كتاب الرؤيا
كتاب الرؤيا
প্রকাশক
دار اللواء
সংস্করণের সংখ্যা
الأولى
প্রকাশনার বছর
١٤١٢هـ
জনগুলি
ـ[كتاب الرؤيا]ـ
المؤلف: حمود بن عبد الله بن حمود بن عبد الرحمن التويجري (المتوفى: ١٤١٣هـ)
الناشر: دار اللواء
الطبعة: الأولى، ١٤١٢هـ
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
অজানা পৃষ্ঠা
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ومن نزغات الشيطان وتضليله، ومن تحزينه في النوم وتهويله.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الذي جعل البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لأوليائه المؤمنين المتقين فقال تعالى: ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [يونس: ٦٢ - ٦٤].
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله خاتم الأنبياء والمرسلين، أرسله الله رحمة للعالمين، فبلَّغ الرسالة وأدَّى الأمانة ونصح الأمة ودلهَّم على كل خير، وحذَّرهم من كل شر، وتركهم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، وكان مما أخبرهم به أنه لم يبقَ من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو تُرى له، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد، فقد جاء في الرؤيا أحاديث كثيرة عن النبي ﷺ، بعضها في تعظيم شأن الرؤيا الصالحة، وبعضها في بيان أنواع الرؤيا وما ينبغي أن يفعله
1 / 5
من رأى شيئًا منها، وبعضها في الآداب التي تتعلق بتأويل الرؤيا، وبعضها في ذكر الرؤيا الظاهرة التي لا تحتاج إلى تأويل، وبعضها في تأويل الرؤيا التي تحتاج إلى التأويل، وسأذكر من ذلك ما تيسر إن شاء الله تعالى، وأذكر ما جاء عن بعض الصحابة والتابعين في تأويل الرؤيا وما جاء عمن بعدهم ممن اشتهر بتأويل الرؤيا.
والذي دعاني إلى الكتابة في هذا الموضوع هو ما رأيته من تهاون الأكثرين بشأن الرؤيا سواء كانت صالحة أو غير صالحة، وما رأيته أيضًا من جهلهم بالآداب التي تتعلق بالرؤيا وتأويلها وما ينبغي ذكره من الرؤيا وما لا ينبغي ذكره، وقد رأيت كثيرًا من الناس يسارعون إلى السؤال عما يرونه في المنام من الرؤيا المكروهة وذلك لعدم علمهم بأنه لا يجوز ذكرها ولا السّؤال عنها لأنها من تهويل الشيطان وتحزينه وربما حملهم حب الاطلاع على ذكرها لبعض المتخرصين الذين لا علم لهم بآداب الرؤيا وتأويلها فيعبَّرونها لهم من الوجه المكروه فيحصل لهم الغم والحزن من تعبيرهم. وربما وقع بهم المكروه من الرؤيا لما سيأتي في حديث أبي رزين العقيلي ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: «الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر فإذا عبرت وقعت». فليحذر العاقل من ذكر الرؤيا لكل أحد، وليحذر أيضًا أن يقص رؤياه على غير ذي رأي عالم بالتأويل. والأولى بالعاقل أن يكتم ما يراه في منامه من المكروه ولا يذكره لأحد من الناس ولو كان أقرب قريب إليه. وأما ما يراه من الحسن الذي يعجبه فإنه يذكره لمن يحبه كما سيأتي بيان ذلك في بعض الأحاديث الصحيحة. والله المسئول المرجو الإجابة أن يجعل عملي خالصًا لوجهه الكريم إنه خير مأمول وأكرم مسئول.
فصل
في تعظيم شأن الرؤيا الصالحة
وقد جاء في تعظيمها أحاديث كثيرة تزيد على الثلاثين:
الأول منها عن أبي هريرة ﵁ قال: سمعت رسول الله ﷺ
1 / 6
يقول: «لم يبق من النبوة إلا المبشرات»، قالوا: وما المبشرات؟ قال: «الرؤيا الصالحة» رواه البخاري. وقد رواه مالك في الموطأ مختصرًا ولفظه: «ليس يبقى بعدي من النبوة إلا الرؤيا الصالحة» ورواه أحمد وأبو داود وابن حبان في "صحيحه" والحاكم في "مستدركه" كلهم من طريق مالك وصححه الحاكم والذهبي.
الحديث الثاني: روى مالك في الموطأ عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله ﷺ قال: «لن يبقى بعدي من النبوة إلا المبشرات» فقالوا: وما المبشرات يا رسول الله؟ قال: «الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو تُرى له» «جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة» وهذا مرسل صحيح الإسناد، ويشهد له حديث أبي هريرة المذكور قبله وما سيأتي بعده من الأحاديث الصحيحة.
الحديث الثالث: عن ابن عباس ﵄ أن رسول الله ﷺ قال: «أيها الناس إنه لم يبقَ من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو تُرى له» رواه الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان في "صحيحه" والبيهقي في "سننه".
