فتقدم أحدهم إليه - وهو عريفهم - ونظر إلى الفضل، فتوسم من زيه أنه من كبار أهل بغداد، ولكنه أنكر تلثمه وقال: «إننا من جند أمير المؤمنين، وقد أمرنا بالقبض على هذا الرجل.»
قال: «لا أراكم من الجند، وليس عليكم شارة الدولة.»
فابتسم الرجل مظهرا الاستخفاف بذلك الإنكار، وخلع الرداء عنه وأدار ظهره ليقرئه ما هو مطرز بين كتفيه، فقرأ:
فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم ، ثم أشار العريف إلى خصره، فرأى سيفه معلقا بمنطقته.
فضحك الفضل وقال: «هذه ثياب قديمة من أيام المنصور؛ لأنه هو الذي أمر رجاله بكتابة هذه العبارة
2
على أثوابهم، وبتعليق السيوف بمناطقهم، فلا يبعد أنكم ابتعتم هذه الأثواب من بعض الوارثين لتنتحلوا الجندية، وإلا فأين اسم أمير المؤمنين الرشيد؟»
فمد الرجل ذراعه فقرأ الفضل على أعلى الكتف اسم الرشيد مطرزا بالقصب: «هارون بن المهدي أمير المؤمنين.» ثم تحول العريف عن الفضل وهو يهز رأسه، وتوجه نحو رجاله وهم لا يزالون يوثقون أبا العتاهية، وأخذ يستحثهم على الإسراع في شد الوثاق. وكان رجال الفضل واقفين ينتظرون أمره لإنقاذ أبي العتاهية، ولم يريدوا الإقدام على ذلك إلا بإشارة؛ خشية أن يكون قاصدا التنكر لغرض في نفسه.
أما هو فلما رأى استخفاف العريف به ناداه بصوت هادئ يمازجه التهديد قائلا: «ولكنه يقول لكم إنه من رجال الفضل بن الربيع.»
قال: «ومن ينبئنا بصدق قوله؟ وهب أنه صادق؛ فنحن مكلفون بالقبض عليه.» قال ذلك وهو لا يلتفت وراءه، فصاح به الفضل: «أنا أقول لك أيضا إنه من رجال الفضل؛ فاتركوه.»
অজানা পৃষ্ঠা