ووجدا بشارو ما يزال يغط في نومه، ويصعد أنفاسا ناشزة من شخيره ونخيره، فهزته بيدها فانتفض مرتعبا وصاح: من؟ ... من؟ ... زايا!
فضحكت وصاحت به: ألا تريد أن تودع ددف؟
فجلس في فراشه وفرك عينيه، ثم نظر إلى الغلام على ضوء المصباح الخافت، وقال: ددف ... أذاهب أنت؟ تعال أقبلك ... والآن اذهب محوطا برعاية بتاح!
وقبله بشفتيه الغليظتين مرة أخرى واستطرد: أنت الآن طفل يا ددف ولكنك ستغدو جنديا ماهرا ... إني أتنبأ بهذا، ونبوءة بشارو خادم فرعون لا تخيب ... اذهب يا بني آمنا وسأصلي من أجلك في المحراب ...
وقبل ددف يدي والده، وخرج مع والدته، وفي الردهة الخارجية لقيا خنى ونافا متأهبين ، وضحك نافا وقال: هيا أيها الجندي الباسل، إن العربة في الانتظار.
وحنت عليه زايا بوجه غيره التأثر، فرفع إليها وجها يطفح بالفرح والحب.
واها ... لقد مرت الشهور سراعا، وحمت ساعة الوداع، فلا الحضن يشفي ولا القبلة تعزي، ولا الدموع تخفف البلوى. لقد هبط ددف في السلم يسير بين أخويه واطمأن إلى مكانه من العربة جانبهما، وابتعدت العربة بالحمل العزيز، وهي ترنو إليها من خلل دموعها، حتى بلعتها زرقة الفجر.
12
وبلغت العربة «مرعى أبيس» أجمل ضواحي منف حيث تقع المدرسة الحربية ولما تشرق الشمس، ولكنهم وجدوا الميدان الممتد أمام المدرسة مزدحما بالراغبين في الالتحاق بها، وفي صحبة كل منهم واحد أو أكثر من أقربائه، وكان كل منهم ينتظر دوره في النداء عليه والذهاب للكشف، وبعدها إما يبقى داخل المدرسة أو يعود من حيث أتى.
وكأن الميدان - ذلك الصباح - كان معرضا للجياد المطهمة والعربات الفخمة؛ لأنه لم يكن يتقدم إلى المدرسة الحربية إلا أبناء الطبقة الحربية، والصفوة من أبناء الأثرياء، وتلفت ددف يمنة ويسرة فرأى وجوها ليست غريبة عليه؛ لأنه زاملها أعواما في المدرسة الأولية، فانتعشت نفسه وملئت مسرة وشجاعة.
অজানা পৃষ্ঠা