وزهّدتك فيه. وذكرت لي كتاب الهيثم بن عدي في ذلك، وقد خبّرتك أني لم أرض مذهبه، ولم أحبه له حظا في حياته، ولا لولده بعد مماته» [١] .
ثم يسوق الجاحظ نموذجا من كتاب الهيثم بن عدي في العرجان، الذي ليس فيه إلا سرد أسماء من ذكرهم من العرج الأشراف، ويعقّب عليه بقوله: «ولم يك ذكر غير هؤلاء» . ثم يقول:
«وذكر العميان، وكان الذي ترك منهم أكثر مما ذكر. والعرج الأشراف أبقاك الله كثير، والعمى الأشراف أكثر» .
فمذهب الجاحظ في هذا الكتاب ليس مذهب السرد أو التشهير، أو ذكر المثالب كما عناه الهيثم بن عدي صاحب كتاب المثالب، وإنما كان مذهبه في هذا الكتاب الفذ أن يجعله ذريعة إلى بيان نظرة العرب في أدبهم وأشعارهم إلى هؤلاء القوم الذين كتبت عليهم العاهة، وتعاملهم الإنسانيّ الرفيع معهم بالقول والفعل، الذي قد يصل إلى الإسراف في مدحهم إياهم بما بدا عليهم من تلك المظاهر أو استتر.
وحينما يتناول البرص والبرصان يسهب القول ويفيض فيه ويذكر أنواعه وأسماءه، ثم يتطرق إلى بيان مختلف أسبابه وعلله ومحاولات العرب وغيرهم في علاجه بضروب من الأصباغ، وألوان من الكى بالنار.
وهو كذلك لا يذكر الأمراض والعلل الأخرى كالاستسقاء واللّقوة والشجج، إلا ليذكر الذي رووا من الأحاديث والأخبار في ذلك الداء، ومن الروايات في ذلك الدواء، وكيف كانت تعزية العائد، وجواب المعود، وكيف كان دعاؤهم، وبأيّ ضرب من الكلام كان ابتهالهم؛ فإن ذلك
_________
[١] الصفحة ٤ من المخطوطة.
1 / 16