أما المالك والمعتق فلا يصح أن يكون مراده -صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأن عليا -عليه السلام- لم يكن مالكا لرق كل من ملك النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- رقه ولا معتقا لمن عتقه، وأما المعتق فيستحيل أن ينسب إليه النبي -صلى الله عليه وآله وسلم، وأما الحليف والجار فلا يجوز أن يكونا مراده -عليه السلام- لأن الحليف هو المنضوي إلى غيره يمنع منه وينصره ولم يكن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- حليفا لأحد على هذا الوجه فيكون أمير المؤمنين -عليه السلام- حليفه ولا كان أيضا في كل حال جار من هو جاره؛ فأما منزلهما في المدينة فمعلوم أنه واحد فهو جار من هو جاره وهذا لا فائدة في ذكره، وأما ضامن الجريرة فلا يصح أن يكون مراده لأنه لم يكن ضامن جريرة كل من ضمن جريرته ولا يصح أن يكون قد أوجب ذلك لأنه خاطب به الكافة(1) ولم يكن ضامنا جرائرهم ومستحق مواريثهم؛ وأما الناصر وابن العم فلا يصح أيضا أن يكون مراده -صلى الله عليه وآله وسلم- للعلم المشترك من الكافة بأنه ناصر من هو ناصره وابن عم من هو ابن عمه فلا يجوز من الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- أن يجمع الناس في مثل ذلك المقام العظيم الكبير ويقفهم على الرمضاء في الحر الشديد، ثم يعلمهم ما هم عالموه ويخبرهم بما هم متيقنوه وإذا لم يصح أن يكون مراده -صلى الله عليه وآله وسلم- شيئا من هذه الأقسام علمنا أن مراده ما بقى منها مما هو واجب له على العباد ويصح أن يوجبه لمن أراد ولم يبق غير قسمين: وهما الأولى والسيد المطاع فهما على كل حال المراد، ولو لم يكونا ولا واحد منهما مراده خرج كلامه عن أن يتضمن معنى يستفاد، وهذا دليل معتمد فليتأمل ففيه كفاية في هذا الباب غير مفتقر إلى ذكر المقدمة المقررة في أول الكلام وهو شاهد بأن أمير المؤمنين -عليه السلام- الأولى والسيد المطاع ويزيده بيانا أنا لو حملنا ما في الخبر من ذكر لفظة مولى على أن المراد بها جميع المعاني [44أ-أ] التي يصح ثبوتها في حقهما -عليهما السلام- مما لا تنافي بينها لكان ذلك وجها صحيحا مستعملا في اللغة العربية كما ذكره أهل الأصول في [47-ب] أحكام الحقائق المشتركة ويزيده بيانا وإيضاحا، قال -عليه السلام-: وإن كان بغير لفظة (مولى) ما قدمنا ذكره -يعني في (الشافي)- من صحيح مسلم ومن كتاب الجمع بين الصحيحين للحميدي ومن كتاب الجمع بين الصحاح الستة لرزين العبدري ما ذكره من صحيح أبي داود السجستاني.و[في] (1) صحيح الترمذي، وما رواه عن زيد بن أرقم قال: قام رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- يوما فينا خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال: ((أما بعد أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب وإني تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به -فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال: وأهل بيتي أذكركم الله في أهل، بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي)) فأوصىبكتاب الله دفعة واحدة وبأهل بيته -صلى الله عليه وآله وسلم- ثلاث دفعات ولم يزد في التأكيد في الوصاة بهم إلا لأنهم هم حفظة الكتاب والمترجمون عنه بما لا يعلمه غيرهم فثبت الوصاة بهم وبالكتاب العزيز ثم قال -صلى الله عليه وآله وسلم: ((حبلان ممدودان لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)) ويدل على أن ذلك منه -عليه السلام- وصية أنه نعى إليهم نفسه ثم وعظ وذكر، قال -عليه السلام: ومما يؤيد ما قلناه من أنه أراد بلفظ (مولى) استحقاق الإمامة وولاء الأمة دون ما عداه من سائر الأقسام ما ذكرناه من قول عمر بن الخطاب: هنيئا لك يا بن أبي طالب أصبحت مولى كل مؤمن ومؤمنة، فدل بالتهنئة له على استحقاق الولاية، فمن كان مؤمنا فعلي مولاه ومن كان ليس بمؤمن فلا حاجة إلى ذكره لخروجه عن دائرة الإسلام بأن عليا -عليه السلام- لم يكن مولاه لموضع شرط النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وشهادة عمر بذلك وهذا من أدل دليل على صحة ما أردناه.
قال -عليه السلام-: ومما يزيد ذلك بيانا أن قوله -صلى الله عليه وآله وسلم- في آخر الخبر: ((اللهم وال من والاه وعاد من عاداه)) يوجب ثبوت عصمته ووجوب موالاته ظاهرا وباطنا والقطع على معينه وذلك يقضي أنه -عليه السلام- أحق بالإمامة [44ب-أ] من غيره ممن لا يثبت ذلك فيه إذ لا يجوز العدول عن المعلوم عدالته وعصمته إلى المضنون ذلك فيه كما لا يجوز العدول إلى الاجتهاد مع وجود النص؛ وهذا شيء بين لكل من سلك طريقة الإنصاف وطرح تقليد الأسلاف، وجانب الميل إلى العناد والخلاف، ولله در القائل(1):
وهبني قلت هذا الصبح ليل ... أيعمى العالمون عن الضياء
وعند توفية النظر حقه والأخذ من النصفة بزمامها يتضح الفرق بين الصحيح والفاسد والمستقيم والمائد والمنصف والمعاند ويستقر التمييز بين الناقص والكامل، والعالم والجاهل، والحالي والعاطل، والحق والباطل، والراجح والشائك، {وما يعقلها إلا العالمون}؛ وهذا كلام لا يجد عرفه أخشم، ولا يهتدي بنوره عم عن الصواب أبكم، (شعر)(2).
ومن يك ذا فم مر مريض ... يجد مرا به الماء الزلالا
انتهى كلامه -عليه السلام- هنا.
পৃষ্ঠা ১৪৮