الحديث الرابع: عن أنس بن مالك ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «إن الرسالة والنبوة قد انقطعت فلا رسول بعدي ولا نبي»، قال: فشق ذلك على الناس فقال: «ولكن المبشرات»، قالوا: يا رسول الله وما المبشرات؟ قال: «رؤيا الرجل المسلم وهي جزء من أجزاء النبوة» رواه الإمام أحمد والترمذي والحاكم؛ وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب. وقال الحاكم: صحيح الإسناد على شرط مسلم ووافقه الذهبي في تلخيصه. وقال الترمذي: وفي الباب عن أبي هريرة وحذيفة بن أسيد وابن عباس وأم كرز وأبي أسيد.
الحديث الخامس: عن عائشة ﵂ أن النبي ﷺ قال: «لا يبقى بعدي من النبوة شيء إلا المبشرات»، قالوا: يا رسول الله وما المبشرات؟ قال: «الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو تُرى له» رواه الإمام أحمد
1 / 7
وابنه عبد الله بإسناد على شرط مسلم، وقد رواه البزار وقال فيه: قالوا: يا رسول الله وما المبشرات؟ قال: «الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو تُرى له».
الحديث السادس: عن أبي الطفيل – عامر بن واثلة – ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «لا نبوة بعدي إلا المبشرات»، قال: قيل: وما المبشرات يا رسول الله؟ قال: «الرؤيا الحسنة»، أو قال: «الرؤيا الصالحة» رواه الإمام أحمد والطبراني. قال الهيثمي: ورجاله ثقات.
الحديث السابع: عن حذيفة بن أسيد ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «ذهبت النبوة فلا نبوة بعدي إلا المبشرات»، قيل: وما المبشرات؟ قال: «الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو تُرى له» رواه الطبراني والبزار. قال الهيثمي: ورجال الطبراني ثقات.
الحديث الثامن: عن أم كرز الكعبية ﵂ أن النبي ﷺ قال: «ذهبت النبوة وبقيت المبشرات» رواه الدارمي وابن ماجه وابن جرير وابن حبان في "صحيحه".
الحديث التاسع: عن عبادة بن الصامت ﵁ قال: سألت رسول الله ﷺ عن قوله ﵎: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ﴾ [يونس: ٦٤]، قال: «هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو تُرى له» رواه الإمام أحمد والدارمي والترمذي وابن ماجه وابن جرير والحاكم. قال الترمذي: هذا حديث حسن، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي في تلخيصه. وفي رواية لأحمد وابن جرير عن عبادة بن الصامت ﵁ أنه سأل رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله أرأيت قول الله ﵎: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ﴾، فقال: «لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد من أمتي أو أحد قبلك»، قال: «تلك الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو تُرى له».
1 / 8
الحديث العاشر: عن أبي الدرداء ﵁ قال: سألت رسول الله ﷺ عن هذه الآية: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ﴾، فقال النبي ﷺ: «الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو تُرى له» رواه الإمام أحمد وابن أبي شيبة والترمذي وابن جرير والحاكم، وهذا لفظ ابن جرير في إحدى الروايات عنده ولأحمد نحوه في إحدى الروايات عنده. وقال الترمذي: هذا حديث حسن. زاد أحمد وابن جرير في إحدى الروايات عندهما أن رسول الله ﷺ قال: «وبشراه في الآخرة الجنة» وقد جاءت هذه الزيادة في رواية ابن أبي شيبة مختصرة.
الحديث الحادي عشر: عن عبد الله بن عمرو ﵄ عن رسول الله ﷺ أنه قال: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾، قال: «الرؤيا الصالحة يبشرها المؤمن، هي جزء من تسعة وأربعين جزءًا من النبوة فمن رأى ذلك فليخبر بها ومن رأى سوى ذلك فإنما هو من الشيطان ليحزنه فلينفث عن يساره ثلاثًا وليسكت ولا يخبر بها أحدًا» رواه الإمام أحمد من طريق ابن لهيعة عن دراج ابن أبي السمح. قال الهيثمي: وحديثهما حسن وفيهما ضعف وبقية رجاله ثقات. وقد رواه ابن جرير بنحوه مختصرًا ولفظه قال: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ «الرؤيا الصالحة يبشر بها العبد جزء من تسعة وأربعين جزءًا من النبوة» وفي رواية قال: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ «الرؤيا الصالحة يبشر بها المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة».
الحديث الثاني عشر: عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «الرؤيا الحسنة هي البشرى يراها المسلم أو تُرى له» رواه ابن جرير وإسناده صحيح. وفي رواية له عن أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ «الرؤيا الصالحة يراها العبد الصالح أو تُرى له وهي في الآخرة الجنة». وفي رواية له قال أبو هريرة ﵁: «الرؤيا الحسنة بشرى من الله وهي المبشرات».
