وإذا رأى من القوم إقبالا عليه، وإنصاتا لقوله فأحب أن يزيدهم زادهم على مقدار احتمالهم ونشاطهم، وإذا تبين منه إعراضا عنه وتثاقلا عن استماع قوله خفف عنهم، فقد قيل: من لم ينشط لكلامك فارفع عنه مثوبة الاستماع منك. وليس يكون الخطيب موصوفا بالبلاغة # ولا منعوتا بالخطابة إلا بوضع هذه الأشياء موضعها، وأن يكون على الإيجاز -إذا شرع فيه - نادرا، وبالإطالة -إذا احتاج إليها - ماهرا، فقد وصف بعضهم بالبلاغة بما قلناه، وقد سئل عنها: هي الاكتفاء في مقامات الإيجاز بالإشارة، والاقتدار في مواطن الإطالة على الغزارة، وقال الشاعر في هذا المعنى:
(يرمون بالخطب الطوال وتارة ... وحي الملاحظ خيفة الرقباء)
وقال جعفر بن يحيى: "إذا كان الإكثار أبلغ، كان الإيجاز تقصيرا، وإذا كان الإيجاز كافيا كان الإكثار هذرا"، فين ما يحمد من الإيجاز وما يحتاج إليه من الإكثار.
فأما المواضع التي ينبغي أن يستعمل كل واحد منهما فيه، فإن الإيجاز ينبغي أن يستعمل في مخاطبة الخاصة، وذوي الإفهام الثاقبة الذين يجتزئون بيسير القول من كثيره، وبمجمله عن تفسيره، وفي المواعظ والسنن والوصايا التي يراد حفظها ونقلها، ولذلك لا ترى في الحديث عن الرسول -عليه السلام - والأئمة -عليهم السلام - شيئا يطول، وإنما يأتي على غاية الاختصار والاقتصار، وفي الجوامع التي تعرض على الرؤساء فيقفون على معانيها، ولا يشغلون بالإكثار فيها.
পৃষ্ঠা ১৫৪