فبهذه النفوس- حفظك الله- حفظوا أنسابهم، وتذاكروا مآثرهم، وقيّدوا لأنفسهم بالأشعار مناقبهم، وحاربوا أعداءهم، وطالبوا بطوائلهم، ورأوا للشّرف حقّا لم يره سواهم، وعملوا على أنّ الناس كلّهم دونهم.
وسأنشدك إن شاء الله بعض ما افتخر به الأعمى، واحتجّ به الأعرج، قبل أن تصير إلى قراءة الجميع، لأعجّل عليك معرفة الجملة من مذاهبهم.
وبالله التوفيق.
فمن العرجان: أبو الدّهماء، وهو الذي عيّرته امرأته بالعرج فقال:
ما ضرّ فارسهم في كلّ ملحمة ... تزحّف العرج بين السّجف والنّضد [١]
إن كان ليس بمرقال إذا نزلوا ... ففي الفروسة وثّاب على الأسد [٢]
وخطب الطائيّ الأعرج [٣] امرأة فشكت عرجه إلى جاراتها، فأنشأ يقول:
تشكي إلى جاراتها وتعيبني ... فقالت: معاذ الله أنكح ذا الرّجل
فكم من صحيح لو يوازن بيننا ... لكنّا سواء أو لمال به حملى [٤]
_________
[١] التزحف: المشي في إعياء. في الأصل: «يزحف» . والسجف: أحد مصراعي الستر، يكونان في مقدم البيت. والنّضد: السرير ينضد عليه المتاع والثياب. وفي شعر النابغة (ديوانه ١٧):
خلت سبيل أتيّ كان يحبسه ... ورفّعته إلى السّجفين فالنضد
[٢] المرقال، من الإرقال، وهو الإسراع.
[٣] هو عديّ بن عمرو بن سويد بن زبّان، المعروف بالأعرج الطائي المعنيّ، من مخضرمي الجاهلية والإسلام. الإصابة ٣٧١٣ ومعجم المرزبانى ٢٥.
[٤] في الأصل هنا، وفيما سيأتي في ص ٣٤٩ من الأصل: «ولمال به حملي»، والوجه ما أثبت.
1 / 45