الحديث الثالث عشر: عن هشام – وهو ابن حسان – عن محمد – وهو ابن سيرين – عن أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ قال: «إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثًا ورؤيا
1 / 9
المسلم جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة»، قال: وقال: «الرؤيا ثلاث فالرؤيا الصالحة بشرى من الله ﷿ والرؤيا تحزين من الشيطان والرؤيا من الشيء يحدث به الإنسان نفسه فإذا رأى أحدكم ما يكره فلا يحدثه أحدًا وليقم فليصل»، قال: «وأحب القيد في النوم وأكره الغُلّ، القيد ثبات في الدين» رواه الإمام أحمد عن يزيد – وهو ابن هارون – عن هشام وإسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد رواه مسلم وأبو داود والترمذي من طريق عبد الوهاب الثقفي عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ بنحوه إلا أنه قد جاء في رواية مسلم: «ورؤيا المسلم جزء من خمس وأربعين جزءًا من النبوة» وليست هذه الجملة في رواية أبي داود. وجاء في رواية مسلم بعد قوله قال: «وأحب القيد وأكره الغُلّ والقيد ثبات في الدين» فلا أدري هو في الحديث أم قاله ابن سيرين، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
ورواه الترمذي أيضًا من طريق قتادة عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «الرؤيا ثلاث فرؤيا حق ورؤيا يحدث بها الرجل نفسه ورؤيا تحزين من الشيطان فمن رأى ما يكره فليقم فليصلَّ»، وكان يقول: «يعجبني القيد وأكره الغُلّ، القيد ثبات في الدين»، وكان يقول: «من رآني فإني أنا هو فإنه ليس للشيطان أن يتمثل بي»، وكان يقول: «لا تقصّ الرؤيا إلا على عالم أو ناصح». قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
قلت: ويستفاد منه أن ذكر القيد والغُلّ مرفوع إلى النبي ﷺ.
ورواه ابن ماجه من طريق الأوزاعي عن ابن سيرين عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «إذا قرب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثًا، ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة» هكذا رواه مختصرًا وإسناده صحيح.
ورواه عبد الرزاق في "مصنفه" عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ قال: «في آخر الزمان لا تكاد رؤيا المؤمن تكذب وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثًا، والرؤيا ثلاث، الرؤيا الحسنة بشرى من الله، والرؤيا يحدث بها الرجل نفسه، والرؤيا تحزين من الشيطان
1 / 10
فإذا رأى أحدكم رؤيا يكرهها فلا يحدث بها أحدًا وليقم فليصل». قال أبو هريرة: يعجبني القيد وأكره الغُلّ، القيد ثبات في الدين، وقال النبي ﷺ: «رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة» وقد رواه الإمام أحمد والترمذي والحاكم من طريق عبد الرزاق. وساق مسلم إسناده من طريق عبد الرزاق وذكر منه قول أبي هريرة: «يعجبني القيد وأكره الغُلّ والقيد ثبات في الدين»، وقال النبي ﷺ: «رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة». وأما أول الحديث فقد اكتفى عن ذكره بما ذكره قبله من رواية عبد الوهاب الثقفي عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة ﵁.
وقد رواه البخاري في «باب القيد في المنام» من طريق عوف -وهو الأعرابي- قال: حدثنا محمد بن سيرين أنه سمع أبا هريرة ﵁ يقول: قال رسول الله ﷺ: «إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة وما كان من النبوة فإنه لا يكذب». قال محمد: وأنا أقول هذه. قال: وكان يقال الرؤيا ثلاث: حديث النفس وتخويف الشيطان وبشرى من الله؛ فمن رأى شيئًا يكرهه فلا يقصه على أحد وليقم فليصلَّ، قال: وكان يُكره الغُلّ في النوم، وكان يعجبهم القيد، ويقال القيد ثبات في الدين. وروى قتادة ويونس وهشام وأبو هلال عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي ﷺ وأدرجه بعضهم كله في الحديث. وحديث عوف أبين. وقال يونس: لا أحسبه إلا عن النبي ﷺ في القيد.
قلت: قد جاء ذكر الغُلّ والقيد مرفوعًا وموقوفًا في أحاديث صحيحة، فأما الرفع فإنه ظاهر من رواية هشام بن حسان عن ابن سيرين، وصريح في رواية قتادة عن ابن سيرين، وصريح أيضًا فيما رواه الدارمي عن محمد بن عبد الله الرقاشي عن يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ أنه كان يقول: «أكره الغُلّ وأحب القيد، القيد ثبات في الدين» إسناده صحيح على شرط الشيخين. وأما الوقف فإنه صريح في رواية أيوب عن ابن سيرين، وصريح أيضًا فيما رواه ابن أبي شيبة عن أبي أسامة عن هشام – وهو ابن حسان – عن محمد – وهو ابن
1 / 11
سيرين – عن أبي هريرة ﵁ قال: «أحب القيد في المنام وأكره الغُلّ، القيد ثبات في الدين» إسناده صحيح على شرط الشيخين. وعلى هذا فإنه يحتمل أن أبا هريرة ﵁ كان يحدث به تارة مرفوعًا وتارة يحدث به ولا يرفعه، وكذلك كان يفعل ابن سيرين يحدث به تارة مرفوعًا وتارة موقوفًا. وأما الرواة عن ابن سيرين فإن كلا منهم يحدث بما سمعه منه من الرفع أو الوقف، وبهذا يحصل الجمع بين الروايتين والله أعلم.
الحديث الرابع عشر: عن عوف بن مالك ﵁ عن رسول الله ﷺ قال: «إن الرؤيا ثلاث، منها أهاويل من الشيطان ليحزن بها ابن آدم، ومنها ما يهم به الرجل في يقظته فيراه في منامه، ومنها جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة» رواه ابن أبي شيبة وابن ماجه وابن حبان في "صحيحه" من حديث أبي عبيد الله مسلم بن مِشْكَم عن عوف بن مالك. وزاد ابن ماجه قال: قلت له: أنت سمعت هذا من رسول الله ﷺ؟ قال: نعم، أنا سمعته من رسول الله ﷺ، أنا سمعته من رسول الله ﷺ. وقد ذكر ابن حبان هذه الزيادة إلا أنه لم يكرر قوله، أنا سمعته من رسول الله ﷺ.
