আব্দুল নাসের এবং মিশরীয় বামপন্থী
عبد الناصر واليسار المصري
জনগুলি
فهناك بالفعل نقاد للعهد الناصري كانوا ممن يحرقون له البخور طوال أعوامه الثمانية عشر، وكانوا طول تاريخهم ممن يجيدون تغيير جلدهم بتغير الحاكم، ولم يكن التغيير الذي طرأ على موقفهم من حكم عبد الناصر هو التحول الوحيد في حياتهم، بل إنهم سبق أن مارسوا مثل هذا التحول في أوائل عهد عبد الناصر لصالح عبد الناصر ذاته، وضد أسيادهم السابقين، هذه حقيقة لا شك فيها، ولكني أستطيع أن أقول عن نفسي، بعبارات قاطعة: إنني لست من هؤلاء. أما السؤال التقليدي الذي يثار في هذه الأيام ضد من يوجه انتقادا للعهد الناصري والذي يقول: أين كنت في ذلك العهد ولماذا لم تتكلم أثناءه؟ ففي استطاعتي أن أجيب باطمئنان كامل أنني تكلمت، ونبهت، وانتقدت، وعلى من يود التأكد من ذلك أن يعود إلى قراءة مقالاتي في مجلة الفكر المعاصر وغيرها، وسيجد - فضلا عن ذلك - أن هذه المقالات والكتابات لم تتضمن عبارة تملق واحدة حتى من ذلك النوع الذي اعتاد الكتاب أن يبدءوا به كتاباتهم لكي يضمنوا لانتقاداتهم التالية قدرا من الأمان، وأنا أقول ذلك مطمئنا، وأتحدى من يحاول أن يثبت عكسه.
وأما عن الانتهازية، فتلك شيمة الكثيرين ممن يتصورون أن نقد التجربة الناصرية قد أصبح مطلوبا، وأنه قد يضمن لهم، في الوقت الحاضر أو في المستقبل، مزيدا من الحظوة ويكفل لهم سبيل «الوصول».
وتلك بدورها صفة بعيدة عني كل البعد؛ لسبب بسيط هو أنني راض عن نفسي وعن موقعي كل الرضا، ولو كنت من أصحاب المطالب أو التطلعات لكان لي شأن آخر وطريق آخر، منذ وقت طويل.
وبعد، فإني - أيها القارئ العزيز - أشعر بالخجل الشديد إذ أجد نفسي منساقا إلى مثل هذا الحديث الشخصي عن نفسي، ولكن ما حيلتي وأنا أود أن أكتب عن الناصرية كتابة فيها جانب سلبي، وكل من يكتب سلبيا في هذه الأيام متهم في شخصه، وفي ماضيه وحاضره وأخلاقه ألست معي أنني مضطر إلى كتابة هذه المقدمة، حتى أقنع القراء بموضوعيتي، وأضمن عدم الربط بين القضايا التي سأثيرها وبين أية اعتبارات أو مصالح شخصية؟
والآن، تعال ندخل في الموضوع ...
درس ستالين
بعد عامين أو ثلاثة من موت جوزيف ستالين، بدأت عملية إعادة تقييم واسعة النطاق لعهد ذلك الزعيم الذي حكم الاتحاد السوفيتي قرابة الثلاثين عاما، والذي حياه الكتاب في مختلف أرجاء العالم، وفي مصر أيضا عقب وفاته مباشرة بوصفه بطلا من أبطال السلام، وإنسانا عظيما، ومناضلا صلبا من أجل الاشتراكية. وأخذت تتكشف بالتدريج صورة أخرى لستالين، ظهر فيها حاكما مستبدا زج بالألوف في السجن بلا سبب، وأعدم الكثيرين دون محاكمة حقيقية، واستخدم أبشع الأساليب البوليسية من أجل توطيد مركزه الشخصي في الحكم.
ولقد أثارت عملية إعادة التقييم هذه ضجة كبيرة في أوساط المفكرين والمعلقين السياسيين في مختلف أرجاء العالم، وأحدثت رد فعل قويا لدى الكثيرين؛ فالبعض، ممن يتمسكون بالخط الشيوعي المتطرف، دافعوا بحرارة عن ستالين، مؤكدين أن الإجراءات الاستثنائية التي ربما كان قد لجأ إليها، إنما كانت ترجع إلى أنه كان يبني دولة جديدة، ويؤسس نظاما اشتراكيا لأول مرة في تاريخ العالم، ويواجه في سبيل ذلك قوى عاتية داخل بلاده وخارجها، وكفاه فخرا في نظر هؤلاء المدافعين أنه هو الذي وطد دعائم الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي، وكان هو المنتصر الحقيقي في الحرب العالمية الثانية التي كانت جبهة غرب أوروبا والشرق الأوسط فيها نزهة عسكرية إذا قيست بأهوال المعارك في الجبهة الشرقية، ونستطيع أن نقول إن موقف الدفاع هذا يمثل خطا لا تزال تأخذ به الصين الشعبية وألبانيا حتى اليوم.
غير أن الخط الذي أخذت به الغالبية الكبرى من المفكرين النظريين الاشتراكيين في مختلف أرجاء العالم، وضمنهم اليساريون المصريون، هو أن نجاح ستالين في دعم النظام الاشتراكي في بلاده، ونقلها من بلد زراعي متخلف إلى بلد صناعي من الطراز الأول، وتحقيق الصمود ثم الانتصار لها في أكبر معارك الحرب العالمية الثانية؛ كل ذلك لا يشفع له فيما ارتكبه داخليا من جرائم، ولا يعفيه من محاسبة الحزب له بعد موته، وهي المحاسبة التي بلغ من قسوتها أن نقل جثمانه من مقبرته، وحذف اسمه من مدينة «ستالينجراد» التي دارت فيها معركة التحول الحاسمة في الحرب الماضية وأغفل ذكره تماما - وكأنه لم يكن - من القواميس ودوائر المعارف التي ألفت منذ ذلك الحين.
وظهر رد فعل آخر على إعادة التقييم هذه لدى بعض المفكرين من ذوي النزعة الليبرالية؛ إذ رأوا فيها نوعا من المحاكمة الغيابية لرجل مات ولم يعد قادرا على الدفاع عن نفسه، وأبدوا استنكارهم - من وجهة النظر الأخلاقية - لأن الذين عقدوا هذه المحاكمة الغيابية هم أنفسهم زملاء ستالين ورفاقه على جرائمه، بل كانوا يؤيدونه فيها بصورة ضمنية ولم يتذكروا أنه كان مذنبا إلا بعد أن مات، غير أن الغالبية العظمى من الكتاب الاشتراكيين، ومن بينهم عدد كبير من اليساريين المصريين والعرب، دافعوا عن محاكمة ستالين بعد موته على أساس أن الاعتبارات الأخلاقية كغدر الزملاء وخيانتهم لزميلهم، والافتقار إلى الوفاء لذكرى زعيم كبير رحل عن هذا العالم، لا ينبغي أن تؤخذ في الاعتبار عند الحكم على أعمال رجل الدولة، وإني لأذكر جيدا ما كتبه كثير من اليساريين في مصر عن ضرورة الاتصاف ب «الموضوعية الثورية» التي تترك جانبا المسائل الأخلاقية وتركز على الوجه الموضوعي لتصرفات الحاكم، مؤكدين بناء على ذلك أن العهد الجديد في الاتحاد السوفيتي كان له كل الحق في محاكمة ستالين بعد موته مباشرة.
অজানা পৃষ্ঠা