أما الرشيد فما كاد يرسل بصره نحو الباب حتى رأى إسماعيل داخلا والبغتة بادية على وجهه، وحول قلنسوته عمامة لم يحسن هندامها، ولا مشط لحيته أو أصلح من شأنه، كما ينبغي في مقابلة الخليفة.
فلما رآه الرشيد داخلا تجلد ورد التحية، وأشار إليه أن يجلس.
فجلس على مقعد بعيد عن الرشيد وهو يلهث حتى كاد يختنق من العجلة، فنهض الرشيد ومشى نحوه وحاول الابتسام ترحيبا به، ولكن التأثر غلب على تجلده وكظم غيظه.
أما إسماعيل فلما رأى الرشيد واقفا وقف تأدبا، فأمره بالجلوس وجلس إلى جانبه، وقد أدرك أن إسماعيل إنما جاءه في ذلك الحين لأمر هام، فاستعجل في الاستفهام منه عن غرضه، فقال إسماعيل: «جئتك شافعا يا أمير المؤمنين، وإن أبيت فمستمهلا أمرك إلى حين.»
الفصل السادس والستون
قضي الأمر
فأدرك الرشيد أنه جاءه بشأن جعفر، وعجب لاطلاعه على أمره مع مبالغته في الكتمان، كما علمت. وإنما عرف إسماعيل ذلك من ريحان - غلام جعفر - بعد مجيء عتبة بالخبر في ذلك الصباح؛ إذ حينما رفض جعفر مقابلتها وأحالها إلى ريحان، قصت عليه الخبر - وكان الموكب قد مشى - فلم يجرؤ أن يتبعه لئلا تبدو الشبهة لمسرور، فوقع في حيرة وتشاور مع عتبة. ونظرا لما يعلمانه من صداقة إسماعيل وجعفر، أجمعا على الذهاب إليه، فأسرع ريحان إلى قصره، فوجده جالسا في الحديقة، فأخبره بما جرى، واستحثه على التوسط لدى الرشيد، فتعجل في لبس ثيابه، وجاء إلى قصر الخلد فمنعه الحراس من الدخول في بادئ الأمر، ثم أذنوا له فدخل وهو لا يعلم بقتل جعفر - ولم يخطر له أن يعجل الرشيد بقتله إلى هذا الحد - وسأل عن الرشيد فقيل له إنه منفرد في دار الخاصة، فجاء ودخل، كما تقدم.
فلما سمع الرشيد قوله وعلم أنه يشفع إليه في جعفر تجاهل وقال: «إن شفاعتك مقبولة، وأمرك نافذ ولو على ولي العهد.»
فاستبشر إسماعيل وقال: «أطال الله بقاء أمير المؤمنين وحفظ أنجاله، وإنما أنا أشفع إليك في وزيرك جعفر.»
فهز الرشيد رأسه وقال: «جئت متأخرا يا ابن العم؛ فقد نفذ القضاء.»
অজানা পৃষ্ঠা