الحديث الخامس عشر: عن يحيى بن سعيد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: سمعت أبا قتادة بن ربعي يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «الرؤيا الصالحة من الله والحُلْم من الشيطان، فإذا رأى أحدكم الشيء يكرهه فلينفث عن يساره ثلاث مرات إذا استيقظ وليتعوَّذ بالله من شرها فإنها لن تضره إن شاء الله». قال أبو سلمة: «إن كنت لأرى الرؤيا هي أثقل عليّ من الجبل فلما سمعت هذا الحديث فما كنت أباليها». رواه مالك والبخاري ومسلم وهذا لفظ مالك. ورواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه مختصرًا، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وزاد مسلم في رواية له: «وليتحول عن جنبه الذي كان عليه». وفي رواية ابن ماجه قال: «الرؤيا من الله والحُلْم من الشيطان فإن رأى أحدكم شيئًا يكرهه فليبصق عن يساره ثلاثًا وليستعذ بالله من الشيطان الرجيم ثلاثًا وليتحول عن جنبه الذي كان عليه» إسناده صحيح وهو أحد الأسانيد عند مسلم.
1 / 12
ورواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم أيضًا من طريق الزهري عن أبي سلمة قال: كنت أرى الرؤيا أُعْرَى منها (١) غير أني لا أزمّل (٢) حتى لقيت أبا قتادة فذكرت ذلك له فقال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «الرؤيا من الله والحُلْم من الشيطان فإذا حَلَم أحدُكم حُلْمًا يكرهه فلينفث عن يساره ثلاثًا وليتعوَّذ بالله من شرها فإنها لن تضره» هذا لفظ مسلم. وفي رواية أحمد قال: «فمن رأى رؤيا يكرهها فلا يخبر بها وليتفل عن يساره ثلاثًا وليستعذ بالله من شرها فإنها لا تضره». قال سفيان مرة أخرى: «فإنه لن يرى شيئًا يكرهه»؛ سفيان هو ابن عيينة رواه عن الزهري ورواه عنه أحمد. ورواية البخاري مختصرة.
ورواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم أيضًا من طريق عبد ربه بن سعيد عن أبي سلمة قال: إن كنت لأرى الرؤيا تمرضني قال: فلقيت أبا قتادة فقال: وأنا فكنت لأرى الرؤيا تمرضني حتى سمعت رسول الله ﷺ يقول: «الرؤيا الصالحة من الله فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث بها إلا من يحب وإذا رأى ما يكره فليتفل عن يساره ثلاثًا وليتعوَّذ بالله من الشيطان الرجيم وشرها ولا يحدث بها أحدًا فإنها لا تضره» ورواه الدارمي بنحوه وزاد: «فإذا رأى أحدكم ما يحب فليحمد الله».
وفي رواية لمسلم قال: «الرؤيا الصالحة من الله والرؤيا السوء من الشيطان فمن رأى رؤيا فكره منها شيئًا فلينفث عن يساره وليتعوذ بالله من الشيطان لا تضره ولا يخبر بها أحدًا، فإن رأى رؤيا حسنة فليبشر ولا يخبر إلا من يحب».
_________
(١) قوله: أعْرى منها، أي يصيبني البرد والرَّعْدَة من الخوف يقال: عُرِي فهو مَعْرُوٌ. قال الجوهري: العُرَواء قرة الحمى ومسها في أول ما تأخذ بالرعدة وقد عُرِيَ الرجل على ما لم يسم فاعله فهو مَعْرُوٌ. وقال النووي في "شرح مسلم": أعرى بضم الهمزة وإسكان العين وفتح الراء أي أحَمُّ لخوفي من ظاهرها. قال أهل اللغة: يقال: عُرِيَ الرجل بضم العين وتخفيف الراء يُعْرى إذا أصابه عُراء بضم العين وبالمد وهو نفض الحمى، وقيل: رعدة انتهى.
(٢) قوله أزمَّل، قال النووي: معناه أغطى وألفّ كالمحموم.
1 / 13
ورواه الإمام أحمد والبخاري أيضًا من طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي قتادة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: «من رأى رؤيا تعجبه فليحدث بها فإنها بشرى من الله ﷿ ومن رأى رؤيا يكرهها فلا يحدث بها وليتفل عن يساره ويتعوذ بالله من شرها» هذا لفظ أحمد، ولفظ البخاري قال: «الرؤيا الصالحة من الله والحُلْم من الشيطان فإذا حلم أحدكم فليعوذ منه وليبصق عن شماله فإنها لا تضره» ورواه البخاري أيضًا من طريق عبيد الله بن جعفر عن أبي سلمة عن أبي قتادة ﵁ عن النبي ﷺ قال: «الرؤيا الصالحة من الله والحُلْم من الشيطان فمن رأى شيئًا يكرهه فلينفث عن شماله ثلاثًا وليتعوذ من الشيطان فإنها لا تضره».
