(قال الفقيه) رحمه الله تعالى: تكلم الناس في القرآن. قال بعضهم: هو مخلوق وهو مكتوب في المصاحف، وهو قول بشر المريسي وحسين النجار ومن تابعهما. وقال بعضهم: هو غير مخلوق وهو غير مكتوب في المصاحف، وهو قول أبي عبد الله بن كرام والكلابي ومن تابعهما. وقال بعضهم: هو وحيه وتنزيله ولا نقول هو مخلوق ولا غير مخلوق، وهو قول الجهمي ومن تابعه. وقال بعضهم: هو مكتوب في المصاحف وهو غير مخلوق، وهو قول إبراهيم بن يوسف وشقيق الزاهد ومذهب مشايخنا. فأما من قال بأنه مخلوق فلأن الله تعالى قال: {الله خالق كل شيء} وقال: {إنا جعلناه قرآنا عربيا} وقال: {ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث} وأما من قال بأنه غير مخلوق فذهب على ما روي عن ابن عباس في قوله تعالى: {قرآنا عربيا غير ذي عوج} قال غير مخلوق. وروي عن سفيان بن عيينة أنه قال في قول الله تعالى: {ألا له الخلق والأمر} قال الخلق هو المخلوق والأمر هو القرآن، وهو غير مخلوق ولا تباين فيه. وروى محمد بن أبي بكر الملائي عن أبي عبد الله محمد بن جعفر عن محمد بن الأزهر قال: سمعت أبا بكر محمد بن عسكر ببغداد يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق، ومن قال: إنه مخلوق فهو كافر بالله، ومن قال باللفظ ووقف فهو جهمي. وروي عن سفيان الثوري أنه قال: من قال إن القرآن مخلوق فهو كافر. وروي عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن رجلا سأله عمن قال القرآن مخلوق قال: من قال القرآن مخلوق فهو كافر فاقتلوه. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقول: ((أعوذ بكلمات الله التامات كلها)) وقد نهى عن الاستعاذة بغير الله فلما استعاذ بكلام الله ثبت أنه غير مخلوق لأن الاستعاذة بالمخلوق لا تغني من شيء. وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: أول شيء خلق الله تعالى القلم فلو كان كلامه مخلوقا لقال ابن عباس أول شيء خلق الله القول أنه خلق الأشياء بقوله كن.
(قال الفقيه) رحمه الله تعالى: ترك المنازعة والخوض في هذه المسألة ونحوها أفضل من غير أن يقول بالخلق أو بالوقف، لأن الجدال والخصومة فيه أمر صعب فالسكوت عنه أسلم لأمر دنياك وأمر آخرتك.
الباب الخامس والعشرون بعد المائة: في الكلام في الرؤية
(قال الفقيه) رحمه الله تعالى: تكلم الناس في الرؤية. قال بعضهم: لا يرى الباري سبحانه وتعالى لا في الدنيا ولا في الآخرة وقال بعضهم: يراه أهل الجنة في الآخرة بغير كيف ولا تشبيه كما أنهم يعرفونه في الدنيا بغير تشبيه وكذلك أهل الجنة يرونه بغير كيف ولا تشبيه كما شاء الله سبحانه وتعالى وبه نأخذ، وهذا القول أصح وأبعد من البدعة. فأما من قال: إنه سبحانه لا يرى فذهب إلى قوله تعالى: {لا تدركه الأبصار} الآية وقوله تعالى لموسى عليه السلام: {لن تراني} وأما من قال بالرؤية فاحتج بقوله تعالى: {وجوه يومئذ ناظرة، إلى ربها ناظرة} وقوله تعالى: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} الآية، قال ابن عباس: الزيادة النظر إلى الله بلا كيف، وقال في آية أخرى: {كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون} وروى جرير بن عبد الله البجلي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا ثم تلا: {وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها}.
(قال الفقيه) رحمه الله: سمعت محمد بن الفضل قال: سمعت فارس بن مردويه قال: سمعت محمد بن الفضل يقول: قال علي بن عاصم: أجمع أهل السنة أن الله تعالى لم يره أحد من خلقه في الدنيا وأن أهل الجنة يرونه في الآخرة، والله أعلم.
الباب السادس والعشرون بعد المائة: في القول في الصحابة
পৃষ্ঠা ৪০০