعيب أطفال أو أطفالا تتعثر بين المهود والحجور.
كذلك كان النصف الثاني من القرن التاسع عشر في ميدان الفكر والصناعة.
অজানা পৃষ্ঠা