ورواه الإمام أحمد والبخاري أيضًا من طريق يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه ﵁ أن النبي ﷺ قال: «إن الرؤيا الصالحة من الله والحُلْم من الشيطان فإذا حَلَم أحدكم حُلْمًا يخافه فليبصق عن شماله ثلاث مرات وليتعوذ بالله من الشيطان فإنه لا يضره» هذا لفظ أحمد. وعند البخاري قال: «فليبصق عن يساره وليتعوذ بالله من شرها فإنها لا تضره» ورواه الدارمي بنحو رواية أحمد.
الحديث السادس عشر: عن أبي سعيد الخدري ﵁ أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: «إذا رأى أحدكم الرؤيا يحبها فإنما هي من الله فليحمد الله عليها وليحدث بها، وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان فليستعذ بالله من شرها ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضره» رواه الإمام أحمد والبخاري.
الحديث السابع عشر: عن جابر بن عبد الله ﵄ عن رسول الله ﷺ أنه قال: «إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق عن يساره ثلاثًا وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثًا وليتحول عن جنبه الذي كان عليه» رواه ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم وابن ماجه وابن حبان.
الحديث الثامن عشر: عن ابن عمر ﵄ أن النبي ﷺ قال: «الرؤيا الصالحة جزء من سبعين جزءًا من النبوة فمن رأى خيرًا فليحمد الله
1 / 14
عليه وليذكره ومن رأى غير ذلك فليستعذ بالله من شر رؤياه ولا يذكرها فإنها لا تضره» رواه الإمام أحمد والطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح غير سليمان بن داود الهاشمي وهو ثقة. وقال الشيخ أحمد محمد شاكر في تعليقه على المسند: إسناده صحيح.
الحديث التاسع عشر: عن أم سلمة ﵂ قالت: قال رسول الله ﷺ: «إذا رأى أحدكم في منامه ما يكره فلينفث عن يساره ثلاثًا وليستعذ مما رأى» رواه الإمام أحمد. قال الهيثمي: ورجاله ثقات.
الحديث العشرون: عن أنس بن مالك ﵁ أن رجلًا جاء إلى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله إني أرى الرؤيا تمرضني، فقال رسول الله ﷺ: «الرؤيا الحسنة من الله والسيئة من الشيطان فإذا رأى أحدكم ذلك فلينفث عن يساره ثلاثًا وليتعوذ بالله من شرها فإنها لا تضره» رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي: وفيه كثير بن سليم وهو ضعيف وقد وثقه ابن حبان وذكره في الضعفاء.
قلت: يشهد لحديثه كثير من الأحاديث الصحيحة التي تقدم ذكرها.
الحديث الحادي والعشرون: عن عبد الله بن مسعود ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «الرؤيا الصالحة بشرى وهي جزء من سبعين جزءًا من النبوة» رواه البزار والطبراني في "الكبير والصغير". قال الهيثمي: ورجال الصغير رجال الصحيح.
الحديث الثاني والعشرون: عن ابن عمر ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ: «الرؤيا الصالحة جزء من سبعين جزءًا من النبوة» رواه الإمام أحمد ومسلم وابن ماجه.
الحديث الثالث والعشرون: عن ابن عباس ﵄ عن النبي ﷺ قال: «الرؤيا الصالحة جزء من سبعين جزءًا من النبوة» رواه الإمام أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني. قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح.
الحديث الرابع والعشرون: عن أبي هريرة ﵁ قال: قال
1 / 15
رسول الله ﷺ: «رؤيا العبد المؤمن الصادقة الصالحة جزء من سبعين جزءًا من النبوة» رواه الإمام أحمد. قال الهيثمي: وفيه كليب بن شهاب وهو ثقة وفيه كلام لا يضر. وقد رواه ابن حبان في "صحيحه" مختصرًا ولفظه: «الرؤيا جزء من سبعين جزءًا من النبوة».
الحديث الخامس والعشرون: عن أبي سعيد الخدري ﵁ عن النبي ﷺ قال: «رؤيا الرجل المسلم الصالح جزء من سبعين جزءًا من النبوة» رواه ابن أبي شيبة وابن ماجه.
الحديث السادس والعشرون: عن أنس بن مالك ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: «الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة» رواه مالك وأحمد والبخاري وابن ماجه وابن حبان في "صحيحه".
الحديث السابع والعشرون: عن أبي سعيد الخدري ﵁ أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: «الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة» رواه البخاري.
الحديث الثامن والعشرون: عن أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: «رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة» رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه. وفي رواية لأحمد ومسلم: «الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو تُرى له جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة»، ورواه مسلم ولفظه: «رؤيا المسلم يراها أو تُرى له». وفي حديث ابن مسهر: «الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة». وساق مالك في "الموطأ" إسناده إلى أبي هريرة وأحال بلفظه على حديث أنس الذي تقدم ذكره.
الحديث التاسع والعشرون: عن عبادة بن الصامت ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة» رواه
1 / 16
الإمام أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والدارمي. وقال الترمذي: حديث صحيح.
الحديث الثلاثون: عن أنس ﵁ قال: قال النبي ﷺ: «رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة» رواه البخاري.
