وقد شبهت القدماء اليقين من هذه العلوم بحكم القاضي، والتصديق بحكم صاحب المظالم، والظن بحكم صاحب الشرطة، وطلبوا في الأشياء اليقين؛ فإذا وجدوه تركوا غيره ، فإذا عدموه طلبوا الإقناع الذي يقع به التصديق، فإن وجدوه أخذوا به، وإن لم يجدوه أعملوا الظن حتى يستخرجوا به علم ما يحتاجون إليه. وكذلك الحقوق إنما تطلب من الحكام بالبينات العادلة، والشهادات القاطعة فيما يحضره العدول، فإن كان الحق مما لم يشهده العدول، وطلب من أصحاب المظالم الكشف ومسألة أهل الخبرة من المشهورين، والمجاورين؛ فإن كان مما لم يشهده أحد وآخر سرا طلب من صاحب الشرطة فيوقع الظن على أهل التهمة ومن قدر جرت عادته بالريبة، فيبسط عليهم، ويحتال في تقريرهم إلى أن يظهر ما عندهم؛ وقد يجوز أن يكون فيمن توقع التهمة عليه من هو برئ # إلا أنه لا يتوصل إلى استخراج الحقوق من اللصوص وأشباههم إلا بمثل هذه الحال، ولو طلب في ذلك البينة من العدول المرضيين، أو أخبار المستوردين من المجاورين ما تهيأ استخراج سرقة أبدا، فليس في هذه الأحكام الثلاثة، إذا خرج كل واحد منها من معدنه وجرى على ترتيب ما وضع له ما ينسب إلى ظلم وجور، ولكن إن اختلفت مواقعها ومخارجها فقضى القاضي بالكشف والمسألة، وقضى صاحب المظالم بالظن والتهمة، وقضى صاحب الشرطة بالعدول والبينة، نسب كل واحد منهم إلى الجور لعدوله عما توجبه رتبته، وخروجه عن الرسم الذي رسم له، وكما لا يستغني بواحد من هؤلاء الحكام الثلاثة عن باقيهم، فكذلك لا يستغني في استخراج بواطن العلوم بواحد من هذه الوجوه التي ذكرناها عن سائرها، وهذا فيما أوردنا ذكره من الاعتبار مقنع إن شاء الله.
পৃষ্ঠা ৮৫