وساد الصمت مرة أخرى، ومنيت نفوس بالخيبة المريرة، وطعنت بخنجر اليأس المسموم. أما الأميرة الجميلة مري سي عنخ فتنهدت، تنهدت من أعماق صدرها بصوت مسموع، وصل إلى أذن الملك فعرف مصدره، ونظر إليها بعطف وحنان، وأشار لها بيده فهرعت إليه كحمامة تتعلم الطيران، وانكبت على يده.
ونظر الملك إلى وزيره خوميني وقال: إلي أيها الوزير بأوراق البردي لأختم حكمتي بأبلغ عظة تعلمتها في حياتي، أسرع فما بقي من العمر إلا لحظات ...
وأحضر الوزير ملفات البردي فوضعها فرعون على حجره، وأمسك بالقلم ومضى يكتب حكمته الأخيرة، وكانت مري سي عنخ جاثية إلى جانب فراشه وإلى جانبها الملكة الحزينة، وكتمت الأنفاس، فما كان يسمع إلا صرير القلم.
وانتهى فرعون فرمى القلم في إعياء شديد، وقال وهو يسلم رأسه إلى الوسادة: تمت رسالة خوفو إلى شعبه الحبيب.
ومضى فرعون يتنهد تنهدا عميقا ثقيلا، ولكنه قبل أن يستسلم إلى الراحة نظر إلى ددف وأشار إليه، فاقترب الشاب من فراش الملك ووقف كالتمثال، فأخذ فرعون يده ووضعها على يد مري سي عنخ ووضع يده النحيلة على يديهما ونظر إلى القوم وقال: أيها الأمراء والوزراء والأصدقاء، حيوا جميعا ملكي الغد.
فلم يتردد إنسان، واتجهوا جميعا بأنظارهم إلى مري سي عنخ وددف وأحنوا الهامات.
ونظر فرعون إلى سماء الحجرة وسها إليها لا يحرك ساكنا، فقلقت الملكة ومالت عليه قليلا فرأت وجهه وقد اكتسى بنور سماوي، كأنما يرى بعين بصيرته وجه أوزوريس العظيم يرنو إليه من العلا.
অজানা পৃষ্ঠা