الحديث الحادي والثلاثون: عن أبي رزين – واسمه لقيط بن عامر العقيلي – ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة» رواه الإمام أحمد وابن أبي شيبة والترمذي وابن ماجه وابن حبان والحاكم. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح وصححه الحاكم والذهبي. وفي رواية لأحمد والترمذي وابن حبان: «رؤيا المؤمن جزء من أربعين جزءًا من النبوة». وفي رواية لأحمد: «الرؤيا الصالحة جزء من أربعين جزءًا من النبوة». وفي رواية لابن حبان: «الرؤيا جزء من سبعين جزءًا من النبوة».
الحديث الثاني والثلاثون: عن عوف بن مالك ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة» رواه البزار.
الحديث الثالث والثلاثون: عن جابر ﵁ أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: «رؤيا الرجل المؤمن جزء من النبوة» رواه الإمام أحمد. قال الهيثمي: وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن وفيه ضعف.
فصل
في ذكر الآثار عن الصحابة والتابعين
في تعظيم شأن الرؤيا الصالحة
وقد جاءت عنهم في ذلك آثار كثيرة. منها ما رواه ابن جرير عن ابن مسعود ﵁ أنه قال: «ذهبت النبوة وبقيت المبشرات»، قيل: وما المبشرات؟ قال: «الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو تُرى له».
1 / 17
ومنها ما رواه ابن جرير أيضًا عن ابن عباس ﵄ في قوله: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [يونس: ٦٤] قال: «هي الرؤيا الحسنة يراها المؤمن أو تُرى له». وفي رواية قال: «هي الرؤيا الحسنة يراها العبد المسلم لنفسه أو لبعض إخوانه» ورواه ابن أبي شيبة بنحو هذه الرواية.
ومنها ما رواه ابن جرير أيضًا عن أبي هريرة ﵁ قال: «الرؤيا الحسنة بشرى من الله وهي المبشرات» ورواه ابن أبي شيبة ولفظه قال: «الرؤيا من المبشرات وهي جزء من سبعين جزءًا من النبوة».
ومنها ما رواه ابن جرير أيضًا عن نافع بن جبير عن رجل من أصحاب النبي ﷺ في قوله: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ قال: «هي الرؤيا الحسنة يراها الإنسان أو ترى له».
ومنها ما رواه عبد الرزاق وابن أبي شيبة عن ابن مسعود ﵁ أنه قال: «الرؤيا الصالحة الصادقة جزء من سبعين جزءًا من النبوة» هذا لفظ ابن أبي شيبة، ولفظ عبد الرزاق: «رؤيا المؤمن جزء من سبعين جزءًا من النبوة».
ومنها ما رواه ابن أبي شيبة عن أنس ﵁ أنه قال: «رؤيا المسلم جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة».
ومنها ما رواه مالك في "الموطأ" عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يقول في هذه الآية: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ﴾ قال: «هي الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو تُرى له» ورواه ابن أبي شيبة وابن جرير بنحوه.
ومنها ما رواه ابن أبي شيبة عن مجاهد: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ قال: «هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو تُرى له» ورواه ابن جرير بنحوه.
1 / 18
ومنها ما رواه ابن جرير عن عطاء في قوله: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ قال: «هي رؤيا الرجل المسلم يبشر بها في حياته».
ومنها ما رواه ابن جرير أيضًا عن إبراهيم قال: كانوا يقولون: «الرؤيا من المبشرات».
ومنها ما رواه ابن جرير أيضًا عن يحيى بن أبي كثير في قوله: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ قال: «هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو تُرى له». وهذه الآثار لها حكم الرفع وقد تقدمت بألفاظها في الأحاديث المرفوعة.
فصل
في ذكر فوائد الأحاديث التي تقدم ذكرها
وقد اشتملت الأحاديث التي تقدم ذكرها على فوائد كثيرة وأمور مهمة من آداب الرؤيا وما يتعلق بها من الأحكام.
الأولى: تعظيم شأن الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو تُرى له، وبيان أنها من المبشرات التي يبشر بها المؤمن في حياته كما أخبر الله بذلك في قوله: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ﴾. قال ابن العربي المالكي: معنى صلاحها استقامتها وانتظامها. انتهى.
الثانية: أن الرؤيا الصالحة جزء من أجزاء النبوة، وقد اختلفت الروايات في تحديد هذا الجزء كما تقدم، وكثرت أقوال العلماء في توجيه الروايات بما لا طائل تحته ولا فائدة في ذكره. وقد قال ابن العربي المالكي في "عارضة الأحوذي": القدر الذي أراده النبي ﷺ أن يبيّن أن الرؤيا جزء من النبوة في الجملة لنا لأنه اطلاع على الغيب، وذلك قوله: «لم يبق بعدي من النبوة إلا المبشرات» وتفصيل النسبة تختص به درجة النبوة. وقال أيضًا وأنا موعز إليكم أن لا تتعرضوا لأعداد الشريعة فإنها ممتنعة عن إدراكها في متعلقاتها. انتهى.
