بحيث التبس الأمر على ابن النديم فقال إن ابن الفقيه سلخ كتابه؟ إن قول المقدسي آنفا يساعدنا على احتمال صحة هذا الرأي.
أما الطعن الثاني فقد وجهه المقدسي الذي كتب كتابه عام 375 ه- فقال:
«ورأيت كتابا صنفه ابن الفقيه الهمداني في خمس مجلدات، سلك طريقة أخرى ولم يذكر غير المدائن العظمى وأدخل فيه فنونا من العلوم. مرة يزهد في الدنيا ودفعة يرغب فيها، ووقتا يبكي وساعة يضحك ويلهي.
وأما كتاب الجاحظ فصغير. وكتاب ابن الفقيه في معناه غير أنه أكثر حشوا وحكايات واحتجا بأنا إنما أدخلنا خلال كتبنا ما أدخلنا ليتفرج فيها الناظر إذا مل.
وربما كنت أنظر في كتاب ابن الفقيه فأقع في حكايات وفنون» (1).
إن الانتقال من موضوع لآخر مخافة أن يمل القارئ هو أسلوب جاحظي.
ولا شك أن ابن الفقيه متأثر بأسلوبه- وينبغي عدم المبالغة في هذا التأثر-. إلا أن ابن الفقيه نفسه قد توخى هذا الهدف منذ البداية أي أنه جعله من أهداف الكتاب، بل جعل عنوان أحد فصوله: (باب في تصريف الجد إلى الهزل والهزل إلى الجد).
وقال في مطلع كتابه: «فكتابي هذا يشتمل على ضروب من أخبار البلدان وعجائب الكور والبنيان. فمن نظر فيه من أهل الأدب والمعرفة فليتأمله بعين الإنصاف، وليعرنا فيه حسن محضره وجميل رأيه، فإن الأجدي في المذهب شأوك وقرابة دانية ورحم ماسة ووصلة واشجة، ويهب زللي لاعترافي واغفالي لإقراري. فإني إنما ألحقت في هذا الكتاب ما أدركه حفظي وحضره سماعي من الأخبار والأشعار والشواهد والأمثال» (2).
بل إنه يباهي بهذا التنوع الذي ضمنه كتابه فهو يعقب بعد أن ذكر جملة من
পৃষ্ঠা ৪০