وقال الخطابي في الكلام على قوله ﷺ: «رؤيا المؤمن جزء من ستة
1 / 19
وأربعين جزءًا من النبوة» معنى هذا الكلام تحقيق أمر الرؤيا وتأكيده. ونقل العيني في "عمدة القاري" عن الزجاج أنه قال تأويل قوله: «جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة» أن الأنبياء ﵈ يخبرون بما سيكون والرؤيا تدل على ما يكون. انتهى. وذكر الخطابي عن بعض العلماء أنه قال: معناه أن الرؤيا تجيء على موافقة النبوة، لا أنها جزء باق من النبوة. وقال آخر: معناه أنها جزء من أجزاء علم النبوة باقٍ، والنبوة غير باقية بعد رسول الله ﷺ وهو معنى قوله ﷺ: «ذهبت النبوة وبقيت المبشرات الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو تُرى له». انتهى.
الثالثة: أن الرؤيا من الله والحُلْم من الشيطان. قال ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث": الرؤيا والحُلْم عبارة عما يراه النائم في نومه من الأشياء، لكن غلبت الرؤيا على ما يراه من الخير والشيء الحسن، وغلب الحُلْم على ما يراه من الشر والقبيح. ومنه "أضغاث أحلام" ويستعمل كل منهما موضع الآخر، وتضم لام الحُلم وتسكن. ومنه الحديث: «من تَحلَّم كلّف أن يعقد بين شعيرتين» أي قال: إنه رأى في النوم ما لم يره. يُقال: حَلَم بالفتح إذا رأى، وتَحَلَّم إذا ادعى الرؤيا كاذبًا. انتهى.
وقال الجوهري: الحُلْم بالضم ما يراه النائم تقول منه حَلَم بالفتح واحتلم، والحِلْم بالكسر الأناة تقول منه حَلُم الرجل بالضم وتَحَلَّم تكلف الحِلْم، وتحالم أرى من نفسه ذلك وليس به. انتهى. وقال النووي: أما الحُلْم فبضم الحاء وإسكان اللام، والفعل منه حَلَم بفتح اللام. انتهى.
الرابعة: أنه إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب. وقد ذكر الخطابي وغيره من العلماء في معنى اقتراب الزمان قولين، أحدهما: أنه قرب زمان الساعة ودنو وقتها. والثاني: أن معنى اقترب الزمان اعتداله واستواء الليل والنهار. قال الخطابي والمعبرون: يزعمون أن أصدق الرؤيا ما كان في أيام الربيع ووقت اعتدال الليل والنهار.
قلت: والقول الأول هو الصحيح وقد جاء النص على ذلك في رواية أيوب السختياني عن ابن سيرين عن أبي هريرة ﵁ عن
1 / 20
النبي ﷺ أنه قال: «في آخر الزمان لا تكاد رؤيا المؤمن تكذب» وهو حديث صحيح وقد تقدم ذكره في الحديث الثالث عشر. وأما القول الثاني فباطل مردود لأنه لا قول لأحد مع قول رسول الله ﷺ، وقد قال ابن العربي المالكي في "عارضة الأحوذي" قوله: "اقترب الزمان" هو افتعل من القرب، واختلف في معناه فقيل: أراد به اقترب من الاعتدال، والثاني إذا اقترب من الانتهاء بإقبال الساعة. فأما الأول فلا يصح من وجهين. أحدهما: أن اعتدال الليل والنهار ليس له في ذلك أثر ولا يتعلق به معنى إلا ما قالته الفلاسفة من أن اعتدال الزمان تعتدل به الأخلاط. وهذا مبني على تعليقها بالطبائع وهو باطل. الثاني: أنه يعارضه أن الزمان يعتدل إذا شارفت الشمس الميزان وهو معارض لصناعتهم لأن في ذلك الزمان وإن كان في مقابلة مشارفة الحمل تسقط الأوراق ويسقط الماء عن الثمار عكس المقارن الأول. والرؤيا عندهم فيه قاصرة وقد اغتّر بعض الناس بهذا التأويل فقال به، والأصح أنه اقتراب يوم القيامة فإنها الحاقة التي تحق فيها الحقائق فكلما قرب منها فهو أخص بها. انتهى.
ونقل ابن حجر في "فتح الباري" عن ابن أبي جمرة أنه قال: معنى كون رؤيا المؤمن في آخر الزمان لا تكاد تكذب أنها تقع غالبًا على الوجه الذي لا يحتاج إلى تعبير فلا يدخلها الكذب. قال: والحكمة في اختصاص ذلك بآخر الزمان أن المؤمن في ذلك الوقت يكون غريبًا فيقل أنيس المؤمن ومُعينه في ذلك الوقت فيكرم بالرؤيا الصادقة. انتهى.
الخامسة: أن أصدق المؤمنين حديثًا أصدقهم رؤيا. قال النووي: ظاهره أنه على إطلاقه لأن غير الصادق في حديثه يتطرق الخلل إلى رؤياه وحكايته إياها. وقال القاضي أبو بكر بن العربي المالكي قوله: «أصدقهم رؤيا أصدقهم حديثًا» وذلك لأن الأمثال إنما تضرب له على مقتضى أحواله من تخليط وتحقيق وكذب وصدق وهزل وجدّ ومعصية وطاعة. قال ابن سيرين: ما احتلمت في حرام قط، فقال بعضهم: ليت عقل ابن سيرين في المنام يكون لي في اليقظة. انتهى. ونقل الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" عن المهلب أنه قال: الناس على ثلاث درجات، الأنبياء ورؤياهم كلها صدق وقد
1 / 21
يقع فيها ما يحتاج إلى تعبير، والصالحون والأغلب على رؤياهم الصدق وقد يقع فيها ما لا يحتاج إلى تعبير، ومن عداهم يقع في رؤياهم الصدق والأضغاث وهم على ثلاثة أقسام. مستورون فالغالب استواء الحال في حقهم، وفسقة والغالب على رؤياهم الأضغاث ويقل فيها الصدق، وكفار ويندر في رؤياهم الصدق جدًا، ويشير إلى ذلك قوله ﷺ: «وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثًا» وقد وقعت الرؤيا الصادقة من بعض الكفار كما في رؤيا صاحبي السجن مع يوسف ﵇ ورؤيا ملكهما وغير ذلك. انتهى.
وقال القرطبي: المسلم الصادق الصالح هو الذي يناسب حاله حال الأنبياء فأكرم بنوع مما أكرم به الأنبياء وهو الاطلاع على الغيب، وأما الكافر والفاسق والمخلط فلا، ولو صدقت رؤياهم أحيانًا فذلك كما قد يصدق الكذوب، وليس كل من حدًّث عن غيب يكون خبره من أجزاء النبوة كالكاهن والمنجم. انتهى. وقال ابن حجر: إن الرؤيا الصحيحة وإن اختصت غالبًا بأهل الصلاح فقد تقع لغيرهم. انتهى.
السادسة: تقسيم الرؤيا إلى ثلاث. الأولى: رؤيا حق وهي الرؤيا الصالحة التي هي بشرى من الله لمن رآها أو رؤيت له. الثانية: رؤيا مما يحدث به الرجل نفسه. الثالثة: رؤيا أهاويل من الشيطان ليحزن بها ابن آدم. قال القاضي أبو بكر بن العربي المالكي: أما تقسيم الرؤيا على ثلاثة أقسام فهي قسمة صحيحة مستوفية للمعاني وهي عند الفلاسفة على أربعة أقسام بحسب الطبائع الأربع، وقد بيّنا في كل كتاب ونادينا على كل باب وصرخنا على الوهاد والأنقاب بأنه لا تأثير للأخلاط ولا فعل، وإنما الصحيح ما قاله النبي ﷺ وهي الرؤيا البشرى إما بمحبوب وإما بمكروه وإما تحزين من الشيطان يضرب به الأمثال المكروهة الكاذبة ليحزنه، وإما خطرات الوساوس وحديث النفوس فتجري على غير قصد ولا عقد في المنام جريانها في اليقظة. انتهى.
السابعة: الإخبار عن الرؤيا التي تعجب من رآها بأنها بشرى من الله.
الثامنة: أنه ينبغي للمؤمن أن يستبشر بالرؤيا الحسنة لقوله في بعض
1 / 22
الروايات عن أبي قتادة ﵁: «فإن رأى رؤيا حسنة فليبشر». قال الإمام أحمد: الرؤيا تسرّ المؤمن ولا تغرّه.
التاسعة: الأمر لمن رأى رؤيا يحبها أن يحمد الله عليها ويحدث بها.
العاشرة: نهي من رأى رؤيا حسنة أن يخبر بها إلا من يحب. وهذا مما يتساهل فيه كثير من المنسوبين إلى العلم فضلًا عن العامة فتجد كثيرًا منهم يخبر بالرؤيا الحسنة من يحب ومن لا يحب.
الحادية عشرة: نهي من رأى رؤيا يكرهها أن يحدث بها أحدًا. وهذا أيضًا مما يتساهل فيه كثير من الناس.
الثانية عشرة: الأمر لمن رأى رؤيا يكرهها أن يبصق عن يساره ثلاثًا إذا استيقظ وأن يستعيذ بالله من الشيطان ثلاثًا وأن يتحول عن جنبه الذي كان عليه.
الثالثة عشرة: أمره أيضًا أن يستعيذ من شر رؤياه.
الرابعة عشرة: الإخبار بأن من فعل ما أمر به إذا رأى الرؤيا المكروهة واجتنب ما نهي عنه من التحديث بها فإنها لا تضره. وقد قال ابن سيرين: اتق الله في اليقظة ولا تبال ما رأيت في النوم.
الخامسة عشرة: أمر من رأى رؤيا يكرهها أن يقوم فيصلي. قال ابن العربي المالكي: لأن التحرم بها عصمة من الأسواء ونهي عن المنكر والفحشاء. انتهى.
السادسة عشرة: أن رؤية القيد في المنام حسن محمود وقد تقدم النص على أن القيد ثبات في الدين. قال أبو بكر ابن العربي المالكي: إنما جعل القيد ثباتًا في الدين لأن المقيد لا يستطيع المشي وقد ضربه النبي ﷺ مثلًا للإيمان الذي يمنع عن المشي إلى الباطل فجعله ثباتًا في الدين كذلك. انتهى.
السابعة عشرة: أن رؤية الغُلّ في المنام مكروه لأنه من صفات أهل النار. والغُلُّ بضم المعجمة وتشديد اللام واحد الأغلال. قال الفيومي في
1 / 23